الرئيسية / أخبار لبنان /تحقيقيات وتقارير /المرحلة المقبلة ورسائل التشييع

جريدة صيدونيانيوز.نت / المرحلة المقبلة ورسائل التشييع

 

Sidonianews.net

--------------------

الجمهورية / جوني منير

إذا كان «حزب الله» قد نجح في توجيه رسالة مدوية من خلال الحشود الشعبية الكبيرة التي حضرت وشاركت في تشييع أمينيه العامين الشهيدين السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، والتي شكّلت ما يشبه الإستفتاء له، خصوصاً بعد سلسلة الخسائر والنكسات التي تعرّض لها خلال الأشهر الماضية على المستويين العسكري والسياسي، إلّا أنّ ثمة رسائل أخرى تحمل أبعاداً أكبر ظهرت في التشييع. وأبرز تلك الرسائل جاءت من إيران، قبل أن يأتيها الجواب الإسرائيلي.

ففي الوقت الذي انشغلت فيه الأوساط اللبنانية في متابعة مراحل التشييع ومستوى الحضور الرسمي والحزبي إضافة الى كلمة الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، كانت الدوائر الديبلوماسية الغربية تقرأ في مستوى الحضور الإيراني وظهور الأعلام الإيرانية، إضافة إلى المساهمة في ترتيب بعض جوانب التشييع، رسالة إيرانية مفادها أنّ الحرب الإسرائيلية والتطورات السورية لم تنجحا في إخراج إيران من الساحة اللبنانية، وأنّ الحضور الإيراني متجذّر وباقٍ في انتظار تطورات جديدة تسمح له بإعادة «بناء ما تهدّم». ومن هذه الزاوية قرأت هذه الأوساط في تحليق الطائرات الإسرائيلية على علو مخفوض في سماء بيروت خلال إلقاء قاسم لكلمته، رداً جوابياً لإسرائيل مفاده أنّه لا عودة عسكرية إلى الوراء.

فرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وعلى رغم من وقف إطلاق النار إن في لبنان أو حتى في غزة، لا يزال يرسل الإشارات المتلاحقة إلى أنّ المشروع الذي يحمله تحت عنوان «تغيير وجه الشرق الأوسط» لا يزال مستمراً، خصوصاً أنّ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أعطت دفعاً قوياً في الاتجاه نفسه، خصوصاً بعدما ظهرت التوافقات بين الرجلين خلال الزيارة الأخيرة لنتنياهو إلى واشنطن. ولا يبدو أنّ الرئيس الأميركي موافق أيضاً على تغيير وجه الشرق الأوسط فقط، بل يبدو أنّه يطمح إلى تغيير على مستوى الخريطة السياسية العالمية، وهو ما باشر بتنفيذه.

وإذا كانت حرب غزة قد فتحت الباب أمام حرب لبنان وسقوط نظام الأسد والاندفاع في اتجاه تغيير المعادلة العريضة للمنطقة، فإنّ حرب أوكرانيا فتحت بدورها شهية ترامب لإنجاز تغييرات كبرى تطاول العلاقة مع روسيا والركائز التي قامت عليها العلاقة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا منذ التسوية الكبرى الناجمة عن الحرب العالمية الثانية.

ومن مزايا ترامب وفريق إدارته، الإفصاح عن الأهداف التي يسعى إليها البيت الأبيض. فخلال مؤتمر ميونيخ للأمن، والذي عُقد منذ أسابيع، وجّه نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس إنتقادات للقادة الأوروبيين بسبب سياستهم حول الهجرة والرقابة القائمة على المعارضة السياسية، والمقصود هنا التضييق القائم على أحزاب أقصى اليمين. ومنذ أيام عاد فانس وهدّد ألمانيا بأنّ بلاده ستعيد النظر في وجودها العسكري على الأراضي الألمانية، وبالتالي تعديل الإلتزامات الدفاعية الأميركية، اعتراضاً على مواقف برلين في شأن حرّية التعبير السياسي عبر الإنترنت. وللتذكير، فإنّ المانيا تستضيف نحو 35 ألف جندي أميركي ضمن ما يُعرف بالتزامات أمنية أميركية بدأ العمل بها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في إطار استراتيجية الردع لمواجهة روسيا. وكلام فانس يؤشر إلى أنّ حقيقة الخلاف مع دول أوروبا الغربية ليس مالياً كما ظهر، بل سياسي. ويبدو أنّ التغيير السياسي في الدول الأوروبية بدأت بوادره بالظهور. فأولى مؤشرات الإندفاعة «الترامبية» سجّلت تقدّماً واضحاً لليمين المتطرّف في الإنتخابات البرلمانية التي جرت أمس، وفق ما أشارت له استطلاعات الرأي. وهو ما يعني دقّ ناقوس الخطر ليس فقط في ألمانيا، بل أيضاً للأنظمة القائمة في عموم أوروبا.

وأهمية الحاصل هو أنّه يأتي عقب اتفاق «مبهم» تمّ بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإغلاق الحرب المندلعة في أوكرانيا. وسيكون من باب السذاحة الإعتقاد بأنّ هذا التفاهم «الغريب» كان محصوراً فقط في الشأن الأوكراني. على الأقل فإنّ المؤشرات لا توحي بذلك. فليس سراً أنّ بوتين يسعى إلى خريطة سياسية جديدة في أوروبا، وأنّه نسج علاقات متعددة مع أحزاب اليمين المتطرّف. كذلك فإنّ ترامب والمعروف عنه «نفوره» من عدد من الزعماء الأوروبيين (وهذا النفور متبادل)، بدا وكأنّه يميل إلى نسف القواعد القائمة على المستوى الدولي، واستبدالها بركائز جديدة تقوم على مفاهيم أخرى. وهو يعتقد أنّ روسيا بقيادة بوتين قادرة على أن تساعد في مشروع إعادة تشكيل أوروبا والشرق الأوسط والتنسيق معاً لاحتواء تمدّد الصين.

ومن المفترض أن يزور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف طهران غداً الثلاثاء. وتأتي هذه الزيارة في خضم التقارب الحاصل بين واشنطن وموسكو، وهو ما يدفع بالقيادة الإيرانية إلى الشعور بقلق غير معلن. فمن الطبيعي أن تكون هنالك خشية إيرانية من أن يؤدي هذا التقارب الأميركي ـ الروسي إلى انعكاسات سلبية على التعاون الاستراتيجي بين موسكو وطهران. ولا بدّ أن تكون القيادة الإيرانية التي تستعد لمواجهة حملة الضغوط القصوى لترامب، قد ربطت بين وضع إدارة ترامب الأولوية لإنهاء حرب أوكرانيا وبالتالي إنجاز التفاهمات مع موسكو وترك الملف الإيراني للمرحلة الثانية. فهذا قد يبعث على الشك في أنّ الشرق الأوسط هو أحد بنود التفاهمات العميقة بين ترامب وبوتين.

وهنالك ما يشجع على هذا الاعتقاد. ففي الأروقة الديبلوماسية همسٌ حول الدور الروسي في إنهاء نظام الأسد سريعاً. ذلك أنّ سقوط دمشق بهذه السرعة المدهشة ومن دون طلقة رصاص واحدة حمل أسراراً عدة. وتروي أوساط ديبلوماسية، أنّ الأسد والذي سعى للتواصل مع بوتين منذ سقوط حلب، تلقّى «نصيحة» روسية بضرورة ترك دمشق والمغادرة، وأنّ موسكو ستؤمّن حمايته وتتولّى إخراجه عبر قواتها في قاعدة حميميم، وإلّا فإنّها ستنفض يدها منه وتتركه لمصيره في حال تملّصه.

وفي حال صحّت هذه الرواية فهذا يؤشر إلى وجود تفاهمات عميقة وكبيرة تطاول مجمل الخريطة السياسية الجاري رسمها في المنطقة، والتي تساهم فيها روسيا في إطار تفاهمات دولية أوسع. واستطراداً، فإنّه لا بدّ لطهران من قراءة المشهد كله بعناية. صحيح أنّ الإشارات الصادرة عن واشنطن حرصت دائماً على تأكيد عدم المس بالنظام القائم في إيران، لكن وفي الوقت نفسه كانت الإشارات، لا بل الدعوات، متلاحقة حول إلزامية إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة والابتعاد عن الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط وعن مياه الخليج والممرات المائية للتجارة العالمية.

وبخلاف التصريحات المعلنة، إلّا أنّ إيران باتت تعتمد سياسة إقليمية مرنة. ففي بحر الخليج غابت استهدافات الحوثيين للسفن خلال الأسابيع الماضية. وحتى في لبنان بدا التمسك الإيراني بالمحافظة على نفوذه مجدداً وتحت سقف عدم الإندفاع في المواجهة حتى السياسية. وهذا ما يفسّر عدم حصول تداعيات سياسية بعد «اختبار» طريق المطار. فلم تحصل انسحابات من الحكومة ولا مواجهات وكباش حول السلطة الفتية الناشئة. والإشارة الأبلغ جاءت مع كلمة الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، الذي تمسك بسقف الدولة واتفاق الطائف وبأنّ للحرب وجوهاً عدة غير الرصاص.

لكن هذه الإشارات الإيجابية قد لا تعني أنّ الأمور انتظمت، إذ إنّ المطلوب هو خروج إيران من الساحة اللبنانية، وهو ما تعمل له إدارة ترامب. وهنا تأتي المساعدة الروسية والتي تقلق طهران بلا شك.

ومن المفترض أن تنال الحكومة اللبنانية الفتية، والتي تختزن معادلة داخلية جديدة، الثقة النيابية قبل نهاية هذا الأسبوع، ليبدأ بعدها فوراً الرئيس اللبناني العماد جوزاف عون زيارته الخارجية الأولى إلى السعودية على رأس وفد وزاري لتوقيع 22 اتفاقاً. لكن ثمة حسابات سياسية لا تزال مفتوحة. فالمملكة لم ترسل بعد أي إشارات توحي بأنّها ستباشر في تخصيص مبالغ مالية في إطار مشروع إعادة الإعمار. وصحيح أنّ دولة قطر أبدت استعدادها لتمويل يناهز الـ5 مليارات دولار، لكنها قد لا تُقدم على ذلك في حال لم تعط السعودية الضوء الأخضر. وهذا الضوء في حاجة إلى خطوات سياسية تحاكي المطلب المرفوع والقاضي بخروج النفوذ الإيراني من لبنان. ولا حاجة للإشارة إلى تصاعد مستوى الحساسية بين الشارعين الشيعي والسنّي، خصوصاً بعد التغييرات التي طاولت سوريا.

وحتى في الجنوب، فإنّ الإنسحاب الإسرائيلي من النقاط الخمس تربطه واشنطن بإنهاء كل المؤشرات العسكرية والأمنية لـ»حزب الله» في الجنوب. وعدم وجود تحصينات إسرائيلية قوية في النقاط الخمس يعزز الإعتقاد بأنّ الإحتلال الإسرائيلي ليس مرشحاً لأن يطول. وغالب الظن أنّ الحكومة الإسرائيلية تريد عدا عن «الضمان» الأمني والعسكري، إضفاء جو أمني يساعد المستوطنين للعودة إلى بيوتهم بدءاً من مطلع الشهر المقبل، أي أن تشكّل عامل اطمئنان لهم.

قريبا جداً، من المفترض أن تعلن واشنطن ومعها موسكو انتهاء حرب أوكرانيا، على أن ينتقل التركيز بعدها على الشرق الأوسط إنطلاقاً من إيران. ومن المفترض أيضاً أن تحصل جولة مفاوضات أميركية ـ إيرانية تنتج من بعدها التسوية المنشودة للملف النووي، وهو ما يعني ضمناً الإنتقال فعلياً من مرحلة إلى أخرى.

--------------------------

جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / المرحلة المقبلة ورسائل التشييع

2025-02-24

دلالات: