الرئيسية / أخبار لبنان /مقالات /قراءة في دلالات التشييع... هل من فرص تنتظر لبنان؟

جريدة صيدونيانيوز.نت / قراءة في دلالات التشييع... هل من فرص تنتظر لبنان؟

 

Sidonianews.net

----------------------

الجمهورية

جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة

ليس عابراً ما حدث الأحد الماضي، يوم تشييع الأمين العام السابق لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله وخليفته السيد هاشم صفي الدين اللذين اغتالهما العدو الإسرائيلي بغارتَين جويّتَين على مكان وجودهما في ضاحية بيروت الجنوبية في 27 أيلول و3 تشرين الأول 2024.

وبعيداً من الأهواء التي رافقت تقويم التشييع: عدداً، تنظيماً، مشاركة خارجية ومواقف سياسية أطلقها الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، فإنّ قراءة واقعية للمشهد من زواياه كافة، تبقى ضرورية لتقدير وجهة بوصلة الغد في بلد مقبل على مرحلة مفصلية: تعافٍ كلي وسريع، أو تعثر معيق وهو بعد في فترة النقاهة.

فالتشييع كان حدثاً بارزاً لا يجوز التقليل من أهميته ودلالاته، أو البحث عن مسوغات ومبرّرات وتفاصيل للقول إنّه ليس في المستوى المنتظر. فالعدسة الدولية والعربية، كما المراقبون الموضوعيِّون، جزموا بأنّ لبنان لم يشهد تشييعاً بمثل هذه الضخامة في تاريخه المعاصر. على أنّ الأهم من الحدث في حدّ ذاته هي النتائج الميدانية والسياسية التي ستترتّب عليه. لقد أثبت التشييع أنّه على رغم من هول ما تعرّض له «حزب الله» وبيئته من خسائر فادحة واختراقات مدوّية وحملات مبرمجة إعلامياً، فإنّ محاولات الفكاك بينهما، أو إحداث شرخ، لم تحقق غايتها بل تحوّل الأمر إلى عكسه، وهذا ما أظهرته في وضوح كثافة المشاركة الشعبية في التشييع. واعتُبِر ذلك ورقة قوة بيد الحزب بعد إعلانه الالتزام بوقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701، وترك أمر معالجة الجرائم الإسرائيلية في الجنوب، واعتداءاتها المتكرّرة عليه وعلى البقاع، وإنهاء احتلال المواقع الخمسة، للدولة اللبنانية التي أدارت محرّكاتها الديبلوماسية في غير اتجاه.

وكانت كلمة الأمين العام لـ«حزب الله» حافلة بمواقف مرنة ومتقدّمة لجهة تأكيده العمل تحت سقف اتفاق الطائف والمشاركة السياسية الإيجابية، تاركاً للدولة أن تقوم بما كان ينبغي أن تقوم به أصلاً، مؤكّداً الاستعداد للبحث في دور المقاومة وسلاحها في إطار الاستراتيجية الدفاعية للبنان. وإنّ مثل هذه الاستراتيجية هي مسؤولية الدولة أولاً وأخيراً. كذلك، ألقى الشيخ قاسم كرة إعادة الإعمار في مرمى الدولة، لا تخففاً من مسؤوليات «حزب الله» تجاه جمهوره، بل ملاقاة لموجة المواقف التي جاهرت بأنّ لا إعمار من خارج الدولة، وأنّ كل قرش يُرسَل لهذه الغاية من دولة أو جهة خارجية يجب أن يمرّ في قناتها. وهذا الأمر يضع الحكومة وأجهزة الدولة معاً أمام الامتحان. وثمة مَن يقول بعد الإطلاع على النقاط الأربع الواردة في خطاب الأمين العام لـ»حزب الله» أنّ الانفتاح على الدولة والاستعداد التام للتفاعل معها إيجاباً في المواضيع التي أشار إليها، هو رسالة واضحة بأنّ «حزب الله»، بالإضافة إلى كونه حزباً مقاوماً، هو حزب سياسي يعمل تحت سقف الدستور والدولة، وأنّ حقه في المقاومة هو حق مشروع تضمنه المواثيق والقرارات الأممية ووقائع الميدان إذا استمرّت إسرائيل في إعتداءاتها واختلاق الذرائع التي تُبرّر لها البقاء في المواقع التي اختارت أن تحتلها، واستمرار الطلعات الجوية والغارات في غير منطقة من لبنان.

بطبيعة الحال، سيكون ما بعد التشييع مختلفاً عمّا قبله. الرهان على ضعف «حزب الله» والفصل بينه وبين بيئته، كان رهاناً خاطئاً، وإنّ كل ما كُتِبَ في هذا السياق كان خارجاً عن الموضوع. وستكون لهذا الأمر تردّداته في صندوقة الاقتراع في انتخابات العام 2026 النيابية، ودوره في صَوغ التحالفات الانتخابية، خصوصاً في المناطق المختلطة التي للصوت الشيعي فيها تأثير مباشر في حسم نتائجها.

وثمة مظهر لافت يتصل بالمشاركة الخارجية في التشييع، يدلّ إلى امتدادات الحزب وتحالفاته التي تتجاوز حدود لبنان، ما يؤكّد أنّ محوَر الممانعة الذي تعرّض إلى ضربات موجعة وانتكاسات كبيرة، وفي مقدّمه إيران التي تواجه ضغوطاً غير مسبوقة، ومحاولات لتشديد طَوق العزلة حولها، لا يزال يحافظ على حدٍّ من التنسيق في انتظار متغيّرات أو تطوّرات ما. وقد يطول الانتظار لأنّ الهجمة الأميركية على المنطقة وذراعها الإسرائيلية هي في ذروة عنفها واندفاعها، وتستبيح كل شيء لفرض معادلات جديدة قد تقلب المشهد الدولي والإقليمي رأساً على عقب.

بعد التشييع الكبير ثمة أسئلة تُطرَح:

أ - هل سيتمكن «حزب الله» من توظيف الطوفان البشري الذي شارك في التشييع للحفاظ على تماسكه، ووحدته، وزيادة اللحمة مع جمهوره، وتأكيد استحالة إحداث أي انشقاق أو تباعد بينه وبين بيئته؟ المشاركة جاءت بهذه الكثافة بسبب ما للشهيدَين من حُبّ ورمزية لدى الشيعة في لبنان والعالم. وهي عبّرت عن حالة وجدانية وعاطفية، تكتسب أهمّيتها بالقدرة على ترجمتها عملياً على الأرض بترسيخ حضور الحزب أكثر فأكثر. وهذا هو التحدّي الذي يتعيّن عليه مواجهته في قابل الأيام.

ب - هل ستُفيد الدولة، وخصوصاً الحكومة، من النقاط الإيجابية التي وردت في خطاب الأمين العام لـ»حزب الله»، وتبدأ حواراً يؤدّي إلى مؤتمر وطني تُبحَث فيه كل القضايا، وفي مقدّمها الخطة الدفاعية التي أشار إليها قاسم في كلمته وترك فيها للدولة أن تعالج تواصل الاعتداءات الإسرائيلية عبر قنواتها الديبلوماسية.

ج - هل يُعيد الحزب النظر في تحالفاته السياسية والانتخابية؟ وهل سيكون حجم مشاركة الأطراف من الطوائف الأخرى مسيحية وإسلامية في التشييع ونوعيّته ومستواه، معياراً يعتمده في صَوغ تحالفاته المستقبلية؟

د - هل سيعتمد الحزب سياسة الانكفاء المرحلي، وينصرف إلى إعادة هيكلة وضعه التنظيمي الداخلي ورصّ الصف استعداداً للانتخابات النيابية في العام 2026؟ أم يضع برنامج تحرّك سياسي هدفه إعادة تمَوضعه في المشهد الوطني مترسملاً بدعم جمهوره وبيئته له؟

في أي حال، كان المشهد في «مدينة كميل شمعون الرياضية» استثنائياً وغير مسبوق، غنياً بالدلالات والرسائل. وكَم كان أجمل لو أنّ مشاركة سائر الطوائف في المناسبة، بما يتجاوز رمزية التمثيل ومحدوديّته، سواء بالنسبة إلى قياداتها الروحية أو السياسية، فيُكرِّس مشهدية وطنية جامعة يحتاجها لبنان اليوم، وهو يغادر إلى مربع جديد. ألم يَحن الوقت لإزاحة الحواجز والشروع في كسرها؟ ألم يشكّل التشييع فرصة متبادلة لإعادة ترميم جسور الثقة المتصدّعة؟

على اللبنانيِّين في نهاية المطاف أن يُركّزوا على الـ»ما بعد» وما يمكن أن تحمله رياح التطوّرات.

---------------------------

جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / قراءة في دلالات التشييع... هل من فرص تنتظر لبنان؟

 

2025-02-25

دلالات: