الرئيسية / أخبار لبنان /تحقيقيات وتقارير /لبنان يدخل كنف الوصاية الأميركية

جريدة صيدونيانيوز.نت / لبنان يدخل كنف الوصاية الأميركية

 

Sidonianews.net

----------------------

الجمهورية / طوني عيسى

الفكرة الأساسية التي يرمي دونالد ترامب إلى تحقيقها، خلال ولايته الرئاسية، ليست خافية على أحد. إنّها MAGA، أي «فلنجعل أميركا عظيمة من جديد». وفي اعتقاد التيار الذي يمثله ترامب، ويضمّ رجال أعمال كباراً ورجال فكر وعلم بمستويات رفيعة جداً، كإيلون ماسك، أن استعادة «عظمة أميركا» كانت دائماً ممكنة التحقق، لكن ما أعاقها هو وجود رجال تنقصهم الشجاعة والرؤية، ومنهم الرئيس جو بايدن.

في تقدير ترامب ورفاقه أنّ حرب روسيا ـ أوكرانيا ما كانت لتقع لو كانت واشنطن في العهد السابق تمتلك الهيبة الكافية، كقائدة للعالم. وكذلك، ما كانت إيران تجرؤ على زعزعة استقرار الشرق الأوسط وتتمادى في بناء مشروعها النووي، لو لم تحصل على المكاسب التي وفّرها لها باراك أوباما في اتفاق فيينا 2015، وما كان حلفاء واشنطن التقليديون في المنطقة، كإسرائيل والمملكة العربية السعودية، يتعرّضون للتهديدات من خلال الأذرع الإيرانية. وكذلك، لما كانت الصين قد استفادت من الثغرة لتحقق خروقاً في أوروبا وآسيا وإفريقيا.

يعتمد ترامب نهجاً غير مألوف في البراغماتية، بل الماكيافيلية، أصاب الحلفاء قبل الخصوم بصدمات كبيرة. وفي هذا المناخ، بديهي أن يُتهم الرجل بانتهاك قواعد اللياقة الديبلوماسية في تعاطيه مع دول العالم وقادتها. والنموذج هنا لقاؤه «المرير» مع زيلينسكي في البيت الأبيض، وفيه حاول الضيف الأوكراني الاحتفاظ لنفسه بالحدّ الأدنى من صفات رئيس الدولة المستقلة ذات السيادة، في وجه رئيس دولة كبرى يُصدِر الأوامر للتنفيذ بلا نقاش. ولكن ما حصل بعد أيام هو أنّ زيلينسكي نفسه عاد وأعلن التزامه بما كان يرفضه.

براغماتياً، يطلب ترامب من أوكرانيا أن تسدّد أكلاف المساعدات التي حصلت عليها من واشنطن، وأن تتنازل لروسيا عن بعض من أراضيها «رشوة» لوقف الحرب. وسبق لهنري كيسنجر، عند اندلاع الحرب، وكان حينذاك يطرق بعمره باب المئة، أن طرح على الرئيس الأوكراني فكرة التنازل عن بعض الأراضي للروس، مقابل أن يوقفوا الحرب، لأنّ الخسائر التي ستتكبّدها أوروبا كارثية، ولأنّ الصين ستستغل الوضع لتقحم نفسها إلى جانب روسيا، فتمدّ نفوذها إلى قلب أوروبا وحلف الأطلسي. وقد غضب زيلينسكي يومذاك من كيسنجر، كما غضب قبل أيام من ترامب، وقال: «فليتبرّع السيد كيسنجر بأرض من الولايات المتحدة لا من أرضنا!».

عندما شاهد قادة العالم، من خصوم ترامب وحلفائه، ما جرى مع زيلينسكي أخيراً، أدركوا أن «لا مجال للمزاح» مع ترامب. فهو يتقدّم كـ«البلدوزر»، ولا يقبل اعتراضاً. وما فعله بسيط وفق قواعد القوة. فقط، هو قرّر استخدام رصيد الولايات المتحدة بكامله، بلا تردّد ولا مهادنة. وهذا يكفي ليجعل العالم يحلّق حول مدار الولايات المتحدة.

اليوم، ينتظر ترامب من فلاديمير بوتين أن يقدّم عرضاً أكثر تواضعاً، فلا يستغل رحابة الصدر الأميركية والغربية لإنهاء الحرب. لكنه، في انتظار الجواب، استفاد من «هدوء أعصاب» موسكو وتقاربها مع واشنطن، لعزل إيران. ولذلك، هو يهدّد «حماس» و«حزب الله» والحوثيين بمصير موجع جداً، ويطلب منهم أن يوقفوا أنشطتهم كأذرع لإيران، تحت طائلة التعرّض لضربات غير مسبوقة. ثم يبعث بالرسائل إلى طهران نفسها، طالباً منها الاستسلام بالسياسة لئلا تستسلم بالضربات العسكرية.

حتى الآن، تمنح إدارة ترامب حكومة بنيامين نتنياهو ضوءاً أخضر مطلقاً لضرب أذرع إيران في لبنان وغزة وسوريا واليمن. كما تمنح المملكة العربية السعودية رصيداً وازناً في صناعة القرار الشرق أوسطي واحتضان المفاوضات الأميركية ـ الروسية ـ الأوكرانية لإنهاء الحرب. وأما الحكومات الأخرى في الشرق الأوسط فباتت كلها بلا استثناء في الحضن الأميركي. وعلى الأرجح، لم يعد هناك من يشكّل إزعاجاً للسياسة الأميركية في الإقليم لسنوات. ويجدر التذكير بأنّ الحكم السوري الجديد بات في الحضن الأميركي، ولا داعي للتذكير أيضاً بقرب الحكومة اللبنانية من واشنطن.

يعمل الأميركيون اليوم لفرض «السلام الأميركي» الذي يذكّر بـ»السلام الروماني» الذي ساد في مرحلة غابرة من التاريخ. ولا يُخفى على أحد أنّ الوسيطة الأميركية الجديدة، مورغان أورتاغوس، ترجمت بوضوح إرادة التصرف بقوة وحزم مع لبنان، إذ طالبت «حزب الله» بالتزام مندرجات وقف النار بكاملها، تحت طائلة المسؤولية. وفي الأيام الأخيرة، وجّهت إدارة ترامب تهديدات مباشرة إلى حكومة لبنان: إما نزع سلاح «الحزب» ضمن فترة زمنية محددة، وإما إطلاق يد إسرائيل لتوجّه ضرباتها أينما كان.

يعني هذا أنّ أحداً لن يقف في وجه الرؤية الأميركية للتسويات في الشرق الأوسط، من إيران نفسها إلى شاطئ المتوسط في لبنان وسوريا. والأرجح أنّ السلطة الجديدة في لبنان «تمدّ رجليها» على هذا القياس، ولا تتهور بالاستعجال، ما دامت الأمور ذاهبة حتماً في اتجاه واحد واضح.

وفوق ذلك، بات الجميع يدركون أنّ لبنان ـ كما الشرق الأوسط كله ـ دخل بهدوء كنف الوصاية الأميركية المباشرة، من شؤون السياسة والديبلوماسية إلى العسكر والأمن إلى الاقتصاد والمال. ومن الأمثلة المباشرة على ذلك، اعتراف لبنان بحق واشنطن في ممارسة «الفيتو» على اسم حاكم مصرف لبنان المركزي، بل حقها في التسمية. وطبعاً، لا ينسى أحد أنّها الآمر الناهي في مسألة وقف النار مع إسرائيل وتمكين الجيش وتلقّي المساعدات، وفي كل قرش يأمل لبنان في تحصيله ليتمكن من مغادرة الحفرة.

------------------------

جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / لبنان يدخل كنف الوصاية الأميركية

 

 

2025-03-18

دلالات: