الرئيسية / أخبار لبنان /تحقيقيات وتقارير /شكوكٌ قائمة لمفاوضات صعبة

جريدة صيدونيانيوز.نت / شكوكٌ قائمة لمفاوضات صعبة

 

Sidonianews.net

----------------------

الجمهورية / جوني منير

من الطبيعي أن تتركّز أنظار عواصم المنطقة على مسقط، حيث عُقد الإجتماع التفاوضي الأول بين الوفدين الأميركي والإيراني، والذي انتهى بلقاء مباشر ولو لبضع دقائق، بين رئيسي الوفدين. وقد عززت هذه الخاتمة لجلسة المفاوضات الأجواء الإيجابية التي وزّعها الطرفان على وسائل الإعلام. فاللقاء المباشر ولو لدقائق معدودة، ما كان ليحصل لولا وجود أجواء ملائمة، خصوصاً مع وصف اللقاء بأنّه لاختبار النيّات، أو ربما لجسّ النبض.

وعلى رغم من ذلك، فإنّه لا يمكن المبالغة في التفاؤل، خصوصاً أنّ هامش الشكوك لدى الطرفين لا يزال واسعاً، وهي مسألة طبيعية. وبالتالي فإنّ إشاعة أجواء إيجابية لا تلغي أنّ كلا الطرفين لم يخرج مطمئناً كلياً، وهو ما عكسه الإعلان أنّ «اللقاء كان بنّاءً» ولكن من دون الغوص في التفاصيل. كما أنّه من البديهي الإقرار بأنّ هذه المفاوضات ما كانت لتنعقد أصلاً لولا التبدّلات الميدانية التي حصلت خلال المرحلة الماضية، وأدّت إلى «استدعاء» الحشد العسكري الأميركي الذي بلغ ذروته خلال الأسابيع الماضية، تماشياً مع القصف الجوي الأميركي الذي يستهدف القدرات العسكرية للحوثيين في اليمن. وبالتالي فإنّ من البديهي الإستنتاج بأنّ هذه المفاوضات لا تحتمل المناورة أو شراء الوقت. فالضغوط الإقتصادية على إيران بلغت مراحل متقدّمة وصعبة، وهو ما دفع بالوفد الإيراني إلى طلب تخفيف الضغوط أمام تصدير النفط الإيراني. كذلك هنالك المعطيات الميدانية الجديدة، بدءاً من حركة «حماس» في غزة، ومروراً بواقع «حزب الله» في لبنان، وخصوصاً الخسارة الفادحة لسوريا مع فقدان أي قدرة على النفاذ إليها مجدداً، وانتهاءً بالضربات القوية التي تتلقّاها البنية العسكرية للحوثيين. وهو ما يعني أنّ الصورة الإقليمية أصبحت رهينة لحسابات مختلفة.

وفي المقابل، فإنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي كان أعلن التزامه بإنجاز الملف الإيراني منذ حملاته الإنتخابية، وكرّره مع دخوله البيت الأبيض مجدداً، يبدو محشوراً بعد سلسلة إخفاقات تعرّض لها منذ دخوله المكتب البيضاوي، بدءاً من موضوع الترحيل ومروراً بالأزمة مع جاريه كندا والمكسيك، وأخيراً وليس آخراً الفوضى التي أحدثها في النظام المالي العالمي إثر قراراته الجمركية. وهو ما أدّى إلى حصول تظاهرات شعبية حاشدة، على رغم من أنّه لم يمض بعد على بدء ولايته شهران ونصف الشهر. وبالتالي فهو قد لا يتردّد في الاندفاع والذهاب بعيداً لتعويض الإهتزاز الذي أصاب صورته. ما يعني أنّه كالذئب الجريح أصبح أكثر خطورة وتهوراً.

لأجل ذلك فإنّ هذه المفاوضات لا تحتمل المناورة ولا شراء الوقت. ولا شك في أنّ طهران تدرك ذلك وتحتسب له.

وكان لافتاً «تغييب» ترامب لشركائه الأوروبيين الثلاثة: فرنسا، ألمانيا وبريطانيا. فهو حتى لم ينسق معهم ولم يطلعهم مسبقاً عن خطواته. وقيل إنّ بنيامين نتنياهو لم يكن الوحيد الذي فوجئ بإعلان ترامب الثلاثاء الماضي عن موعد المفاوضات، خلال استقباله في البيت الأبيض. فالمفاجأة شملت أيضاً زعماء الدول الأوروبية الثلاث. وفسّر البعض تفرّد ترامب بأنّه يهدف إلى الإحتفاظ بقدرته الكاملة للانعطاف في اتجاه الحلول العسكرية في حال فشلت المفاوضات السلمية، إضافة إلى سعيه للإستحواذ على المكاسب الاقتصادية كاملةً في حال حصول التفاهم عبر التفاوض. وفي هذا الإطار يتحدث البعض عن «شهية» ترامب على منطقة همدان الإيرانية، والتي شهدت اكتشاف كمية هائلة من المعادن النادرة وفي طليعتها مادة الليثيوم والتي تُعتبر بمثابة «بترول» العقود المقبلة.

كما أنّ هذه المفاوضات تحصل في ظل تحشيد عسكري أميركي كبير، وسط استعراض لبعض القدرات الجوية الأميركية في اليمن. وعلى رغم من بدء المفاوضات فإنّ الإستعراض الناري الجوي الأميركي استمر، كما تمّ إدخال حاملة طائرات جديدة إلى المنطقة، في وقت تمّ تركيز قاذفات «الـبي 2» في جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي البعيدة عن مدى الصواريخ الإيرانية، في وقت تستطيع القاذفات الأميركية الوصول إلى العمق الإيراني بسهولة. وهي إشارة إلى أنّ إيران مستعدة للخيار العسكري فور إعلان فشل المفاوضات.

وبعيداً من المناخ الإيجابي الذي تمّ توزيعه على وسائل الإعلام، فإنّ الكواليس الديبلوماسية المعنية تكشف أنّه لا يزال هنالك تشكيك داخل إدارة ترامب بجدّية النيّات الإيرانية، وأنّ طهران تناور وتستهلك الوقت. ومن البديهي أن يكون التيار المتحمس لإسرائيل هو من يعزز الشكوك. ويدعو هذا الفريق إلى الحفاظ على الجهوزية العسكرية وانتظار نتائج الإجتماع الثاني السبت المقبل لتتضح النيات أكثر.

لكن هنالك مجموعة أخرى تميل للاعتقاد بأنّ إيران جدّية في الذهاب إلى إنجاز تسوية سلمية بسبب ظروفها الإقتصادية الصعبة والخسارة التي تكبّدها مشروعها الإقليمي. وبالتالي فهي أيقنت أنّ المرحلة المقبلة لن تعني بأي شكل من الأشكال الإستمرار في أدوات النزاع القديمة، لأنّها لم تعد مجدية. وبالتالي لا بدّ من الذهاب إلى استراتيجية جديدة، مع الحفاظ على ماء الوجه المطلوب. ويتسلّح أنصار هذا التوجّه المحسوب على القطاع التجاري والاقتصادي، بالتفاعل الإيجابي للإيرانيين مع تحسن سعر صرف العملة الوطنية بنسبة 10% خلال 24 ساعة فقط، بسبب ظهور أجواء إيجابية حول جولة المفاوضات في مسقط. كذلك يورد هؤلاء الرسائل المتعددة التي وجّهتها طهران، واحدة عبر اليمن مع الكلام حول وقف الدعم العسكري الإيراني، والثانية عبر العراق مع إعلان قادة في «الحشد الشعبي» عن الاستعداد لتسليم السلاح والإنخراط في الدولة، وثالثاً عبر لبنان وما نُقل عن مصدر في «حزب الله» حول الاستعداد للبحث مع رئيس الجمهورية في موضوع تسليم سلاحه، ولكن بعد انسحاب إسرائيل الكامل من لبنان. أضف إلى ذلك أنّ التوازنات الدولية لم تعد تعطي طهران هامشاً يسمح لها باستهلاك الوقت واللعب عليه. وتكفي الإشارة إلى أنّ المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف باشر مفاوضات بلاده مع الوفد الإيراني مباشرة بعد عودته من موسكو. والمقصود أنّه لا بدّ أن يكون تطرّق مع بوتين للملف الإيراني. ولا حاجة للتذكير بالعلاقة الجديدة القائمة بين الكرملين والبيت الأبيض.

ويعتقد أصحاب هذا التوجّه أنّ قلق إيران الأول يبقى حول استمرارية النظام الديني القائم، خصوصاً في ظل وجود توجس من خطط أميركية سرّية تهدف للإطاحة به عند أول مفترق طريق. لذلك قد تكون طهران مستعدة لإزالة مخاطر الذهاب في اتجاه السلاح النووي بعد أن تضمن حماية استمرارية نظامها، وأن يجري تحصين الاستقرار الداخلي عبر استعادة العافية الإقتصادية من خلال إزالة العقوبات المفروضة.

أما حول التخلّي عن الصيغة العسكرية لما يُعرف بساحات المساندة أو محور المقاومة، فثمة همس وصل إلى مسامع الأوساط الديبلوماسية الأميركية، بأنّ طهران تدرك جيداً التبدّلات العميقة التي أصابت ساحاتها الإقليمية، وهو ما يجعلها أكثر مرونة لناحية المساعدة في وقف العمل العسكري للقوى المتحالفة معها، لكن في مقابل عدم تحويل هذه الساحات لمواقع معادية لإيران كما حصل في سوريا. أي أن يرافق موضوع تفكيك التركيبة العسكرية لهذه القوى حلول مناخ سياسي مرن وغير عدائي.

وجاءت كلمة الرئيس جوزاف عون في الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب اللبنانية لتقدّم ركائز وأسس الصرح السياسي للمستقبل، لناحية الخروج من ذهنية الولاءات الخارجية وصولاً إلى الإيمان بأنّ الدولة اللبنانية وحدها هي ملاذ جميع اللبنانيين، وأنّ حماية لبنان لا تكون إلّا عبر دولته وجيشه وقواه الشرعية.

لا شك في أنّ الأنظار ستبقى مركّزة على مستجدات المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية. فهي التي ستكرّس المسار الذي ستسلكه المنطقة، والمنحى الذي ستذهب اليه الأوضاع. ولكن مع التيقن بأنّ الوقت ليس مفتوحاً، خصوصاً أنّ الظروف الداخلية لكلا الطرفين تدفع إلى عدم استهلاك كثير من الوقت.

--------------------------

جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان /شكوكٌ قائمة لمفاوضات صعبة

2025-04-14

دلالات: