Sidonianews.net
----------------------
الجمهورية / طوني عيسى
ليس سراً أنّ هناك ترقباً مشوباً بالقلق في لبنان لما ستسفر عنه المفاوضات الأميركية - الإيرانية، إذ يسأل البعض: هل «يَبيعنا» الأميركيّون، فيوافقون على مقدار معيّن من النفوذ لطهران في لبنان ودول أخرى في الشرق الأوسط، مقابل تنازلها في الملف النووي؟
الفريقان المتنازعان في لبنان يراهنان على نتائج المفاوضات الأميركية - الإيرانية، لكن من زاويتَين متعاكستَين. فما يُريده خصوم «حزب الله» هو أن تؤدّي المفاوضات إلى «قصقصة» أذرع إيران الإقليمية. وأمّا «الحزب» فيراهن على أنّ إيران ستنجح بحنكتها السياسية وما تملكه في أوراق في استعادة اتفاق فيينا 2015.
طبعاً، ما يعني طرفَي النزاع في لبنان، في الدرجة الأولى، ليس ملف إيران النووي بل تمدّد نفوذها الإقليمي. فالخصوم يُريدون زواله والحلفاء يعملون لتثبيته. لكن للمفاوض الأميركي مقاربة أخرى، فهو معني بالملف النووي أولاً، وبعد ذلك يأتي النفوذ الإقليمي. بمعنى أنّ واشنطن ربما توافق على شيء من النفوذ لإيران، في بعض الإقليم، إذا تجاوبت معها ففكّكت منشآتها النووية ونجحت في استيعابها سياسياً وفرملة اتجاهها نحو روسيا، والصين خصوصاً.
وتناور إيران في المفاوضات للإيحاء بأنّها مستعدة لعقد الصفقة التي ترضي الأميركيِّين، لكنّها في الواقع تعمل لاستعادة اتفاق 2015 الذي رفع عنها العقوبات وحرّر كثيراً من أرصدتها المجمّدة وسمح لها باستكمال بناء المنشآت النووية وتدعيم النفوذ الإقليمي.
لكنّ دونالد ترامب ليس باراك أوباما. وحتى جو بايدن لم يستطع خلال ولايته إحياء الاتفاق الذي ألغاه ترامب في العام 2018. فليس ترامب هو «المحشور» في المفاوضات، بل إيران التي خسرت كثيراً من قدرات «حزب الله» و»حماس» والحوثيِّين في الأشهر الـ18 الأخيرة، فباتت في مفاوضاتها الحالية أكثر ضعفاً بكثير ممّا كانت عليه في مفاوضات فيينا.
كما دخلت إسرائيل بقوة على المعادلة، بعدما نجحت في ضرب حلفاء إيران أو تحجيمهم أو تقليص دورهم على امتداد الإقليم، وهي تسعى اليوم إلى تتويج أهدافها بإضعاف إيران نفسها، أي بقطع امتداداتها الإقليمية ومنعها من تطوير قدراتها النووية. وهي ترى في وجود ترامب فرصة مثالية لتحقيق ذلك.
في المقابل، يحاول الإيرانيّون الاستفادة من مزاج ترامب الاستثنائي وتقلّباته المفاجئة. فالرجل الذي يهدّد أحياناً بشن حرب مدمّرة ضدّ جهة معيّنة سرعان ما يبادرها بمَد اليَد ويعلن استعداده لإبرام صفقة ناجحة معها. وفي نظر ديبلوماسيِّين، أنّ المفاوض الإيراني يعتمد اليوم أسلوب المراوغة وإطالة الوقت، لعلّ ذلك يدفع واشنطن تلقائياً إلى التراخي. لكنّ ترامب، من جهته، يستخدم أسلوب الصياد، فيُرخي الخَيط تارةً ويشدّه تارةً أخرى، فيما السمكة تقترب منه شيئاً فشيئاً، بلا علم منها. ويستخدم ترامب العامل الإسرائيلي كورقة ضغط من خلف الستارة، أو يستفيد منه.
اللبنانيّون الذين يحاذرون اليوم المراهنة على دور واشنطن يقولون «ننفخ اللبن لأنّ الحليب كوانا في السابق». ففي الأعوام الـ50 الفائتة انتظرنا المساعدة من واشنطن لكنّها لم تقدّم إلينا إلّا ما يؤمّن مصالحها. فقد عقدت صفقات مع القوى الإقليمية، أي السوريِّين والإيرانيِّين والإسرائيليِّين، ودعت اللبنانيِّين إلى عدم الاعتراض عليها. ويُضيف هؤلاء الخائفون: مع دونالد ترامب، المعروف ببراغماتيّته الفاقعة، يُصبح خَوفنا أكبر.
ويُقال إنّ هذا الخوف هو الذي يدفع أركان الحكم وعدداً من خصوم «حزب الله» أو الذين يطالبونه بتسليم السلاح والتحوّل حزباً سياسياً «عادياً» إلى التزام جانب الحذر، سواء في الانطلاق بالمفاوضات الداخلية معه أو في ممارسة الضغوط عليه. ولذلك، يغرق هذا الملف في الجمود الداخلي، وينتظر الجميع ما سيأتي من الخارج.
لكنّ النظرة من واشنطن إلى مسألة العلاقة مع لبنان تبدو مختلفة. فالأميركيّون - في الضفتَين الجمهورية والديموقراطية - يرفضون تماماً «تهمة» أنّهم يبيعون لبنان للقوى الإقليمية، ويقولون: لبنان الكيان والدولة صمد على مدى عقود بفضل الدعم الذي قدّمناه. لولانا ما كان له جيش قادر ولا مقوّمات صمود ولا تسويات سياسية تحمي كيانه واستقراره. وكثيراً ما أعطَينا اللبنانيِّين فرص النجاة وإنقاذ دولتهم، لكنّهم بسبب التفكّك والضعف أضاعوها. والأحرى أن يسألوا هم أنفسهم: لماذا لا يتجاوب السياسيّون مع مساعي الإصلاح والإنقاذ واليَد الممدودة لإنقاذهم، وآخرها اليوم تطبيق وقف النار والقرارات الدولية؟ ولماذا يواصلون نهج المماطلة والمراوغة؟ وفي الحقيقة، لسنا نحن مَن يبيع لبنان، بل إنّ بعض اللبنانيِّين هم الذين يبيعونه من أجل مصالحهم.
في كل هذه المعمعة، الخوف الحقيقي يبقى في مكان واحد هو: إسرائيل التي لا تهدأ ماكينتها العسكرية في استهداف لبنان من أقصاه إلى أقصاه، ولا تستثني العاصمة. وفي الساعات الأخيرة، هي ضربت في بندر عباس كما في الضاحية الجنوبية والجنوب اللبناني، متحدّيةً مناخات التفاوض الأميركية - الإيرانية، ومشاغبة عليها. والأنكى أنّ واشنطن مضطرة دائماً إلى توفير التغطية للضربات الإسرائيلية، إذا لم تكن شريكة فيها. وللتذكير، الأميركيّون الذين يرئسون لجنة مراقبة وقف النار، عطّلوا اجتماعاتها ومنحوا إسرائيل «كارت بلانش» للتصرّف على هواها.
-----------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / هل يبيع الأميركيون لبنان؟
2025-04-29