لائحة نبض البلد - 3
لائحة سوا لصيدا إنتخابات 2025-1
إعلان لائحة صيدا بدها ونحنا قدها -1
صيدا بتستاهل - 3
الرئيسية / المرأة والمجتمع /أقلام /بين طردٍ مؤقّت وقصفٍ دائم: حكاية امرأة وذاكرة نزوح

الصورة عن :www.independentarabia.com

جريدة صيدونيانيوز.نت / بين طردٍ مؤقّت وقصفٍ دائم: حكاية امرأة وذاكرة نزوح

صيدونيانيوز.نت/ أقلام / بين طردٍ مؤقّت وقصفٍ دائم: حكاية امرأة وذاكرة نزوح

بين طردٍ مؤقّت وقصفٍ دائم: حكاية امرأة وذاكرة نزوح

بقلم:  طبيب وناقد متألم 

في صباح خريفي هادئ، جلست أمامي امرأة في الخمسين من عمرها في عيادتي النفسية بإحدى المدن الهادئة في دولة غربية. كانت تتابع علاجا طويلا من مرض الفُصام، وبعد سنوات من المعاناة، بدت وكأنها استعادت بعضًا من حياتها: تضحك، تخطط للمستقبل، وتعيش في هدوء.

لكن هذا الهدوء لم يدم. دخلت العيادة مع والدتها، وكانت الأخيرة تحمل وجهًا يملؤه القلق. قالت لي: “ابنتي عادت تؤذي نفسها. لم تعد تنام أو تأكل”. وعندما سألتها عمّا حصل، أجابت: “أُجبرت على مغادرة شقتها خلال 72 ساعة حتى يتم رش المبيدات ضد الصراصير”.

قد يبدو الأمر بسيطًا، لكنه كان كفيلاً بتفجير مشاعر قديمة مؤلمة. بالنسبة لها، لم يكن بيتها مجرد مكان للسكن، بل كان ملاذًا من الماضي، مكانًا بنت فيه ذاتها من جديد. فكرة الإخلاء ذكّرتها بالنزوح، بالخوف، بالضياع.

بدأت تؤذي جسدها، وكأنها تنتقم من نفسها على عدم قدرتها على حماية بيتها من التهديد. مشهد مألوف لدى من يعانون من أمراض نفسية عميقة، حيث يُعيد التغيير المفاجئ فتح جراح قديمة.

ذكرى شخصية: النزوح الحقيقي

حين رأيت حالتها، استرجعت ذكرياتي مع النزوح في طفولتي من مدينة إلى أخرى خلال الحروب. أعرف جيدًا معنى أن تُجبر على ترك بيتك، حتى لو وعدوك بالعودة إليه. هناك فرق بين من يُطلب منه الإخلاء لرش مبيدات، وبين من يُقصف بيته بالصواريخ.

في تلك الدولة الغربية، لو رُشت شقة دون إذن الساكن، لقامت الدنيا، وتدخلت السلطات، وربما عُوِّض الشخص بمبالغ طائلة. أما في غزة، فلا أحد يحاسب من يهدم البيوت على رؤوس ساكنيها. هناك، لا يُمهل الناس سوى دقائق للهروب من موت محتمل. يفرّون من بيت إلى خيمة، ومن خيمة إلى مستشفى، وكلها تُقصف. لا أحد آمن، ولا مكان يُستثنى.

النزوح ليس فقط انتقالًا

النزوح هو تمزيق للجسد والروح معًا. هو فقدان للأمان والانتماء. والمأساة أن كثيرًا من الناس لا يعودون كما كانوا بعده، لا نفسيًا ولا عاطفيًا.

كتبتُ للمريضة رسالة لمساعدتها في تأجيل موعد الإخلاء، وطلبت من إدارة المبنى التريث. أعطيتها دواء يهدئها ووعدت أن أساندها.

لكن في داخلي، ظل سؤال يطرق رأسي: من يهدد من يُجبر على ترك بيته تحت القصف؟ من يمنح أهل غ زة وقتًا للتنفس؟ من يعيد للأطفال هناك شعور الأمان؟

لكم الله يا أهل غ زة. أما صراصير بيوتكم المحاصرة، فالله كفيل بها… وكفيل بأعدائكم.

2025-05-28

دلالات: