Sidonianews.net
---------------------
"الجمهورية" :
كلّ العالم على خطّ القلق من منزلقات مجهول مداها ومساحة تداعياتها وامتداداتها، والعين على منطقة الشرق الأوسط التي أشبه ما تكون بنقطة بركانيّة آخذة بالتحرّك والاحتقان، بعد الهزّة العنيفة التي أحدثها اشتعال حرب قاسية بين إسرائيل وإيران، أعطاها الجانبان بُعداً وجودياً، وتؤشّر مجرياتها إلى أنّها مفتوحة على احتمالات وتغيّرات وتحوّلات وسيناريوهات صعبة.
دمار شامل
وفي خضم هذه النار المشتعلة، والتهديدات المتصاعدة والإستعدادات الحربيّة من الجانبين، لا صوت يعلو على صوت الآلات العسكرية والحربية، وتنعدم اللغة الديبلوماسية وينعدم الحديث عن ضوابط كابحة لهذا الاشتعال، وخصوصاً أنّ هذه الحرب، سلكت من اللحظة الأولى لاشتعالها، مسار الدمار والتدمير الشامل تبعاً لخريطة الإغتيالات الإسرائيلية التي طالت مسؤولين وقادة عسكريّين إيرانيين كباراً، ولكثافة الاستهدافات الجوية الإسرائيليّة للمنشآت النووية في العديد من المدن والمناطق الإيرانية، وأخطر ما فيها التحذيرات التي أُطلقت من احتمالات شبه مؤكّدة من مخاطر تسرّب الإشعاعات النووية وتحديداً في المناطق والمدن القريبة من المنشآت النووية المستهدفة.
إلى أين؟
السؤال الأساس الذي يطرح نفسه إزاء هذا الحدث، يركّز على تلمّس الوجهة التي ستسلكها المنطقة بعد الضربة الإسرائيلية الواسعة لإيران فجر 13 حزيران؛ إسرائيل أعلنت على لسان مستوياتها السياسية والعسكرية انّها أعدّت نفسها لمواجهة كبيرة وأطلقت على حربها على إيران اسم «قوة الاسد»، معلنة انّها لن تتوقف قبل تحقيق أهدافها بتدمير البرنامج النووي الإيراني، وبعد هذه العملية لن يكون هناك تهديد نووي.
واما إيران التي تلقّت ما بدت انّها ضربة كبرى في قيادتها العسكرية، حيث تمّ الإعلان عن مقتل كل من قائد الحرس الثوري اللواء حسن سلامي، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري، قائد مقر خاتم الأنبياء العسكري اللواء غلام علي رشيد، استاذ الهندسة النووية احمد رضا ذو الفقاري، العالم النووي مهدي طهرانجي، العالم النووي فريدون عباسي. وسارعت طهران إلى تعيين بدائل عن القادة العسكريين، فعُيّن اللواء عبد الرحين موسوي رئيساً للأركان العامة للقوات المسلحة خلفاً للواء محمد باقري، والعميد محمد باكبور قائداً للحرس الثوري خلفاً للواء حسن سلامي. كما انّ إيران التي مُنيت في المقابل بأضرار كبرى في منشآت وفق ما تؤكّده الوكالات والقنوات الإخبارية التي تجمع على عنف الإستهدافات وشموليتها وعلى مساحات واسعة من الدمار، تهدّد بردّ قاس ومدمّر وصفته بأنّه سيجعل الأعداء يندمون.
الموقف الأميركي
والبارز في موازاة هذا التطور، نأي الولايات المتحدة الأميركية بنفسها عن العملية الإسرائيلية، وتأكيدها على لسان كبار المسؤولين الأميركيين وفي مقدمهم الرئيس دونالد ترامب، أنّها ليست شريكة فيها، مع التأكيد على اتخاذ إدارة الرئيس ترامب جميع الخطوات اللازمة لحماية القوات الأميركية في المنطقة، والتوجّه بتحذيرات مباشرة الى إيران من مغبة استهدافها للقواعد والمصالح الأميركية، وحثها على العودة إلى طاولة المفاوضات تحت سقف انّ إيران لا يمكن لها امتلاك قنبلة نووية.
الاّ انّ اللافت في هذا السياق إعلان الرئيس الأميركي انّ الضربات التي نُفّذت على إيران هجوم ناجح للغاية، وقال لشبكة «سي ان ان»، إنّه «يدعم إسرائيل بشكل لا مثيل له. ونحن بالطبع ندعم اسرائيل وبشكل واضح ودعمناها كما لم يدعمها أحدٌ من قبل».
وفي حديث مع شبكة «اي بي سي»، قال ترامب، انّ الإيرانيين حصلوا على فرصة لكنهم لم يستغلوها، مضيفاً «انّهم تلقّوا ضربة قاسية جداً»، مشيرا إلى انّ «هناك المزيد في المستقبل». ووصف الهجوم الإسرائيلي بالممتاز، ولكن عند سؤاله عن اي دور أميركي في الهجوم قال: «لا اريد الردّ على ذلك». وقال ايضاً: «قبل شهرين منحتُ إيران مهلة 60 يوماً للتوصل إلى اتفاق، وكان عليهم إبرام الصفقة، واليوم هو الـ61، وأخبرت الإيرانيين بما يجب عليهم فعله، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك، والآن قد تتاح لهم فرصة ثانية وسنرى».
ورداً على سؤال عن رغبة إيران بالتوصل إلى صفقة بعد الهجوم الإسرائيلي، قال: «الإيرانيون يتواصلون معي».
وعن هوية المتصل الإيراني قال «إنّهم اشخاص عملنا معهم سابقاً، وكثيرٌ منهم ماتوا الآن». وأشار ترامب إلى انّ الاتصالات جارية لعقد جولة المفاوضات الأحد مع الايرانيين، الّا انّ إمكان عقده ليس مؤكّداً، واستبعد رداً على سؤال اندلاع حرب إقليمية بسبب الهجوم الاسرائيلي.
وافادت صحيفة «فايننشال تايمز» نقلاً عن مصدر إسرائيلي «انّ اسرائيل اتخذت قرار بدء التحضيرات النهائية لتنفيذ هجوم على إيران يوم الاثنين الماضي، وانّ إدارة الرئيس ترامب كانت على علم بهذه الاستعدادات، ولم تعترض على خطط رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو».
وقال نتنياهو انّ اسرائيل حدّدت نهاية نيسان الماضي موعداً للضربة العسكرية على إيران، ولكن تمّ تأجيلها لاسباب مختلفة. واضاف: «انّ إيران سرّعت في تطوير برنامجها النووي وتصنيع مئات الصواريخ البالستية بعد كسر محور الشر واغتيال نصرالله». واشار إلى انّ واشنطن كانت على علم مسبق بالهجوم على إيران، لافتاً إلى انّ الردّ الإيراني والمتوقع سيكون موجات عنيفة وانّه قادم لا محالة.
الإعلان الإسرائيلي
وكانت إسرائيل قد أطلقت فجر الخميس – الجمعة عملية هجومية واسعة على المواقع العسكرية والمدنية والمنشآت النووية الإيرانية، وتواصلت على دفعات متتالية يوم امس. واعلن الجيش الإسرائيلي انّ عملية «قوة الاسد» تمّ إطلاقها لتدمير البرنامج النووي للنظام الإيراني وقدراته على إطلاق الصواريخ بعيدة المدى. هُوجمت أهداف قيادية عسكرية، وقادة، وأهداف عسكرية، ومقرات قيادة، ومواقع نووية. ووفقًا لأفضل التقديرات، كانت الضربة الافتتاحية في إيران مفاجئة للغاية، من حيث نطاقها وفي أماكن لم يتوقعها الإيرانيون. ويستعد جيش الدفاع الإسرائيلي لعملية تستمر لعدة أيام على الأقل، مع توقّع قصف إيراني كثيف، ونجري حواراً شاملاً مع الجيش الأميركي».
وقال: «نحن أمام فرصة استراتيجية، لقد وصلنا إلى نقطة اللاعودة، ولا خيار أمامنا سوى التحرك الآن، والإيرانيون وضعوا خطة لتدمير دولة إسرائيل، باستخدام نيران واسعة النطاق ودقيقة من المحور الإيراني بأكمله (من ضمنه «الحزب» و«حركة ح »)، وغزو بري باستخدام شاحنات «بيك آب» من جميع الحدود، وتقويض النظامين في الأردن ومصر».
وأعلن رئيس الأركان الإسرائيلي «اننا سنواصل العمل بوتيرة قوية حتى تحقيق الأهداف التي حدّدناها». وفي الموازاة قال رئيس مجلس الامن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي انّه «لا يمكننا تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل عبر عملية عسكرية». مشيراً إلى انّ هدفنا هو إحباط البرنامج النووي عبر طرق ديبلوماسية، كما نهدف إلى ان يفهم الإيرانيون انّ عليهم وقف برنامجهم النووي».
الموقف الإيراني
وأعلن قائد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي انّ على الكيان الإسرائيلي ان ينتظر عقاباً شديداً. وقال الرئيس الايراني مسعود بزكشيان، انّ بلاده ستردّ بشكل عاجل وصارم على العدوان الإسرائيلي، مشدّداً على انّ «الردّ المشروع والساحق سيدفع الكيان الإسرائيلي للندم على فعلته الغبية». ودعا الشعب الإيراني إلى» الثقة في قيادته والوقوف إلى جانبها»، مطمئناً إلى «انّ البلاد ستخرج من الأزمة مرفوعة الرأس».
وأعلنت الحكومة الإيرانية «انّ الإجراءات اللازمة لردع إسرائيل غير الشرعية بدأت»، مشيرةً إلى «اننا لم نكن البادئين بالحرب، لكن نهاية هذه القصة ستُكتب بيد إيران». وقالت: «لا حديث مع كيان مفترس كهذا إلّا بلغة القوة. واليوم يفهم العالم بشكل أوضح إصرار إيران على حقها في التخصيب النووي وامتلاك التكنولوجيا النووية والقدرات الصاروخية». واستدعت وزارة الخارجية الإيرانية سفيرة سويسرا راعية المصالح الأميركية في طهران، وأبلغتها غضب طهران الشديد إزاء العدوان الإسرائيلي ودعم الولايات المتحدة له. وقد تمّ التشديد على مسؤولية واشنطن الكاملة عن العواقب الخطيرة المترتبة على مغامرة إسرائيل.
وفي رسالة وجّهها إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية أعلن القائد العام الجديد للحرس الثوري الإيراني العميد محمد باكبور، «أنّنا سنقود الكيان الصهيوني الإجرامي واللاشرعي إلى مصير مؤلم ومظلم، بعواقب جسيمة ومدمّرة».
وقال باكبور: «أتعهد، مع إخوتي المجاهدين، بالوفاء بدماء الشهداء الطاهرة، والدفاع عن الثورة الإسلامية والشعب الإيراني الأبي»، مضيفًا: «الجريمة التي ارتكبها اليوم الكيان الصهيوني الإرهابي، من خلال الاعتداء على الأمن القومي والسلامة الإقليمية للجمهورية الإسلامية، لن تبقى من دون ردّ». ولفت باكبور إلى أنّه «بالتوكل والاستعانة بالله تعالى، من أجل تحقيق وعد الإمام وقائدنا العزيز، والاقتصاص لدماء القادة والعلماء وأبناء شعبنا الذين نزفوا دماً، فإنّ أبواب جهنم ستُفتح قريباً على هذا الكيان قاتل الأطفال».
وفي السياق ذاته، اشارت وسائل اعلام ايرانية إلى أنّ «العالم سيشهد مذهلة في الساعات المقبلة». وتحدثت «إيران انترناشيول» عن هجوم إيراني وشيك على إسرائيل.
الرد الايراني
واعتباراَ من التاسعة مساء، أطلقت إيران دفعات كبيرة من الصواريخ في اتجاه إسرائيل، وقد سجلت وسائل الإعلام سقوط عدد من الصواريخ في تل أبيب وحيفا والقدس. وقد اطلق 150 صاروخا من اصفهان. وذكرت معلومات إسرائيلية عن تصاعد اللهب قرب الكرياه في تل أبيب. وكذلك اندلع حريق قرب وزارة الامن. وسقوط صواريخ في مطار بن غوريون. ودوت انفجارات هائلة في مكان وصفه الاعلام الإسرائيلي بأنه «حساس جدا».
وترافق ذلك مع اعلان مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي بأن الكيان الصهيوني هو من بدأ هذه الحرب، ولن نسمح له ان يفلت سالما من هذه الجريمة الكبرى التي ارتكبوها.
على قمة القلق
وفيما توالت ردود الفعل الدولية على اشتعال الحرب، وتوزعت بين متضامن مع إيران وفق ما عكسته مواقف بعض الدول العربية والخليجية تحديداً، وبين متضامن مع إسرائيل ومؤكّداً حقها في الدفاع عن نفسها، كما قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. فيما يتربّع لبنان في موازاة هذه الحرب، على قمّة القلق من التداعيات، والحذر ممتد من أدناه إلى أقصاه، ويقرأ بوضوح على وجوه المواطنين، وعززه الإعلان بعد ظهر أمس عن إطلاق صفارات الإنذار الإسرائيلية في مستوطنة كريات شمونة قرب الحدود مع لبنان، وكذلك مسارعة بعض الدول إلى الإعلان عن وقف رحلاتها إلى لبنان. ولاحقاً، أعلنت مديرية الطيران المدني إغلاق المجال الجوي اللبناني أمام حركة الطيران.
واما الدولة فمستنفرة بكل مستوياتها لتجنيب البلد تداعياتها واحتمالاتها الصعبة. ووفق معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ حركة اتصالات مكثفة سياسية وأمنية جرت في الساعات الأخيرة في أكثر من اتجاه داخلي سياسي وحزبي، لتغليب التعقل والحكمة ومحاذرة السّقوط في أيّ منزلقات سواء تحت عنوان دعم او إسناد، من شأنها ان تهدّد البلد بأمنه واستقراره بصورة عامة.
وأُفيد في هذا السياق عن إبقاء الاتصالات مفتوحة بين الرئاسات الثلاث، فيما تولّت جهات أمنية لبنانية الاتصال المباشر مع «الحزب». وكشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» عن ورود نصائح متتالية عبر قنوات ديبلوماسيّة خارجية متعدّدة، فحواها عدم فتح مجالات الخطر امام لبنان، وتجنّب عواقب جرّ الجبهة الجنوبية إلى مخاطرة قد يلجأ إليها أيّ فصيل لبناني أو غير لبناني.
الزمن مفتوح
وفيما لوحظت في الساعات الاخيرة كثافة في الإجراءات الأمنية في العديد من المناطق اللبنانية، عبّر مرجع كبير عن مخاوف جدّية من انّ المنطقة برمتها باتت في دائرة الخطر، حيث يخشى بروز تطورات دراماتيكية في الآتي من الايام، على اكثر من ساحة، وخصوصاً انّ زمن الحرب مفتوح وتنذر بالأسوأ. وهو ما اكّد عليه ايضاً مسؤول أممي بقوله رداً على سؤال لـ«الجمهورية»: «منطقة الشرق الأوسط تمرّ في أخطر أوقاتها، ولا مصلحة لأي طرف في الاستمرار في حرب تهدّد الامن والسلام الاقليميين».
------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان والعالم / الجمهورية : إسرائيل تفجّر النووي.. وإيران: سنجعلها تندم… مخاوف من التداعيات واتصالات لتجنّب أي مخاطرة
2025-06-14