الرئيسية / أخبار لبنان /تحقيقيات وتقارير /الفوضى الآتية أصعب من الحرب الأهلية؟

جريدة صيدونيانيوز.نت / الفوضى الآتية أصعب من الحرب الأهلية؟

 

Sidonianews.net

--------------------

الجمهورية / طوني عيسى

خلف الستارة، مشاهد ساخنة يتمّ تحضيرها على مسرح الشرق الأوسط: من بوابة التفجير في السويداء إلى مأزق السلاح في لبنان، شيء ما ينفخ في الرماد فوق الجمر، ومصير ربما بات صعباً على الجميع أن يتجنبوه.

من القصص التي رسخت في ذاكرتي من زمن الطفولة، أنّ أحد المحكومين عُرِض عليه أن يختار واحدة من 3 عقوبات: إما أن يدفع 50 ديناراً، وإما أن يتلقّى 50 جلدة بالسوط، وإما أن يبتلع كيلوغراماً من الملح. ففكر صاحبنا قليلاً، وحاول استبعاد دفع الدنانير الـ50 لأنّها كل ما يملك، واختار الملح. لكنه بعد ابتلاع نصف الكمية المطلوبة، شعر بأنّه سيموت. فصرخ: مستعد للـ50 جلدة! لكن جسده لم يتحمّل فعلاً أكثر من نصف العدد. وحينذاك، استسلم وتخلّى عن دنانيره الـ50 دفعة واحدة. وهكذا جاءت العقوبة مضاعفة، فيما كانت في الأساس أقل سوءاً.

هذا المثل ينطبق تحديداً على حالنا في لبنان، إذ نواجه خيار الردّ على الولايات المتحدة في مسألة السلاح. فالدولة تناور بموقفها، وكأنّها هي في موقع القوي مقابل إسرائيل، ولا يبدو أنّها تفكر في عواقب هذه المناورة، فيما إسرائيل تتحصن بتغطية دولية وإقليمية شبه كاملة لمحو أي سلاح يهدّدها، لا على حدودها فحسب، بل حتى على مستوى الإقليم، في لبنان كما في سوريا والعراق واليمن وغزة. أي إن «حزب الله» لن يُعطى الفرصة لإعادة بناء قواه الاستراتيجية، لا في جنوب الليطاني ولا في شماله. وهذا ما تنصّب عليه الجهود الأميركية من خلال توم برّاك.

طبعاً، «الحزب» يرفض التخلّي عن الترسانة التي جعلته لاعباً على امتداد الإقليم. لكن إسرائيل تعاقبه يومياً بضربات جوية صاعقة أينما كان، أو بعمليات برية. كما تهدّده بالعودة، في أي لحظة، إلى الحرب الكارثية التي خسر فيها قبل أشهر مجمل قيادته وكثيراً من كوادره ومخازن الصواريخ والذخائر ومصانع المسيّرات.

واقعياً، إذا كان «الحزب» يمتلك القدرة على استعادة توازن الرعب مقابل إسرائيل، ولو بعد حين، فسيكون من مصلحته أن يرفض تسليم السلاح. لكن تحقيق هذا التوازن لم يعد ممكناً بالتأكيد، ولعقود عدة مقبلة، لأنّ الفارق شاسع جداً على مستوى التكنولوجيا العسكرية، بين إسرائيل ومكونات المحور الإيراني كافة، بمعزل عن الدعم الأميركي الهائل لها في أي حرب تخوضها. ولذلك، ومن باب البراغماتية، لا أفق للمعاندة، ومن المناسب أن يسلّم «الحزب» سلاحه للدولة، عوضاً عن أن تدمّره إسرائيل في عملياتها اليومية، ومعه تقوم بتصفية نخبة الكوادر الحزبية.

والأسوأ هو أن يدفع «الحزب»- ومعه لبنان- «عقوبة» نزع السلاح مضاعفة، كما في الرواية القديمة، فيخسر السلاح أخيراً بعد أن يكون قد خسر كل شيء بالاستنزاف. وإذا كان صعباً عليه تسليم السلاح إلى الدولة، فالسقوط في المنزلق الأصعب لا مبرّر له.

يقول بّراك إنّ لبنان سيذوب في بلاد الشام وستندلع فيه حرب أهلية، إذا لم يوافق على الحلول المطروحة في ملف السلاح. وهذا التهديد قد لا يكون مجرد مناورة كلامية للضغط. فمع التطورات البالغة الخطورة، التي بدأت من السويداء وتهدّد بزعزعة استقرار سوريا، سيكون استقرار لبنان أيضاً في مهبّ الريح. وثمة من يخشى دخوله في فوضى أصعب من الحرب الأهلية، لأنّها تشهد انهياراً شاملاً، ويصعب فيها تحديد الأعداء والأصدقاء وتتعدد ساحات القتال وتختلط الأوراق.

وللتذكير، يطلب برّاك من «الحزب» تسليم الصواريخ الدقيقة والمسيّرات التي يمتلكها، لأنّها تزعج إسرائيل، لكنه لا يبدو مهتماً بترسانة ضخمة من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة لديه. كما أنّ هناك أسلحة فردية منتشرة على نطاق واسع في لبنان، ومعها سلاح الفصائل الفلسطينية في المخيمات. أي إنّ لبنان هو اليوم عبارة عن فسيفساء من السلاح والمذاهب المشحونة، وما يقارب الـ 2.5 مليون نازح سوري وفلسطيني، أي نحو 35% من عدد سكان لبنان. وهذه الخلطة من السلاح والمذاهب والنازحين، محشورة في مساحة بضعة آلاف كيلومتر مربع، مفتوحة على النار الإقليمية، هي الوصفة المثالية للفوضى التي ستحول لبنان مسرحاً مكشوفاً للقوى الإقليمية والدولية التي تقوم بتصفية حساباتها عبر وكلائها المحليين، بحيث يصبح مستحيلاً إدراك مَن يقاتل مَن، ولأي هدف.

هذه الفوضى الشاملة يُخشى أن تؤدي إلى «تقسيم الأمر الواقع»، وبروز «الدويلات- الكانتونات»، إذ تنهار سلطة الدولة المركزية وتتحول كل منطقة أو طائفة- مذهب أو حتى عشيرة إلى «دويلة» لها قوانينها وميليشياتها ونقاط التفتيش الخاصة بها، والتي يمكن أن تتصادم مع الآخرين فجأة بسبب حادث فردي أو اشتباك على حنفية مياه أو خلاف على أراضٍ أو حتى بسبب انتقام قديم. وهكذا، يدور الدولاب على لبنان، مجدداً وتكراراً.

--------------------------

جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / الفوضى الآتية أصعب من الحرب الأهلية؟

 

2025-07-19

دلالات: