الرئيسية / أخبار لبنان /تحقيقيات وتقارير /خطر الإغتيالات مجدداً ؟

جريدة صيدونيانيوز.نت / خطر الإغتيالات مجدداً ؟

 

Sidonianews.net

----------------------

الجمهورية / جوني منير

موقف مستشار مرشد الثورة الإيرانية للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، والقائل برفض إيران قرار الحكومة اللبنانية بنزع سلاح «حزب الله»، شكّل أول دخول رسمي إيراني وعلني على خط النزاع الحاد الحاصل في لبنان. وفي وقت استغرب البعض هذا الدخول الإيراني الصريح والغاية الحقيقية منه، فإنّ البعض الآخر إعتبره «زحطة»، كونه كشف بوضوح المرجعية الفعلية لهذا السلاح، في وقت كان «حزب الله» وطوال المراحل الماضية، يثابر على مرجعيته وحده لهذا السلاح، وذلك رداً على حملات واتهامات خصومه. لكن ومع شيء من التدقيق، فإنّ كلام ولايتي لم يكن «زحطة» أو سوء تقدير، وهو أيضاً لم يكن موجّهاً إلى الداخل اللبناني بمقدار ما كان رسالة إيرانية صريحة إلى واشنطن.

فكلام وزير الخارجية الإيراني الأسبق جاء في سياق مقابلة طويلة شملت المستجدات في أذربيجان والعراق ولبنان، والتي تدخل في إطار الترتيب الجديد الذي تندفع الإدارة الأميركية إلى ترسيخه في المنطقة، إثر النتائج العسكرية للحروب التي طاولتها، وفي إطار استعداد طهران للعودة إلى المفاوضات مع واشنطن وسط معارضة الجناح المتشدّد في طهران. وبات جلياً أنّ إدارة ترامب تعمل على إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة، في وقت تبدو إيران محشورة بالوقت.

في الماضي، شكّل عامل الوقت ورقة قوة للسياسة الخارجية الإيرانية، أما اليوم فتبدو الظروف مختلفة بسبب الضغوط الأميركية المتلاحقة، ما يجعل عامل الإنتظار محكوماً بمهلة زمنية ومحفوفاً بالمخاطر. في اختصار، فإنّ طهران تبدو على سباق مع الوقت. وقد يكون كلام ولايتي كشف الترابط القائم بين ساحات المنطقة، فهو قال حرفياً إنّ طهران وبغداد سترفضان نزع سلاح «حزب الله» في لبنان و«الحشد الشعبي» في العراق. وجاء ذلك بعدما استفاض في إبداء معارضة بلاده لإنشاء «ممر زنغزور»، والذي يربط بين أذربيجان وتركيا، ومعللاً رفض بلاده بأنّه يؤدي إلى تغيير الخريطة الجيوسياسية في المنطقة.

فخلال الأيام الماضية، نجح الرئيس الأميركي في تحقيق تفاهم بين أذربيجان وأرمينيا، نتج منه توقيع اتفاق في واشنطن بين الرئيس الأذربيجاني ورئيس الحكومة الأرمنية، حمل عنوان «إطار عمل لتحقيق السلام»، ووصفت هذه الخطوة بأنّها «ضربة معلّم» لترامب، الذي عانى منذ عودته إلى البيت الأبيض من سلسلة خطوات فاشلة على الساحة العالمية. وقد أُحيطت المفاوضات بين أذربيجان وأرمينيا بالسرّية المطلقة نظراً لحساسيتها، ولأنّها تساهم في عزل إيران وإظهار قدرة واشنطن على اختراق منطقة القوقاز على حساب النفوذ الروسي. ولذلك بدت إيران الخاسر الأكبر من إنشاء ممر «زنغزور»، خصوصاً بعد النتائج التي أفضت إليها حروب المنطقة والضربة القوية لبرنامجها النووي. وإثر توقيع الإتفاق ظهر واقع جيوسياسي جديد في جنوب القوقاز، تُمسك بناصيته واشنطن، ويحظى بمباركة عدد من دول المنطقة، وبغض نظر روسي، في ظل انهماك موسكو بالحرب الدائرة في أوكرانيا منذ 2022. فالممر يوفّر رابطاً جديداً بين باكو وأنقرة، ما يسمح بنقل البضائع بينهما من دون الحاجة للمرور عبر إيران وروسيا. وهو أيضاً يؤشر لدور تصاعدي لأذربيجان في المنطقة، مع الإشارة هنا إلى قرار باكو بضخ الغاز إلى سوريا بتمويل قطري.

وتردّد سابقاً أنّ إيران التي اشتهرت بسياسة النفس الطويل، وبقدرتها على تطويع الضربات التي تتلقّاها لإعادة تعزيز نفوذها مجدداً، كانت تعمل لاستعادة حضورها في سوريا، والتي شكّل سقوط نظام الأسد فيها ضربة قوية وقاسية لمشروعها الإقليمي. لذلك تردّد كثيراً أنّ طهران حاولت التسلل إلى سوريا مجدداً، مستغلة التباينات الكثيرة الموجودة بين الفصائل التي ساندت أحمد الشرع. وتمّ إدراج أحداث الساحل السوري في هذا السياق، والتي انتهت بقمع دموي وسط صمت دولي. لكن طهران التي استمرت بالبحث عن ممرات برّية سرّية لإيصال السلاح إلى «حزب الله»، جلست تراقب الخلافات والتباينات الكثيرة التي أحاطت بمكونات السلطة الجديدة في دمشق. وقيل إنّ طهران بقيت تراهن على انفجار سوري داخلي يؤدي إلى سقوط سلطة الشرع أو في أحسن الحالات نشر الفوضى، ما سيسمح لها حتماً بالتسلل مجدداً إلى داخل النسيج السوري الممزق والتقاط أوراق جديدة. ولكن عامل الوقت هو الأهم بالنسبة إلى طهران. فهي تدرك أنّ الأفق لم يعد مفتوحاً أمامها، خصوصاً بعد الضربة التي تلقّتها، ووسط رفع مستوى الضغوط الأميركية عليها. فالحدّ الزمني الأقصى أمامها لا يتجاوز نهاية السنة الحالية، في وقت تحتاج لفترة زمنية لا تقلّ عن السنة للبدء بإعادة ترتيب أوضاعها. ومن هنا يمكن تفسير هذه التقديمات الإقتصادية السخية لدمشق، لتحصين سلطة الشرع ومنعها من السقوط أقلّه لفترة سنة أو سنتين. ومن هنا أيضاً غضب البيت الأبيض من أحداث السويداء، منعاً لإضعاف سلطة دمشق أكثر، وليس أبداً رفضاً لخريطة سياسية جديدة في سوريا، ترتكز على الإدارات المحلية تمهيداً للتجزئة مستقبلاً. فالمشكلة هي في التوقيت وليس في الأهداف. ولذلك تمّ إنهاء أحداث السويداء على قاعدة «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم». وإلّا فكيف يمكن تفسير مؤتمر الحسكة الذي نظّمته الإدارة الذاتية الكردية وشارك فيه ممثلون عن الدروز والعلويين، وخلص إلى المطالبة بدولة لامركزية وعلمانية وديموقراطية، واعتبرته دمشق ضربة لجهود التفاوض الجارية؟ ومع الإشارة هنا إلى إنشاء «مكتب تنفيذي» لإدارة شؤون محافظة السويداء غير مرتبط بدمشق، وهو ما أدرجه البعض في إطار التأسيس للإدارة الذاتية. ومع الإشارة ايضاً إلى نقطة مهمّة جداً، وهي أنّ الإدارات المحلية تشكّل عائقاً أمام «جموح» تركيا لبسط نفوذها على كل المساحة السورية عبر دمشق، وليس على وسط سوريا فقط. لكن لهذا الجانب بحثاً آخر. فالوقت الآن هو لمنع اهتزاز سلطة الشرع قبل إنجاز الإتفاق مع طهران.

وفي الزاوية الأخرى للصورة، والمقصود هنا الزاوية العراقية، سعى «الحشد الشعبي» إلى قوننة وجوده وشرعنته، ولكن تمّ إسقاط القانون بدعم أميركي واضح. وتزامن ذلك مع صدور قرار الحكومة اللبنانية حول سلاح «حزب الله». وهو ما يدفع للإستنتاج أنّ واشنطن ومعها عواصم الخليج العربي، تعمل على ترجمة المشروع الجديد للمنطقة، أي إخراج نفوذ إيران من لبنان والعراق ومنع شرعنته، بعدما تحقق ذلك في سوريا. ألم يكن لافتاً ومعبّراً ما ردّده ولايتي في المقابلة نفسها من أنّ بلاده لن تسمح بتنصيب «جولاني» آخر في لبنان؟.

ولأنّ المسألة ترتكز على إعادة تشكيل موازين القوى وخريطة النفوذ السياسي في المنطقة، فإنّ طهران تخشى من أن ينعكس نجاح قرار حصر السلاح في لبنان على الوضع في العراق أيضاً. وبالتالي أن يؤدي لإعطاء دفع قوي لحكومة بغداد. ألم يتحدث رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني عن تمسكه بعدم وجود سلاح خارج إطار الدولة العراقية؟. ومن المسلم به أنّ «حزب الله» و«الحشد الشعبي» يمثلان قوتين رئيسيتين متحالفتين مع إيران في المنطقة، التي اصطلح على تسميتها خلال المرحلة الماضية بـ«الهلال الشيعي».

وفي خطوة ليست بعيدة من شدّ الحبال الحاصل، تحدثت أوساط ديبلوماسية عن أنّ واشنطن تشتبه بانخراط جهات عراقية في تهريب النفط الإيراني الخاضع للعقوبات، وهو ما يشكّل ملفاً ضاغطاً على حكومة السوداني، كون ذلك يساعد طهران في الإلتفاف على العقوبات والحصول على العملة الصعبة. وهو ما يندرج في إطار شدّ الخناق أكثر على طهران، التي ضاقت خياراتها وباتت ملزمة بالذهاب إلى مفاوضات صعبة مع واشنطن، وهي لا تمسك في يدها بكثير من أوراق القوة. ومن هنا أيضاً معارضة المتشددين (رغم تراجع قوتهم الداخلية) للمفاوضات مع الأميركيين، ما دفع بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى التبرير بأنّ الحوار لا يعني الهزيمة أو الإستسلام، لكنه أكّد أنّ بلاده لن تتفاوض أبداً حول مبدأ التخصيب.

ووفق العرض الذي سبق، يبدو المشهد أكثر وضوحاً في لبنان. فقرار الحكومة لم تنتج منه انعكاسات خطيرة تؤدي إلى ضرب استمراريتها ولا لهزّ الإستقرار الأمني. وبقيت ردود الفعل في إطار تظاهرات للدراجات النارية وضمن مساحة مدروسة، ذلك أنّ الوقت والظرف لا يسمحان لطهران برفع مستوى الإعتراض والشغب، لا في لبنان ولا في العراق ولا في كل أرجاء المنطقة.

في لبنان بدأ العمل على وضع الخطط العسكرية لترجمة سبل تنفيذ قرار الحكومة. وفي الوقت نفسه بدأ القصر الجمهوري إتصالاته الخارجية لتأمين ظروف عقد مؤتمر إعادة الإعمار، وفق ما كان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قد وعد. ولا بدّ من أن يتصدّر هذا الملف محادثات الزوار الدوليين لبيروت بدءاً من الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك إضافة إلى موفدين فرنسيين. لكن الأولوية القصوى تبقى لصون الإستقرار الداخلي وسط قلق المراقبين من ظهور سلاح الإغتيالات مجدداً، خصوصاً مع انسداد الأفق أمام الشغب على المستويين الأمني في الشارع والسياسي المتعلق بعدم هزّ بنيان السلطة الذي قام وفق معادلة داخلية وإقليمية جديدة. هنا يصبح سلاح الإغتيالات وارداً كسبيل وحيد، ولو أنّ نتائجه ستكون باهظة الثمن بما يشبه ما تلا إغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005.

وقد يكون وليد جنبلاط قد اختصر كل المشهد بترداده أمس، في اللقاء الدرزي القول المأثور: «عند تغيير الدول إحفظ رأسك».

---------------------------

جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / خطر الإغتيالات مجدداً ؟

 

2025-08-11

دلالات: