الرئيسية / أخبار لبنان /تحقيقيات وتقارير /برّاك يعود لتثبيت المؤكّد

جريدة صيدونيانيوز.نت / برّاك يعود لتثبيت المؤكّد

 

Sidonianews.net

------------------------

الجمهورية / جوني منير

إحتلت القمّة الأميركية ـ الروسية صدارة الإهتمام العالمي، الى درجة أنّ البعض وضعها في مصاف القمم الأميركية ـ السوفياتية إبان حقبة الحرب الباردة خلال النصف الثاني من العقد الماضي. صحيحٌ أنّ هذا التوصيف فيه شيء من المبالغة، لكنه في الحقيقة له ما يبرره، ومردّه إلى الدور الروسي المباشر الموجود في مجموعة من الأزمات الكبرى التي يعاني منها العالم، مثل أوكرانيا والشرق الأوسط.

وكان واضحاً أنّ قمة ألاسكا حملت مؤشرات إلى أنّ ملف الشرق الأوسط لم يكن غائباً، بدليل وجود المكلّفين المباشرين بهذا الملف في عداد الوفدين المرافقين. وبنتيجة هذه القمة ساد انطباع دولي بأنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خرج كمنتصر. وإحدى أبرز نقاط فوزه كانت باعتراف ترامب، بفك العزلة الدولية التي كانت تحاصر بوتين وتخنق الإقتصاد الروسي. وقد يكون جون بولتن المسؤول عن الأمن القومي خلال ولاية ترامب الأولى، والذي تحول عدواً لدوداً له، أفضل من وصف نتيجة لقاء القمة بقوله: «بوتين ربح وترامب لم يخسر». لكن من الواضح أنّ ملفات كثيرة تمّ البحث فيها وتمّ الإتفاق على إبقائها سرّية، وهنا تكمن أهمية قمة ألاسكا. فالمدة القصيرة التي احتاجها المؤتمر الصحافي المشترك يوحي بذلك. لا بل إنّ بوتين الآتي من عالم الأمن والإستخبارات طلب إغلاق باب الأسئلة وعدم فتح المجال أمام «إستفزازات» المراسلين. فترامب المشهور بأسلوبه الإستعراضي والدعائي قد يقع ويفشي ببعض أسرار القمة أمام إغراء الإعلام المفتوح وجاذبيته. وثمة ملاحظة إضافية وتتعلق بالمدة الزمنية السريعة والتي شهدت التحضير للقمة إثر زيارة موفد الرئيس الأميركي ستيف ويتكوف لموسكو. فسلاسة انعقاد القمة أوحت وكأنّ بعض الملفات الشائكة تمّ ترتيبها والتفاهم عليها قبل أن يطأ الرئيسان أرض ألاسكا.

وخلال الأيام الماضية، لم يهتم الإعلام العالمي كثيراً بالسلوك العسكري الروسي الجديد في سوريا. فخلال مرحلة ما بعد سقوط بشار الأسد إنكفأت روسيا عن المشهد السوري الداخلي، وعمدت إلى تجميع قواتها العسكرية في موقعين أساسيين وهما قاعدتا حميميم الجوية وطرطوس البحرية. كما عمدت إلى نقل عدد من معدّاتها المتطورة إلى خارج سوريا. وسارعت تركيا إلى ملء هذا الفراغ بالتفاهم مع واشنطن، ووفق برنامج عمل يقضي بإخراج كل نفوذ إيران من سوريا وتفكيك كل بنيته التحتية. لكن الوقت لم يطل حتى ظهر لواشنطن أنّ الطموح التركي أكبر بكثير مما رسمته هي، وفي شكل لا تحتمله التركيبات الحساسة لعدد من دول المنطقة. ومن هنا لا بدّ أن تكون أنقرة تابعت بشيء من الإنزعاج عودة النشاط العسكري الجوي الروسي في منطقة النفوذ الكردي. فلقد عمدت موسكو إلى تعزيز قواتها في مطار القامشلي وعلى مراحل عدة، شملت إعادة تأهيل لمواقع تمركز طائراتها، وتوسيع أماكن إقامة جنودها وضباطها والتي أضحت في منطقة أكثر تحصيناً. وعمدت القوات الروسية وللمرّة الأولى منذ سقوط الأسد إلى تسيير دوريات وصلت إلى ريف مدينة القامشلي. وحصل كل ذلك وسط سكوت أميركي كامل، ما يوحي بالموافقة على ما يحصل، لكي لا نقول بوجود تفاهمات غير معلنة. ومن البديهي الإستنتاج بأنّ هذه التفاهمات تشمل مساعدة روسيا في منع عودة إيران إلى سوريا، وأيضاً تشكيل عامل توازن مع تركيا لمنعها من الإنفلاش بأكثر مما هو مطلوب.

وفي الوقت عينه، طلبت دمشق من موسكو إعادة الدوريات الروسية إلى جنوب سوريا على نحو مشابه لما كانت عليه قبل سقوط نظام الأسد، بهدف لجم الإندفاعة الإسرائيلية جنوباً، وهو ما تؤيّده واشنطن ضمناً. فبالتأكيد لم تكن واشنطن راضية بالتظاهرة الدرزية في السويداء، والتي تمّ فيها رفع الأعلام الدرزية والإسرائيلية، في وقت اعتلت فيه سيدة المنصة لتقول: «لا نريد إدارة ذاتية ولا حكماً فيديرالياً، نريد استقلالاً كاملاً». وقوبل كلامها بصيحات التأييد والتصفيق الحار. ومن الواضح أنّ ما حصل كان بترتيب إسرائيلي وحمل رسائل مخفية من نتنياهو، مفادها أنّ «تغيير وجه المنطقة» يجب أن يحصل الآن. إلاّ أنّ واشنطن التي تعارض التوقيت لا العناوين، تعتقد أنّ ثمة مراحل لا بدّ من تحقيقها قبل الوصول إلى هذه المرحلة النهائية.

وفي اختصار، فإنّ الحركة الروسية ترتكز بلا شك على مباركة أميركية، بأن تستعيد روسيا دورها كعامل توازن داخلي في وجه تركيا وإسرائيل على حدّ سواء، ولكن من ضمن البرنامج المعروف بإخراج إيران كلياً من سوريا ولبنان.

قريباً جداً سيقرّ مجلس الأمن الدولي القرار المتعلق بقوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان («اليونيفيل»)، وحيث لروسيا حضورها كونها إحدى الدول الخمس. صحيح أنّه في كل عام كان يسبق قرار التجديد جدل واسع، لكن ثمة مفارقة أساسية هذه السنة. ففي السنوات الماضية كان الجدل يتمحور حول تفاصيل مهمّات «اليونيفيل»، والنقطة الأساسية كانت تتركز حول حرّية حركة دورياتها، أما اليوم فالنقاش يتركّز حول ما إذا كان هنالك حاجة أصلاً لبقاء هذه القوات، وهو ما تثيره واشنطن وتل أبيب. ومن هنا المخرج بقرار التجديد لسنة واحدة وأخيرة. والذريعة المرفوعة ترتكز على قرار حصر السلاح بيد الجيش، والسماح بحرّية الحركة لدوريات «اليونيفيل»، ووصولاً إلى كل النقاط التي تحتاجها وفق مندرجات القرار 1701. ولا حاجة للتذكير بأنّ مسودة تدور بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ومن بينها روسيا والصين. والمقصود من كل ما تقدّم أنّ ترتيبات كبرى تقودها واشنطن في إعادة رسم الخريطة السياسية الجديدة في المنطقه تساهم فيها روسيا وفق مندرجات لها علاقة بالمصالح الدولية الكبرى. وقد يكون لذلك حرص بوتين الأمني على اختصار المؤتمر الصحافي المشترك منعاً لـ»زحطة» قد يرتكبها ترامب الإستعراضي.

ووفق كل ما تقدّم، فإنّ إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، أو على الأقل وقفها (وهو ما تحاول أن تفعله إيران) لا يبدو واقعياً. وجاء الإختبار الأوضح في لبنان مع زيارة الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني. فاللهجة الحازمة التي قوبل بها من السلطة التي نشأت بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان، إنما تعكس قراراً نهائياً في موضوع حصر السلاح بيد الدولة، وأنّ المسألة ليست مجرد مناورة أو طلقة في الهواء. والردّ الإيراني الذي جاء عنيفاً وعلى لسان الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم لم يقترن بأي خطوات تنفيذية، لأنّ الظروف ليست مؤاتية، لا بل إنّها تُعتبر بمثابة العمل الإنتحاري. فلقد رفع قاسم السقف إلى أعلى مستوى ممكن إلى درجة لوّح فيها باحتمال اندلاع الحرب الأهلية. واعتبر كثيرون أنّ مفرداته التصعيدية لم تكن موفقة، لا بل أدّت إلى عكس المرجو. فدعوته إلى خوض «حرب كربلائية» ربما بهدف شدّ العصب الشيعي إلى الحدّ الأقصى، أدّى في الوقت عينه إلى إثارة حساسية عالية لدى الشارع السنّي، ما أدّى إلى صدور مواقف غاضبة. في الواقع استبق «حزب الله» خطاب أمينه العام بحملة تعبوية وإعلامية من خلال توزيع فيديوهات تستحضر العمليات العسكرية التي حصلت في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، أضافة إلى مقاطع خطابية منتقاة بعناية للسيد حسن نصرالله. وأُريد من ذلك المزج بين التلويح بالقوة وإثارة العاطفة المفرطة. ولا شك في أنّ الحملة نجحت في أداء غرضها في الوسط الشيعي، لكن «تسييلها» على أرض الواقع لا يبدو عملياً. لا بل على العكس يبدو كارثياً.

وللمفارقة، فإنّ شيئاً مشابهاً يحصل في العراق، حيث جدّدت كتائب «حزب الله» العراقية تمسكها بسلاح المقاومة «لردع المعتدين ونصرة المظلومين»، ودعت إلى دعم ترسانتها بالأسلحة المتطورة، وتعزيز إمكاناتها لمواجهة أي تهديد. وجاء ذلك رداً على دعوة رئيس الحكومة بحصر السلاح بيد الدولة. والعراق هو الساحة الموازية للساحة اللبنانية، والتي تواجه خطة إقصاء النفوذ الإيراني عنها. لكن المعادلة الدولية لا تبدو مؤاتية لإيران التي تعمل على إزالة آثار ونتائج الحرب عنها، والمتمسكة بمبدأ تخصيب اليورانيوم المحرّم دولياً، قبيل انطلاق مفاوضات جديدة مع الأميركيين.

وفي الأمس، إهتم بعض الأطراف بكلام عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب إبراهيم الموسوي لقناة «الجزيرة»، بأنّ حصر السلاح بيد الدولة «أمر ممكن من حيث المبدأ»، لكنه شدّد على أنّ نزع السلاح مختلف تماماً ويعدّ طرحاً غير واقعي. ولا شك في أنّ هنالك تعمّداً بأن يكون كلام الموسوي «حمّال أوجه». مرّة لامتصاص ردات الفعل السلبية على كلام قاسم، ومرّة أخرى للإيحاء بالإستعداد للبحث في مخارج معقولة. لكن هنالك من لم يجد جديداً بهذا الموقف، لا بل رأى فيه دعوة مبطنة لإقرار الهيكلية العسكرية لـ»حزب الله» كجسم عسكري مستقل، ولكن تحت إمرة السلطة اللبنانية، بعد إدخال تعديلات على نظامها الدستوري. وهو ما يشبه ما هو جارٍ العمل عليه لـ«الحشد الشعبي» في العراق. وهو ما يلاقي رفضاً داخلياً على مستوى بقية المكونات، وإقليمياً باستثناء إيران، ودولياً بما فيه روسيا.

يباشر اليوم الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك جولته الرابعة في لبنان والأولى بعد قرار الحكومة اللبنانية. ومن المنطقي الإعتقاد بأنّ برّاك والذي ترافقه مورغان أورتاغوس المثيرة للجدل، سيبحث في مرحلة تطبيق القرار المتخذ. وفي وقت تمّ سابقاً تسريب طلب إيران عبر قطر إعادة ترتيب برنامج زمني أكثر مرونة، جزمت مصادر معنية بأن لا برّاك ولا وزارة الخارجية الأميركية عمدا للتمهيد للجولة بالإيجاز الديبلوماسي الذي يعتمد عادة، والذي يستبق الجولة. وهو ما يعطي الإنطباع بأنّ برّاك يحمل أفكاراً جديدة يريد أن يفاجئ بها الجميع. ولا حاجة للإشارة بأنّ هذه الأفكار الجديدة قد تكون مستوحاة من التفاهمات المستجدة بين واشنطن وموسكو.

--------------------------

جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / برّاك يعود لتثبيت المؤكّد

 

 

2025-08-18

دلالات: