Sidonianews.net
----------
النهار
مع أنها كانت أقصر الزيارات وأكثرها كثافة واقتضاباً وسرعة، بدت الزيارة الرابعة للموفد الأميركي توم برّاك وإلى جانبه هذه المرة الموفدة السابقة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الاوسط مورغان أورتاغوس التي اكتسبت "عودتها" إلى الفريق الأميركي المولج بالملف اللبناني توهّجاً ودلالات خاصة، بمثابة رفع سقف الدعم الأميركي للشرعية اللبنانية، لا سيما للرئيسين جوزف عون ونواف سلام، إلى منسوب أعلى للغاية عقب اتخاذ مجلس الوزراء قراريه المفصليين في شأن حصرية السلاح في يد الدولة وإقرار أهداف ورقة توم برّاك. لا بل يمكن الذهاب أبعد في استخلاص المناخات الخلفية التي جاءت بالثنائي برّاك – أورتاغوس إلى بيروت التي أمضيا فيها أقل من 24 ساعة كانت كافية لجولتهما على الرؤساء الثلاثة وقائد الجيش وحدهم، بأن الزيارة شكّلت اختراقاً عاجلاً للتفاعلات السلبية التي حاولت إيران عبر زيارة علي لاريجاني إحداثها وعرقلة المسار الجاري منذ بدء الوساطة الأميركية. وتمثلَ هذا الاختراق في الصدقية التي منحها كلام برّاك في قصر بعبدا لما كان أعلنه رئيس الجمهورية جوزف عون قبل يوم من أن الجانب اللبناني حوّل الورقة الأميركية إلى ورقة لبنانية بعدما عدّل فيها، وتالياً أكد برّاك هذا المعطى. كما أنه محض رئيس الحكومة نواف سلام والحكومة الصدقية المماثلة، حين أكد التوازي والخطوة خطوة في التزامات الورقة خصوصاً من جانب إسرائيل بحيث برزت أجواء جديدة للدفع نحو تنفيذ الالتزامات الإسرائيلية أسوة بالالتزامات من جانب لبنان. وبدا من الواضح تماماً أن مسالة التزام المهلة الزمنية لتقديم وإقرار خطة قيادة الجيش حيال حصرية السلاح وتنفيذها قبل نهاية السنة الحالية، أحدثت الفارق الجوهري في اندفاعة الموقف الأميركي لدعم السلطة اللبنانية والجيش اللبناني بما يعتقد أنه سيترجم بإجراءات سريعة لتوفير مساعدات عسكرية مهمة ونوعية للجيش، بعدما خصص اجتماع برّاك وأورتاغوس مع قائد الجيش العماد رودولف هيكل لعرض حاجات الجيش تفصيلياً بما يمكنه من الاضطلاع بمهماته الواسعة، إن عبر الحدود الجنوبية والشرقية والشمالية وإن في الداخل اللبناني. ومع أن أكثر لقاءات الوفد الأميركي اقتضاباً وتحفظاً كانت هذه المرة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، فإن البارز في الموقف الذي أعلنه برّاك من بعبدا كان في إبرازه لمسؤولية إسرائيل في تنفيذ التزاماتها الواردة في اتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل الذي أعاد الروح بقوة إليه، نافياً العمل على أي اتفاق آخر. وبدا بارزاً أن كلام الموفد الأميركي استتبع بموقف إسرائيلي يصب في الخانة نفسها، إذ قال مصدر سياسي إسرائيلي لقناة "العربية" رداً على برَاك: إن "لا نية لإسرائيل للاحتفاظ بالأراضي اللبنانية وإسرائيل ستقوم بدورها عندما يتخذ لبنان خطوات فعلية. والانسحاب من النقاط الخمس سيتم بموجب آلية منسقة مع لجنة اتفاق وقف النار". كما أن معلومات تحدثت عن توجّه برّاك إلى إسرائيل بعدما غادر بيروت مع أورتاغوس بعد ظهر أمس في ظل توافر معطيات إيجابية لديه للدفع قدماً نحو إجراءات تنفيذ الالتزامات المتعلقة باتفاق وقف الأعمال العدائية.
وأبلغ الرئيس عون برّاك وأورتاغوس أنه بعد الموقف اللبناني المعلن حيال الورقة التي تم الاتفاق عليها، فإن المطلوب الآن من الأطراف الأخرى الالتزام بمضمون ورقة الإعلان المشتركة، كما أن المطلوب المزيد من الدعم للجيش اللبناني وتسريع الخطوات المطلوبة دولياً لإطلاق ورشة إعادة الإعمار في المناطق التي استهدفتها الاعتداءات الإسرائيلية.
وبعدما هنأ برّاك عون والحكومة بقراراتهما الأخيرة، سئل عن الانسحاب الإسرائيلي أو إيقاف انتهاك الاتفاق، فأجاب: "هذه هي بالتحديد الخطوة المقبلة وهي تتمثل في الحاجة للمشاركة من الجهة الإسرائيلية، كما نحتاج إلى خطة اقتصادية للازدهار والترميم والتجديد لكل المناطق وليس فقط الجنوب". وقال: "عندما نتحدث عن نزع سلاح "حزب الله" فإن الهدف من وراء ذلك هو في الواقع لمصلحة الشيعة وليس ضدهم"، كما شدد على أن "هناك دائماً مقاربة الخطوة خطوة. واعتقد أن الحكومة اللبنانية قد قامت بدورها وقامت بالخطوة الأولى، والآن على إسرائيل أن تبادل ذلك بخطوة مقابلة أيضا". وقال: "عندما نتحدث عن التنفيذ، ماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك أننا نبدأ مباحثات طويلة، و"حزب الله" جزء من الطائفة الشيعية ويجب أن يعلموا ما هو الخيار الأفضل من الخيار الموجود... ولكن الخطوة الكبيرة كانت بما قام به فريق رئيس الجمهورية والحكومة في إعطائنا فرصة لكي نساعد ولكي تساعد أميركا على هذا الانتقال والوصول إلى علاقة أكثر هدوءاً مع الجيران". وأعلن أن "ما نحاول أن نقوم به هو حل أو تطبيق الاتفاق الذي تم انتهاكه. ليس لدينا اتفاق جديد وليس هدفنا خلق اتفاق جديد".
وأفيد في عين التينة أن الرئيس بري "سأل الموفد الأميركي عن الالتزام الإسرائيلي باتفاق وقف إطلاق النار وانسحابها من الأراضي اللبنانية إلى الحدود المعترف بها دولياً، مؤكداً أن ذلك هو مدخل الاستقرار في لبنان وفرصة للبدء بورشة إعادة الإعمار تمهيداً لعودة الأهالي الى بلداتهم، بالإضافة إلى تأمين مقومات الدعم للجيش اللبناني".
كما أفيد في السرايا الحكومية أن رئيس الحكومة "أكد أنّ القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء إنما انطلقت من المصلحة الوطنية العليا، مشدّدًا على وجوب قيام الجانب الأميركي بمسؤوليته في الضغط على إسرائيل لوقف الأعمال العدائية، والانسحاب من النقاط الخمس، والإفراج عن الأسرى". كما شدّد رئيس الحكومة على أولوية دعم وتعزيز قدرات القوات المسلحة اللبنانية، مالاً وعتاداً، بما يمكّنها من أداء المهام المطلوبة منها. وأكّد، في السياق نفسه، على أهمية التجديد لقوات اليونيفيل نظرًا لدورها في ترسيخ الاستقرار ومساندة الجيش في بسط سلطة الدولة في الجنوب.
إلى ذلك، قام رئيس الحكومة نواف سلام بعد ظهر أمس بجولة في طرابلس بدأها من معرض رشيد كرامي الدولي، حيث أكد أن "هذا المعلم الوطني لم يُبنَ ليبق صرحًا صامتًا بل ليكون مساحة حية للنشاط الاقتصادي والثقاقي والاجتماعي ورافعة حقيقية للتنمية". وشدد على أن "حكومتنا وضعت طرابلس في صلب اهتماماتها وعازمون على فتح مسار جديد، وزمن الفعل قد بدأ". وقال: "مشروعنا يقوم على 4 ركائز: 1 ـ إحياء معرض رشيد كرامي الدولي. 2 ـ تشغيل مطار رينيه معوّض ليكون رافعة إقتصادية. 3 ـ تطوير المرفأ. 4 ـ تفعيل المنطقة الاقتصادية الخالصة". وأكد "أن قرار حصر السلاح في يد الدولة قد اتخذ ومن دون ذلك لا أمن ولا استقرار ومن دون أمن واستقرار لا استثمار يأتي ولا اقتصاد ينمو".
أما اللافت في هذا السياق، فهو مضي "حزب الله" في التصعيد الكلامي، وقام أمس وفد منه برئاسة نائب رئيس المجلس السياسي محمود قماطي بزيارة ما كان يسمى "القوى والأحزاب القومية" في مركز الحزب السوري القومي الاجتماعي في الروشة، وصدر على الاثر بيان باسم المجتمعين دعا الحكومة "إلى التراجع عن قرارها الفتنوي التفجيري الذي لا يهدف سوى لتطبيق الأجندة الأميركية الصهيونية"، وأكد أن "الثقة بالجيش اللبناني الوطني هي ثقة وطنية كبرى"، معتبراً أن "الجيش لا يمكن أن يقف في مواجهة شعبه بتاتا".
---------
جريدة صيدونيانيوز.نت
النهار: اختراق أميركي سريع تحفيزاً لقرارات الحكومة: برّاك وأورتاغوس في أقصر الزيارات يثبّتان إجراءات الخطوة خطوة؟ | نواف سلام في طرابلس؟
2025-08-19