Sidonianews.net
---------------------
الجمهورية
جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة
ثمة عوامل دولية وإقليمية تتلاقى مع مخاوف وتحفظات داخلية تفرض هدنة موقتة في لبنان. وليس بالضرورة في هذا المجال الاستعانة بمقولة: «ما من دائم الّا الموقت»، لأنّ الانفجار قد يحضر في أي وقت إذا قرّرت إسرائيل تكثيف اعتداءاتها ومواصلة ضغوطها، من أجل إعادة التوتر واللعب على التناقضات اللبنانية.
تل أبيب اليوم تتخبّط في غزة، وهي ترى أنّ تصعيدها واستمرار مجازرها لم يعجّلا في حسم المعركة، وأنّ الغارة الجوية التي استهدفت الدوحة التي كانت تنشط على خط الوساطة بينها وبين «حماس» زادت الوضع تعقيداً، وأحدثت «قبطة» لا يمكن الإقلال من شأنها لدى الدول العربية، ولا سيما منها الخليجية، والدول الإسلامية. فهذا الاعتداء المكشوف والمنطق التبريري الفظ، الذي طلع به بنيامين نتنياهو وهو يعلّق على قمة قطر الاستثنائية، يضعفان حجة الساعين إلى السلام في المنطقة، والداعين إلى خيار الاتفاقات الثنائية مع الكيان العبري بترتيبات حدودية ومعاهدات أمنية وصولًا إلى التطبيع. على أنّ حل الدولتين الذي ترفضه إسرائيل، بات ملزماً للدول التي طرحته والتي لن تستطيع سحبه من التداول.
أياً تكن نتائج قمة الدوحة والقراءات المتباينة للبيان الختامي الفضفاض الصادر عنها، فإنّ مجرد إنعقادها هو تطور إيجابي يجدر التوقف عنده. فمنذ «طوفان الأقصى» والحرب على لبنان، لم يقم سعي جاد للتصدّي للإعتداء الإسرائيلي، ووقف المذابح والتهجير القسري والتدمير الممنهج. على أنّ استهداف الدوحة لم يمرّ، بل كان مدرجة لاصطفاف عربي وإسلامي لم تتغيّب عنه دولة واحدة. ولعلّ هذا المؤتمر حرّك، ولو جزئياً، المياه الراكدة في بحيرة العلاقات الإيرانية ـ العربية، ولا سيما منها الخليجية. فالاتصالات التي حصلت على هامش القمة علناً وفي كواليسها بين مسؤولين خليجيين وإيرانيين، يمكن أن تؤسس لتواصل أوسع يفضي إلى حوار لا بدّ منه لاستقرار المنطقة. والواقع أنّ ثمة من يعتقد مثلاً في لبنان، أنّ تواصل طهران والرياض في هذه المرحلة الدقيقة يمكن أن تكون له انعكاسات إيجابية على الوضع الداخلي، وعلى علاقات الأطراف اللبنانيين بعضهم مع بعض. فاللقاء الذي جمع الرئيس الإيراني مسعود بزكشيان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الدوحة، يُعتبر مؤشراً إيجابياً يمكن البناء عليه للبحث في كل القضايا العالقة بين الجمهورية الإسلامية والمملكة العربية السعودية، ويفتح الباب أمام تفاهم إيران ودول الخليج والعالم العربي، ويؤسس لمرحلة جديدة من التعاون الذي ينعكس إيجاباً على لبنان. إنّ الاعتداء الإسرائيلي على قطر عزّز حجة القائلين بأنّ الدولة العبرية لا تريد السلام الحقيقي والعادل مع الدول العربية، وأنّ ما تسعى اليه هو استسلام مقنّع تتولّى هي رسم خطوطه وحدوده ومواصفاته، وأنّه في مواجهة هذا السلوك العدائي الخارج على كل القواعد والمواثيق، لا يمكن للعرب أن يتخلّوا عن أي ورقة قوة يمتلكونها، لأنّ التجارب أثبتت أنّ تل أبيب تخطّط لكي «تطوّب» نفسها القوة الأولى، بل الأعظم، في الشرق الاوسط، والوكيلة الحصرية للولايات المتحدة الأميركية وعصاها الغليظة في المنطقة. ولذلك، وانطلاقاً من هذا الشعور، واتكاءً على الدعم الأميركي، استسهلت انتهاك سيادة قطر، الدولة التي كانت تقوم بوساطة بين إسرائيل و»حماس» لإنهاء المأساة القائمة في قطاع غزة.
في أي حال، لم يكن متوقعاً من قمة الدوحة أكثر مما تتضمنه بيانها ذي الخمس وعشرين بنداً، وفيه إشارات مهمّة منها الدعوة إلى إعادة النظر في علاقات عدد من الدول العربية والإسلامية مع إسرائيل، والتمسك بـ»حل الدولتين» الذي ترفضه الأخيرة رفضاً تاماً ومطلقاً، مع انّ المؤتمر الأخير الذي عُقد في نيويورك قد تبنّاه. إنّ انعقاد القمة الإستثنائية العربية ـ الاسلامية في قطر لم تلجم بنيامين نتنياهو، بل ازداد تعنته وتضاعفت شراسته وعمد إلى التهديد والوعيد، معتبراً أنّ الدوحة تسعى إلى محاصرة إسرائيل وعزلها، وواصل حرب الإبادة على غزة بلا هوادة، وكأنّه يقول: سيان عُقدت قمة أو لم تُعقد. وسيان إذا صدرت إدانات ضدّ إسرائيل أو لم تصدر. فإنّ المخطط قائم والعنف دائم، ولن تكون لفلسطين دولة، وحتى لن يبقى فلسطيني في الأراضي المحتلة. هذا هو التحدّي الذي يرفعه نتنياهو المرتاح إلى دعم واشنطن له، وإن حاولت التمايز لفظياً عنه، لأنّهما يتقاطعان حول مضمون واحد: فرض إنهاء حال العداء مع الدولة العبرية بشروطها، ورفض أي تسوية على قاعدة القرارات الدولية، ولا سيما منها القرارين: 194/48 و242. ومهما كلّف الأمر فإنّ إسرائيل لن تتخلّى عن فكرة المناطق العازلة على حدودها مع لبنان، سوريا، الاردن وحتى مع مصر اذا قيض لها ذلك. فهل تستطيع قمة الدوحة أن تطلق دينامية إعتراض في مواجهة ما تعمل إسرائيل على إرسائه من قواعد ووقائع؟ وهل تشكّل نقطة تحول في غمرة الملفات المتداخلة والمتشابكة التي تضع مصير القضية الفلسطينية على المحك؟ وهل تعيد صياغات جديدة لمقتضيات العمل العربي المشترك؟ هذه الأسئلة مشروعة في ضوء الإصرار الإسرائيلي على المضي في القتل والتدمير وقضم الارض وضمّها إليها، واحتلال مواقع جديدة في غزة ولبنان وسوريا؟ وهناك أمر غير تفصيلي يستوقف المراقبين، وهو ما يُحكى في الدوائر الديبلوماسية والكواليس، عن استعداد كل من طهران وتل ابيب وتهيؤ كلاهما للحرب. فالمعلومات الواردة من العاصمة الإيرانية، تؤكّد أنّ الأخيرة لا تركن لأي تعهدات وتعتقد بناءً على معطيات توافرت لديها، أنّ إسرائيل ستعاود الحرب ضدّها، وانّها تأخذ هذه المعطيات على محمل الجد، وهي تدرس موضوع إفقاد تل أبيب عنصر المبادرة إذا ما تيقنت من هجوم وشيك عليها، وهي ترى أنّ عدم تشدّدها في تطبيق خيار «وحدة الساحات» في الماضي كان خطأ استراتيجياً كلّفها كثيراً، ولن تدع أحداً يأخذها على حين غرّة.
إذاً هدنة الـ(DE FACTO) القائمة هي عرضة للاهتزاز، واي مواجهة مفتوحة بين طهران وتل أبيب ستصيب كثيراً من شراراتها لبنان وربما سواه من البلدان. وقد تكون الهدنة مرشحة لأن تطول إلى بدايات السنة الجديدة، وهي مفتوحة على تسوية في حال استؤنفت المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية حول الملف النووي وسارت في اتجاه الحل، أو على تفجير واسع.
إنّ قمة قطر فرصة لشق الطريق نحو تسوية شاملة من شأنها إحقاق السلام. ولكن، هل واشنطن راغبة هذه المرّة في وضع الحدود والسدود أمام نتنياهو؟ أم أنّ عقاربها تنبض على إيقاع ساعته؟
------------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / أخبار العالم العربي / قمة قطر بين الواقع والوقائع والمرتجى: تعاون دائم أم عابر؟
2025-09-17