Sidonianews.net
-----------------------
الجمهورية / محمد حميه
حفِلَ الفضاء الإعلامي خلال الأسبوع الماضي بموجة مكثفة من الأخبار والمعلومات عن تصعيد عسكري إسرائيلي واسع النطاق ضدّ «حزب الله»، قد يطاول مرافق للدولة اللبنانية. وتُنسَب هذه الأخبار إلى مصادر ديبلوماسية أميركية وأوروبية وعربية وإسرائيلية، ورسائل خارجية وصلت إلى مراجع رئاسية تحمل المضمون نفسه، لم تؤكّدها المراجع نفسها وفق مقرّبين منها.
وإذ يتوقع رئيس مجلس النواب نبيه بري وفق مصادره، تصعيداً عسكرياً لا يرقَى إلى مستوى الحرب الشاملة، يشير مصدر سياسي مطلع على موقف «حزب الله»، إلى أنّ الحزب، وإن كان يستبعد تكرار حرب الـ66 يوماً، لكنه يأخذ في الإعتبار كافة الفرضيات، ومن ضمنها عدوان إسرائيلي واسع ومفاجئ، يطاول الحزب وبيئته ومواقع تابعة للدولة. ويكشُف أنّ الحزب نجح في ترميم الأرضية العسكرية والأمنية والبشرية واللوجستية الأساسية، التي تُمكِّنه من خوض مواجهة جديدة ضدّ أي عدوان إسرائيلي جديد، ووضَع الخطط العملية لكل احتمال أو فرضية، من ضمنها سيناريو يُحاكي عدواناً إسرائيلياً جوياً وبرياً من الحدود السورية ـ اللبنانية في اتجاه البقاع، مع توغّل لمجموعات مسلحة من الأراضي السورية.
وإن كان بعض الساسِة والإعلام يسوّقون للحرب الحاسمة، بهدف تخديم الحرب النفسية وتكثيف الضغط التفاوضي إلى الحدّ الأقصى، قبل وصول الموفدين الأميركيين لاستكمال التفاوض مع المسؤولين اللبنانيين حول الحدود وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، لانتزاع مكاسب استراتيجية في الأمن والاقتصاد لإسرائيل والولايات المتحدة، فلِمؤّيدي نظرية الحرب الوشيكة أسبابهم، التي تتلخّص بحاجة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للإستمرار في الحرب، كطوق نجاة من المحاكمة القضائية في إسرائيل. ووفق العقيدة الأمنية الجديدة، فإنّ الفرصة ذهبية لاستكمال القضاء على «حزب الله»، قبل ترميم قدراته واستعادة قوته كذراع إيرانية في المنطقة، ما يفتح الطريق أمام توجيه ضربة حاسمة لإيران. ويرى هؤلاء، أنّ المناورات الضخمة التي يُجريها الجيش الإسرائيلي مؤشر إلى اقتراب الحرب، إلى جانب استعداد «حزب الله» غير المسبوق وحاجته إلى شن عمليات عسكرية لتحرير التلال الخمس ووقف مسلسل الاغتيال والاستنزاف.
أما من يستبعد الحرب الشاملة فله قراءته المغايرة:
ـ إنّ أي قرار إسرائيلي بالحرب يحتاج إلى تغطية أميركية واضحة، لأنّ لبنان كجغرافيا ودولة ومؤسسات يُعدّ نافذة بحرية أميركية على البحر المتوسط وساحة نفوذ في الشرق الأوسط. وبالتالي إدارة ترامب الحالية، التي تسعى إلى إنهاء حروب الشرق الأوسط وفرض السلام بعد قمة شرم الشيخ، من غير المنطقي أن تغطي حرباً شاملة على لبنان قد تُشعل المنطقة بأسرها من اليمن إلى العراق، وقد تقوّض السلطة اللبنانية الحليفة لها.
- تُدرك إسرائيل أنّ «حزب الله» بعد الحرب الأخيرة لم يعد يشكّل خطراً على الأمن الإستراتيجي الإسرائيلي ربما لعقد من الزمن، خصوصاً بعد اغتيال قيادته السياسية والعسكرية الأساسية، وتدمير جزء كبير من قدراته الصاروخية والتكنولوجية، وإبعاده عن جنوب الليطاني وتقييده سياسياً بمعادلة الحكم الداخلية، وبالتالي شن حرب للقضاء عليه كلياً ليست أولوية الآن، مثل قطاع غزة والضفة الغربية وإيران والجبهة السورية.
- لا تملك إسرائيل قدرة على حسم الحرب لمصلحتها سريعاً وبكلفة مادية وبشرية منخفضة، في ظل العمى الاستخباراتي عمّا يقوم به «حزب الله»، خصوصاً أنّ الهجوم الجوي مهما بلغت أهميته وقدرته على التدمير والاغتيال ومفاعليه في الضغط التفاوضي والسياسي، غير أنّه لا يستطيع الحسم بالقضاء على «حزب الله» من دون الاجتياح البري إلى حدود الليطاني في الحدّ الأدنى، وهذا تعذّر تحقيقه خلال حرب الـ66 يوماً وفي ذروة قوة إسرائيل والتغطية الأميركية وبعد اغتيال السيد حسن نصرالله، حيث منع بضع مئات من المقاومين على طول الشريط الحدودي التقدّم في اتجاه نهر الليطاني، رغم ضخامة الخسائر البشرية والمادية. وبالتالي، لماذا يكرّر الجيش الإسرائيلي التجربة نفسها، وفي ظروف أصعب عليه من ظروف الحرب الماضية، وظروف قد تكون أفضل لـ«حزب الله؟».
- إنّ الوضع الحالي بالنسبة إلى إسرائيل على الجبهة الشمالية هو المثالي، إذ تتيح لها موازين القوى والتحول الجيوبوليتيكي في المنطقة بعد إسقاط النظام في سوريا، حرية الحركة الأمنية والعسكرية بتغطية أميركية واضحة، وبالتالي استكمال الحرب من جانب واحد من دون ردّة فعل من «حزب الله» ولا من الدولة اللبنانية... تحتل وتتوسع وتدمّر وتغتال قيادات وعناصر لـ«حزب الله»، وتفرض قواعد اشتباك ومعادلة صعبة على لبنان بالمسيّرات، وتمارس الترهيب النفسي والضغط السياسي من دون أن تتكبّد أي تكلفة مادية أو بشرية.
- تخشى الولايات المتحدة أن يكون «حزب الله» قد أعدّ مفاجآت نوعية لأي حرب تشنّها إسرائيل، تقلب الموازين وتطيح الإنجازات التي تتباهى حكومة نتنياهو بتحقيقها، ولا سيما منها عملية «البيجر» و«الأجهزة» واغتيال القادة وتدمير مخزون كبير من الصواريخ وإبعاد الحزب وقوات «الرضوان» تحديداً عن جنوب الليطاني، وإنّ أي خطوة ناقصة ستعيد الحزب إلى الحدود وربما تنفيذ قفزة في اتجاه الداخل الإسرائيلي.
- واجه نتنياهو اعتراضات شعبية كبيرة لوقف الحرب على غزة بسبب حجم الخسائر البشرية في الجيش ومفعول صواريخ اليمن، وبالتالي أي حرب قد تفتح جبهات جديدة منها الجبهة اليمنية، ما يُعيد إسرائيل إلى الوضع السابق على مقربة أشهر قليلة من الانتخابات الإسرائيلية.
من الواضح أنّ إسرائيل تتخذ من نزع سلاح «حزب الله» ذريعة لاستكمال حربها، لفرض معادلات جديدة أمنية وسياسية واقتصادية، وفق مصادر ديبلوماسية أوروبية، منطقة عازلة بعمق 7 كلم مربع منزوعة البشر والحجر، ومنطقة ثانية في اتجاه شمال الليطاني منزوعة السلاح ومنطقة ثالثة حتى نهر الأولي، تحتفظ إسرائيل بحرية الحركة فيها مع تقييد حجم انتشار الجيش والقوى الأمنية إلى حدود وظيفة الشرطة، وتريد من «حزب الله» والدولة عبر التصعيد العسكري، مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، تشرّع هذه المنطقة العازلة، كجزٍء من المشروع الأميركي السياسي والاقتصادي في المنطقة من لبنان إلى سوريا إلى غزة.
----------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / حربٌ شاملة أم تصعيدٌ للتفاوض؟
2025-10-27








