Sidonianews.net
-----------------------
الجمهورية / جوني منير
غادر وفد الخزانة الأميركية لبنان تاركاً خلفه عدداً من الرسائل التي حملها معه من واشنطن. وأبرز تلك الرسائل على الإطلاق، مطالبته السلطات اللبنانية بخطوات عملية وفعلية قبل نهاية السنة، والتي تشكّل مهلة تنفيذية جدّية.
والوفد الذي تعمّد الإفصاح عن رسائله أمام عدد من الوجوه السياسية والنيابية التي التقاها، عمد إلى رسم ما يشبه خريطة الطريق لما قد ينتظر لبنان: عقوبات، ثم ضربات إسرائيلية تشبه العمليات الجراحية، لتأتي من بعدها التسوية المنتظرة وفق المعطيات الميدانية الجديدة.
وطريقة تكوين الوفد تعطي الإنطباع بأنّ مهمّته «تنفيذية» أكثر منها استكشافية كما يحصل مع الوفود الأميركية العادية. تكفي الإشارة إلى المراتب التي يتولاها هؤلاء، وحيث أنّ من بينهم مَن كان في عداد فريق غرفة العمليات الذي أشرف على قصف المنشآت النووية الإيرانية. وعلى رغم من ذلك، بقي التقييم السائد لدى أركان السلطة في لبنان ولدى أوساط «حزب الله»، أنّ الحركة الأميركية والمترافقة مع رفع مستوى الإعتداءات الإسرائيلية، إنما تدخل في إطار ضغوط الحدّ الأقصى للوصول إلى التفاهمات المتوخاة، أكثر منه الذهاب إلى إعادة فتح جبهات حربية.
لكن المناخ الذي تركه الوفد الأميركي، حذّر في وضوح من تجاوز مهلة نهاية السنة. هو أراد من السلطة اللبنانية قطع «طرق الإمداد» التي يتنفس منها «حزب الله»، بدءاً من تلك المتعلقة بالسلاح والذخائر ووصولاً إلى الإمدادات المالية كجمعية «القرض الحسن»، وأنّ السلطة اللبنانية لم تعد تستطيع التذرّع بعدم قدرتها. لكن ردّ الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، والذي تمسّك في شكل حاسم بموضوع السلاح شمال خط الليطاني، أوحى وكأنّ «القرض الحسن» هو في مرتبة السلاح وأهميته. وهنا تكمن المعضلة الكبرى. في الواقع ثمة مفهومان اثنان: مفهوم أميركي يريد الذهاب إلى تسوية سياسية جديدة، ولكن عبر طريق العقوبات وبعدها العمليات العسكرية الجراحية، للوصول إلى تفاهمات سياسية جديدة وفق العناوين المعروفة، ومفهوم «حزب الله» الذي يعتقد أنّ أبواب الحماوة العسكرية ليست مفتوحة، وأنّ ما يحصل إنما يدخل في إطار الضغوط القصوى على وقع الإستهداف اليومي الإسرائيلي، بهدف القفز فوق اتفاق 27/11/2024، وفرض اتفاق جديد وفق أسس جديدة، وهو ما يعارضه كلياً. وقد تكون قيادة «حزب الله» قد قرأت في خلفيات المبادرة المصرية ما شجعها على هذا التقييم. فالتواصل الذي حصل بين «حزب الله» وأحد أعضاء الوفد المرافق لمدير المخابرات العامة المصرية حسن محمود رشاد، حمل مبادرة من ثلاث نقاط تتدرج ما بين تنفيذ القرار 1701 ونزع السلاح جنوب الليطاني، وثانياً إعلان «حزب الله» عدم القيام بأي عمل ضدّ إسرائيل، وثالثاً بدء مفاوضات لوقف النار وانسحاب إسرائيل وعودة الأسرى وترسيم الحدود وسحب السلاح من كل لبنان. هذه النقاط اعتبرها «حزب الله» قفزاً فوق بنود الإتفاق الموجود، لكنه حرص على عدم إبداء موقف نهائي برفضها، ذلك أنّه قد يكون اشتمّ وجود «طيف» السعودية في خلفياتها. وهو ما يعني وجود توجّه جديد ينحو في اتجاه بدء مسار تفاوضي صعب. وقد يكون «حزب الله» رصد أيضاً إشارات ما تدفع في اتجاه هذا التقييم، خصوصاً أنّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يستعد لزيارة تاريخية إلى واشنطن، وهو يهمّه الهدوء في غزة ولبنان، ويميل إلى حسابات تتلاءم أكثر مع مستقبل المنطقة.
وجاءت رسالة «حزب الله» الموجّهة إلى أركان السلطة في لبنان من ضمن هذا التوجّه ولو بصياغة قوية. فالبيان تعمّد ذكر البند الثاني من الاتفاق بنصه الكامل، حول عدم القيام بأي عملية ضدّ إسرائيل. كما ذكر البيان البند 13، والداعي إلى مفاوضات لبنانية مع إسرائيل برعاية أميركية لترسيم الحدود اللبنانية. وفي البيان أيضاً رفض للتفاوض السياسي، ولكن ليس لمبدأ التفاوض الذي تحدث عنه البند 13.
لكن في كلام الشيخ نعيم قاسم «تطمين» للمستوطنات الشمالية والتزام بمنطقة خالية من السلاح جنوب الليطاني فقط، ورغم ذلك الحديث عن خطر وجودي، فمن هو المقصود؟ البعض قرأ في خلفيات هذا الكلام بأنّ التمسك بالسلاح هنا مردّه للخشية من الحال العدائية الموجودة لدى الفصائل السورية القريبة من المناطق الشيعية. لكن أجواء «حزب الله» تقول إنّ سوريا منشغلة الآن بمشكلاتها الداخلية الكبيرة، وإنّ المقصود هو الخشية من اقتطاع إسرائيل لمنطقة جنوب الليطاني وجعلها منطقة عازلة وفي شكل دائم، في ظل عدم خشيتها من وجود سلاح رادع. أما الكلام عن المستوطنات الشمالية لإسرائيل فهي رسالة مفادها أنّ «حزب الله» لا يريد اللعب بالنار الآن.
وهنا أيضا هنالك من يضع عدم صدور أي تعليق من السعودية على رسالة «حزب الله» في الإطار الإيجابي وليس السلبي. أضف إلى ذلك «التودد» الحاصل من جانب إيران تجاه المملكة، وهو تطور سيصيب لبنان، وفق ما يعتقده أنصار «حزب الله».
ووفق ما تقدّم، فإنّ ثمة تناقضاً واسعاً حول طريقة قراءة مآل الأمور في لبنان، بين تحذيرات حملت طابع الجدّية الحازمة حملها الوفد الأميركي وقبله مورغان أورتاغوس وتوم برّاك، وبين قراءة «حزب الله» وإيران من خلفه. ولا شك في أنّ ملف «القرض الحسن» يشكّل اختباراً حاسماً بين القراءتين. وعلى المدى الأبعد، هنالك الهدف الذي يريده الرئيس الأميركي وجاهر به دائماً، والمتعلق بمفاوضات مباشرة بين لبنان وإسرائيل، والذي من المفترض أن يؤدي إما إلى إتفاقية سلام كاملة، أو إلى إتفاقية أمنية على مستوى إتفاقية هدنة وفق معايير جديدة.
في واشنطن، وصف ترامب الرئيس السوري بالشريك المحتمل في مواجهة التهديدات الإقليمية، بما في ذلك نفوذ إيران. ورغم ذلك، لم تؤد زيارة الشرع إلى اختراقات فورية وواضحة، كمثل انضمام سوريا رسمياً إلى التحالف الدولي ضدّ الإرهاب، أو حتى رفع العقوبات الأميركية عن سوريا في شكل نهائي. وعلى رغم من إعلان الشرع عن انخراط بلاده في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وأنّه «قطعنا شوطاً جيداً في طريق التوصل إلى اتفاق»، إلّا أنّ التمهّل الأميركي في فك القيود عن سوريا في شكل نهائي قد يكون بسبب الحذر والتروي لإنجاز كل الأعمال المطلوبة من دمشق.
وترامب الذي حذّر من غضبه أعضاء الوفد الأميركي الذي زار بيروت، يريد إنجاز الملف اللبناني بسرعة، بالسياسة أو بالقوة، والأهم أنّه متمسك بمهلة نهاية السنة.
---------------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / قراءتان متناقضتان بين واشنطن والحزب
2025-11-13





