الرئيسية / أخبار صيدا /مقالات /خليل المتبولي: عودة وسام سعد… حين يستعيد أبو طلال عرشه في النقد الكاريكاتوري الساخر

جريدة صيدونيانيوز.نت / خليل المتبولي: عودة وسام سعد… حين يستعيد أبو طلال عرشه في النقد الكاريكاتوري الساخر

 

Sidonianews.net

-------------------------

بقلم: خليل ابراهيم المتبولي

بعد غيابٍ ملحوظ عن ساحة النقد الاجتماعي والسياسي، يعود الفنان وسام سعد – صاحب الشخصية المحبوبة “أبو طلال” – ليطلّ مجدّدًا عبر منصة كركول – بيروت في برنامج جديد يحمل عنوانًا يبدو للوهلة الأولى عابرًا: “بلا معنى”. غير أنّ المفارقة تكمن في أنّ ما يُقال “بلا معنى” يصبح في عمقه، محمّلًا بكلّ المعاني التي يخشى كثيرون التصريح بها.

منذ سنوات، نجح أبو طلال في ابتكار لونٍ خاص به في النقد الكاريكاتوري؛ لونٍ يجمع بين الحدّة والمرح، وبين الجرأة وخفّة الظل، وبين ما يودّ الناس قوله وما يتردّدون في الإفصاح عنه. ومع الوقت، تحوّل اسمه إلى مرصدٍ ساخر يرصد الواقعين اللبناني والعربي، يلتقط تفاصيلهما اليومية، ويعيد صياغتها بذكاءٍ يثير الضحك، ويوقظ التفكير معًا.

لذا، بدا طبيعيًا أن تلقى عودته ترحيبًا واسعًا؛ فالمشهد الإعلامي النقدي كان يحتاج إلى صوتٍ قادرٍ على تسليط الضوء على العيوب والمفارقات، لكن من دون صدام مباشر، ومن دون خطابٍ ثقيل، بل بروح “أبو طلال” التي تتقن الضحك على الوجع دون أن تفقد رهافة النقد.

“بلا معنى” عنوانٌ يخفي أكثر ممّا يُظهر؛ كلامٌ يبدو في ظاهره عابرًا، لكنه في جوهره يكشف ما لا يجرؤ كثيرون على كشفه. ففي هذا البرنامج، يتناول أبو طلال قضايا سياسية واجتماعية، ومحطات يومية يعيشها اللبناني والعربي، مستخدمًا أسلوبه الساخر الذي يمزج بين التعليق الطريف والمفارقة اللغوية واللعب بالكلمات. قد تبدو الجملة نكتة، لكنّ كل نكتة تحمل نقدًا، وكل ضحكة تستبطن سؤالًا، وكل مشهد عبثي يفضح واقعًا أشدّ عبثًا.

يستثمر وسام سعد قدرة نادرة على تحويل المواقف البسيطة إلى رسائل كبيرة؛ فيسخر من الواقع السياسي بلا خطاب مباشر، بل عبر شخصيات ومشاهد كاريكاتورية قريبة من الناس، ويكشف عيوب المجتمع بروحٍ مرحةٍ تعكس المرارة من جهة، والحب الكبير لهذا المجتمع من جهةٍ أخرى. وهو يلعب بالكلمة بمهارةٍ تجعل المتلقي يضحك من العبارة أولًا، ثم يعيد التفكير في معناها بعد لحظة واحدة.

فأسلوبه لا يقوم على الهجوم أو التحريض، بل على الكشف؛ على تعرية المواقف بطريقةٍ مضحكة تجعل المشاهد يخرج مبتسمًا، لكنه يلتقط الرسالة كاملة.

وينجح أبو طلال لأنّه يجمع بين ثلاثة عناصر نادرة:

أولًا، صدق التعبير؛ فهو يتحدّث كأنه واحد من الناس، لا نجم يتعالى عليهم.

ثانيًا، البساطة العميقة في لغته؛ لغةٌ سهلة، لكنها مشحونة بالمعاني المواربة خلف عبارة “بلا معنى”.

وثالثًا، الكاريزما التلقائية التي تجعل المشاهد يشعر أنه يجلس مع صديق يمازحه، لا مع ناقد يوبّخه.

هذه العناصر مجتمعة تجعل نقده قريبًا، مقبولًا، ونافذًا أكثر ممّا لو قدّمه بأسلوب مباشر أو قاسٍ.

أما اختيار منصة كركول – بيروت فليس صدفة؛ فهي مساحة رقمية تحتفي بالمحتوى اللبناني الأصيل، وتعكس نبض الشارع بلا تكلّف، وتتيح لصنّاع المحتوى مساحة أرحب للحرية والإبداع. ومن هنا، جاءت عودة أبو طلال عبرها كإضافة نوعية تعيد لهذا اللون من النقد مكانته.

إنّ عودة وسام سعد ليست مجرّد إطلاق برنامج جديد، بل هي عودة لأسلوب النقد الضاحك الذي افتقده الجمهور. ففي زمنٍ مثقلٍ بالأحداث والقلق، يصبح الضحك شكلًا من أشكال المقاومة، ويغدو برنامج “بلا معنى” واحدًا من أكثر البرامج التي تمنح للمعنى قيمته عبر اللامعنى.

إنه فنّ السخرية الذكية التي تخاطب الواقع بين السطور، وتقول الكثير من دون أن تقول، وتبوح بما يجب أن يُقال من خلال ما يبدو – ظاهريًا – بلا معنى.

------------------------------

جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / خليل المتبولي: عودة وسام سعد… حين يستعيد أبو طلال عرشه في النقد الكاريكاتوري الساخر

 

 

 

2025-12-05

دلالات: