Sidonianews.net
---------------------
الجمهورية / جوني منير
ينتظر لبنان من اجتماع باريس، والذي سيُعقد اليوم، أن يعبّد الطريق أمام الدعوة لانعقاد مؤتمر دعم الجيش والذي طال انتظاره. وكان واضحاً، أنّ قراراً سياسياً كان يحول دون الدعوة إلى هذا المؤتمر. فالدول المانحة، وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، تريد حسم مسألة سلاح «حزب الله»، قبل إقرار أي برنامج مساعدات للمؤسسة العسكرية اللبنانية. وبعد نجاح الجيش في إتمام المرحلة الأولى من خطة حصر السلاح بيده، تأمل السلطة اللبنانية أن يسمح ذلك بتليين موقف الدول المانحة، خصوصاً أنّ مجرد الدعوة إلى اجتماع باريس وموافقة واشنطن على تزويد الجيش صفقة أعتدة عسكرية، قد تشكّلان إشارتين واعدتين.
لكن الأمور فعلياً تبدو أكثر تعقيداً. فبغض النظر عمّا سيصدر عن اجتماع باريس، فإنّ الحسابات الفعلية تدور حول تكريس إخراج إيران من الساحة اللبنانية نهائياً، عبر إنهاء التركيبة العسكرية لحزب الله لجهة السلاح الثقيل. وفي الخامس من الشهر المقبل، سيبلّغ قائد الجيش إلى مجلس الوزراء، أنّ الجيش أنجز المرحلة الأولى من خطته، وهو سينتقل لتنفيذ المرحلة الثانية، والتي تشمل المنطقة الممتدة ما بين شمال نهري الليطاني والأولي. لكن «حزب الله» كان قد أعلن مرّات عدة وعلى لسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم،ّ أنّه لن يسلّم سلاحه شمال الليطاني. وهنا المعضلة التي تنتظر السلطة اللبنانية.
صحيحٌ أنّ الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك طلب من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عدم القيام بأي تحرك عسكري في اتجاه لبنان إلى ما بعد اجتماعه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلّا أنّ ذلك لا يعني صرف النظر عن العملية العسكرية، وإنما يعني تأجيلها بعض الوقت، ريثما يرسم ترامب لنتنياهو الخطوط الحمر لأي تصعيد عسكري إسرائيلي مقبل، خشية أن تعمد إسرائيل إلى نشر الفوضى في لبنان أكثر منه تنفيذ «عمليات جراحية» تطاول الجسم العسكري لـ«حزب الله»، ما سيؤدي إلى تمدّد الفوضى بسرعة إلى سوريا التي تعيش استقراراً هشاً جداً. ذلك أنّ واشنطن لا توافق نتنياهو على الشروع في تفتيت المنطقة الآن. ومن هنا فإنّ اجتماع مارالاغو في 29 الجاري سيعطي الإجابة الصحيحة على ما سينتظر لبنان مطلع السنة المقبلة. وفي وقت يعتبرالبعض أنّ العملية العسكرية الإسرائيلية حتمية، برزت وجهة نظر أخرى تستند إلى حسابات أخرى.
ذلك أنّ أصحاب وجهة نظر «حتمية الحرب» ينطلقون من حسابات اليمين الإسرائيلي، والذي يبدو قلقاً من تراجع ثقة الإسرائيليين من ديمومة كيانهم كإحدى نتائج الحروب التي خاضتها إسرائيل، يتمسكون بحتمية توجيه الضربة النهائية لإيران في لبنان وعدم إفساح الوقت لها لإعادة بناء قوتها. ويروي هؤلاء، أنّه منذ عام 2023 وللمرّة الأولى منذ زمن طويل، يتجاوز عدد المغادرين لإسرائيل عدد العائدين إليها. وسُجّل نزف دائم لحاملي الإجازات الجامعية. كذلك فإنّ حال عدم الثقة بالحماية الأمنية لا تزال موجودة بقوة داخل المجتمعات الإسرائيلية، وخصوصاً في المنطقة الشمالية القريبة من الحدود مع لبنان. وعلى سبيل المثال، فإنّ 30% من سكان مستوطنة كريات شمونة ما زالوا يرفضون العودة إلى منازلهم لعدم شعورهم بالأمان، لا بل إنّ كثيراً من المستوطنين الذين كانوا عادوا إليها يفكرون بالمغادرة مجدداً بسبب غياب الإستقرار وتراجع الحركة الإقتصادية. وكريات شمونة تمثل نموذجاً عن كل مستوطنات الشمال. ولذلك تعتقد الحكومة الإسرائيلية اليمينية أنّها في حاجة لعملية عسكرية في لبنان تؤدي إلى نتائج أقوى وتحدث وقعاً داخلياً كبيراً.
ووفق التقديرات الإسرائيلية، فإنّ «حزب الله» لا يزال يمتلك ترسانة أسلحة صاروخية، إضافة إلى عشرات الآلاف من المقاتلين.
وتتذرّع إسرائيل بأنّ «حزب الله» يعمل على كسب الوقت لإعادة بناء قوته العسكرية. فصحيحٌ أنّه تلقّى ضربات قوية وقاصمة، وصحيحٌ أنّه خسر المواجهة الأخيرة، لكنه لم يُهزم بعد. وبالتالي فإنّ الهدف الأساسي للعملية العسكرية الإسرائيلية هو تدمير مصانع الأسلحة وتجميع الصواريخ التي حفرها «حزب الله» داخل عدد من الجبال في منطقة البقاع الشمالي، إضافة إلى استهداف الطاقم القيادي الجديد الذي حلّ مكان الجيل القديم، والذي أُسندت إليه القيادة والمهمّات الميدانية، بعدما نجحت إسرائيل في القضاء على معظم أصحاب الرتب العالية.
لكن ثمة من يحذّر إسرائيل من أنّ تقديراتها للمواجهة المقبلة قد لا تكون دقيقة، ويغلب عليها الثقة بالنفس، لا بل التهور. فزوال الطاقم القيادي العسكري القديم لـ»حزب الله» قد يعني أننا أمام «حزب الله» جديد ومختلف، أكثر منه أمام تركيبة عسكرية مرتبكة وغير متجانسة. وهو ما قد يفاجئ القوات الإسرائيلية بسيناريوهات قتالية مختلفة. ولكن أصحاب توجّه «حتمية الحرب» يعتقدون أنّ الضوء الأخضر الأميركي حاصل حتماً، وأنّ عملية اغتيال رئيس أركان «حزب الله» هيثم علي طبطبائي شكّلت في حقيقتها خطوة متقدمة لبدء العملية العسكرية. لكن «حزب الله» الذي ينتهج أسلوب «الصبر الإستراتيجي»، لم يعمد إلى القيام بأي ردّ. وفي المناسبة، فإنّ سلوك «حزب الله» في المرحلة الحالية يشبه الأسلوب الذي انتهجته إسرائيل خلال السنوات التي سبقت الحرب على لبنان. فيومها كان «حزب الله» يتعمّد التحرّش بإسرائيل، والتي كانت تكتفي بموقف دفاعي. وتتحدث الأوساط الإعلامية الإسرائيلية، والتي تدور في فلك الجناح الإسرائيلي اليميني، أنّ العملية الإسرائيلية تتضمن إطلاق مئات الصواريخ والقذائف والطائرات المسيّرة المحملة بالمتفجرات دفعة واحدة وعلى مدى أيام متتالية، وصولاً إلى ربط وقف إطلاق النار بتسوية سياسية جديدة تتجاوز القرار 1701.
لكن هنالك قراءة أخرى لواقع المواجهة مع إيران، تعمل للتسويق لها بعض الدوائر الأميركية المؤثرة. فهي تعتبر أنّ من الخطأ التعاطي مع إيران وكأنّها أصبحت قريبة من إعلان إستسلامها. فشبكة نفوذ إيران الإقليمية والتي تعرّضت لضربات قوية وقاسية ومن ضمنها «حزب الله»، لم تفقد تماماً قدرتها على التحرك والردّ عند الحاجة. فلقد أظهرت المواجهات التي حصلت مع إيران أنّها انتهجت سلوكاً دفاعياً لا هجومياً، ولكنها أظهرت قدرتها على ألحاق أضرار وخسائر ملموسة بأعدائها. وبالتالي فإنّ طهران، وعلى رغم من خسائرها الفادحة، لا تزال تحتفظ بقدرة على التأثير بمجرى الأحداث في المنطقة، وزعزعة التوازنات الإقليمية التي قامت حديثاً، ومن ضمنها لبنان. وهنا لا بدّ من استعادة العبارة المبهمة التي أطلقها الشيخ نعيم قاسم حول «ثقب» السفينة اللبناني، وهو ما سيؤدي إلى غرق السفينة بكاملها. ومن هنا اعتقاد أصحاب هذا التوجّه، أنّ إيران أقرب إلى أن تجمع بين الضعف البنيوي الذي أصابها والخطورة الإستراتيجية التي لا تزال تحتفظ بها. وهو ما يعزز صورتها كعامل قادر على زعزعة الإستقرار أكثر من كونها قوة آيلة للسقوط.
ولا شك في أنّ طهران أضحت أضعف بكثير من السابق، مع تآكل نفوذ معظم المجموعات الموالية لها على المستوى الإقليمي، وإثر الضربات التي استهدفت بنيتها الدفاعية وقدراتها الردعية، إضافة إلى تشديد الخناق الإقتصادي والمالي عليها من خلال عودة العقوبات. إلّا أنّ الأفراط في التفاؤل عبر الإستنتاج بأنّ قدرات إيران تلاشت، فيه الكثير من التبسيط والبراءة في التقدير.
ففي العلم السياسي، هنالك من يقول إنّ الدول التي اعتادت على إبراز عضلاتها وتدخل مرحلة الضعف فجأة، غالباً ما تصبح أكثر ميلاً إلى المجازفة والتهور، خصوصاً حين تشعر أنّ تراجعها قد ينعكس خطراً على وجودها واستمرارها، والمقصود هنا النظام الديني الحاكم في إيران، وديمومته. فالإستراتيجية التي ارتكز عليها النظام الديني الإيراني منذ تسلّمه مقاليد السلطة عام 1979، هي أنّ ترسيخ النفوذ خارج الحدود أي في الأقليم، يُعتبر عاملاً أساسياً لبقائه واستمراريته، وهو ما عُرف بمبدأ «تصدير الثورة».
ويضيف أصحاب هذا الرأي، أنّ إيران وطوال العقود الماضية، عملت على توظيف هذا النفوذ الإقليمي، مرّة عبر استخدام «المخالب»، ومرّة أخرى عبر التفاوض تحت الضغط لتحقيق المكاسب.
من هنا يعتقد أصحاب هذا التوجّه، أنّ تراجع قدرة بعض القوى الإقليمية المحسوبة على إيران لن يعني التخلّي عنها، لا بل قد يدفعها إلى سلوك معاكس ومشاكس، عبر استخدامها بطرق أكثر تهوراً وأقل انضباطاً، وهذا ما قد ينطبق على «حزب الله». ولذلك يدعو أصحاب هذا التوجّه إلى اعتماد مواجهة أكثر «خبثاً» مع إيران في لبنان. أي عبر الإستمرار في سياسة الضغط لتحقيق نقطة بعد أخرى، ولكن مع محاذرة المبالغة في الضغوط، لكي لا ينقلب ذلك سلباً على السلطة الفتية التي نشأت في لبنان.
لا بل يذهب أصحاب هذا الإتجاه أبعد من ذلك، إلى المزج بين الضغوط والمساعدات المالية والإقتصادية. فحسب هؤلاء فإنّ جزءاً أساسياً من تعزيز نفوذ إيران في لبنان حصل عقب حرب العام 2006 مع تولّي إيران مهمّة المساعدات الإجتماعية والإقتصادية. ما يعني أنّ من الخطأ ترك المساحة الإقتصادية فارغة. فكلما تقدّمت المساعدات الغربية كلما ابتعد اللبنانيون أكثر عن إيران وشعروا أنّهم قادرون على الإعتماد أكثر على العالم الغربي. ويشير هؤلاء إلى أهمية انعقاد مؤتمري دعم الجيش وإعادة الإعمار.
ووسط هذا الجدل القائم، يبدو نتنياهو متمسكاً بتنفيذ ضربته العسكرية، خصوصاً أنّه يعرف أنّ ترامب الذي يضغط عليه في غزة وسوريا وحتى في إيران، سيتفهم دوافعه في لبنان، وهو الذي يخطو في اتجاه انتخابات داخلية حساسة وصعبة. أضف إلى ذلك، رهان ترامب على عملية عسكرية إسرائيلية محددة ومضبوطة ومدروسة، بحيث لا تختزن مفاجآت غير سارة، لا بل إنّها تساهم في إقفال الثغرات والفجوات الأمنية التي تؤذي سلطة دمشق وتهدّدها. فلعودة «داعش» أكثر من تفسير، وأكثر من مستفيد.
وسينعقد قريباً جداً مؤتمر في مقر «سينتكوم» في الدوحة، دعت إليه القيادة المركزية الأميركية، بهدف وضع المخطط التنفيذي المتعلق بقوة الإستقرار الدولية التي ستنتشر في غزة. وفي هذا الوقت، طلبت واشنطن من إسرائيل عدم القيام بأي تشويش عبر التصعيد على جبهات أخرى، ما سيؤدي إلى عرقلة للخطة، في انتظار لقاء ترامب مع نتنياهو.
غداً يصل رئيس الحكومة المصرية إلى بيروت. وبخلاف زيارة وزير الخارجية المصري، والتي حملت مهمّة تحذير لبنان من المخاطر الإسرائيلية، فإنّ الزيارة المصرية المنتظرة مخصصة للعلاقات الثنائية بين البلدين، وليس للوضع الدقيق الذي يمر فيه لبنان. وحدها محطة مارالاغو ستحدّد وجهة الأحداث اللبنانية.
---------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / عدائية نتنياهو وخطورة إيران
2025-12-18





