الرئيسية / أخبار صيدا /المفتي سوسان بذكرى الهجرة النبوية : ليكون العام الهجري الجديد عام خير وعز ونصر لأمة الاسلام وان يجعل النصر حليفها

جريدة صيدونيانيوز.نت / المفتي سوسان بذكرى الهجرة النبوية : ليكون العام الهجري الجديد عام خير وعز ونصر لأمة الاسلام وان يجعل النصر حليفها

المفتي سوسان بذكرى الهجرة النبوية : ليكون العام الهجري الجديد عام خير وعز ونصر لأمة الاسلام وان يجعل النصر حليفها

 

وجه مفتي صيدا واقضيتها الشيخ سليم سوسان كلمة بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية لعام 1439 وهذا نصها :

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير أنبياء الله أجمعين  وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد،

يطل علينا عام هجري جديد،((العام 1439هـ )) فيجدد ذكرى أعظم هجرة في التاريخ الانساني، هجرة كانت تنفيذا لأمر الهي لا بد من طاعته واحتمال المشاق من أجل تنفيذه، هذه الهجرة لم تكن من أجل مكسب دنيوي، ولا رغبة في متاع زائل بل كانت لنصرة دين الله تعالى، واعلاء كلمته

الهجرة كانت ، ميلاداً جديداً للإسلام الذي أحيا الله به عقولاً سممتها الشكوك والشبهات ، وأحل به من الأغلال أفكاراً قيدتها الخرافات، ثم إن الهجرة مثلٌ رائع للثبات والصبر والتحمل وقوة الإيمان،بل قمة التضحية بالدنيا من أجل الآخرة ، وذروة إيثار الحق على الباطل ، فلقد قام الرسول بمكة يدعو الناس إلى الله، فأُوذي وحورب وحوصر حتى أراد الله إظهار دينه فساق إليه نفراً من الأنصار من أهل المدينة فآمنوا، ورجعوا إلى المدينة فدعوا قومهم إلى الإسلام، فلم تبق دارٌ من دور الأنصار إلا ودخلها الإسلام، وهكذا هيأ الله لرسوله دار الهجرة.

 يقول العلماء : إن الهجرة توأم البعثة. أي: أن البعثة المحمدية جاءت ومعها الهجرة، بدليل حديثه صلى الله عليه و سلم مع ورقة بن نَوفَل ابن عمِّ زوجه خديجة - رضِي الله عنها – حيث أخبره النبي صلى الله عليه و سلم- خبر ما رأى في غار حراء ، عندها قال له ورقة: "هذا النامُوسُ الذي نزَّل الله على موسى، يا ليتَنِي فيها جَذَعًا، ليتَنِي أكون حيًّا إذ يُخرِجك قومُك، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أوَمُخرِجِيَّ هم؟!))، قال: نعم، لم يأتِ رجلٌ قطُّ بمثْل ما جئتَ به إلا عُودِي، وإنْ يُدرِكْني يومُك أنصُرْكَ نصرًا مُؤزَّرًا، ثم لم ينشَبْ ورقةُ أنْ تُوفِّي"

إذن : لم تكن الهجرة قَرارًا مرتجلاً اتَّخَذه الرسول - صلوات الله عليه - ولا جُبنًا عن مواجهة ، ولا تخاذلاً عن إحقاق حق ، أو إبطال باطل ،ولم تكن مجرَّد ردِّ فعلٍ غريزي لِمُؤامَرة المشركين لاغتِيال الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم. ولكن هجرة بأمر الله ، وافساح المجال لهذه الدعوة الوليدة كي تُشرق شمسها ، ويسطع نورها على العالم فتبدد الظلمة نورا وضياء، والجهالة معرفة وحلما، والتخلف علما وحضارة.

امتحن صلى الله عليه وسلم هو واصحابه بالشدائد، مستهم البأساء والضراء وأُوذوا في سبيل الله وظلموا،

كان صلى الله عليه وسلم يرى أصحابه يؤذون ويعذبون ويُقتلون من شدة وهول العذاب، فلا يزدادون الا صبرا  ويقينا وطاعة لله تعالى، حتى جاء أمر الله بالهجرة الى يثرب بعد أن بايع النبي صلى الله عليه وسلم سكانُها من الأوس والخزرج على الايمان والنصرة وعلى حماية النبي مما يحمون منه  أنفسهم وأهليهم.

أذن الله تعالى لنبيه وأصحابه بالهجرة، فانطلقت ركائب المهاجرين ملبية نداء ربها مهاجرة بدينها مخلفة وراءها ديارها وأموالها، وكل غال ونفيس،

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة مهاجرا الى ربه بعد أن أعدت قريش العُدة لقتله أو حبسه أو طرده، ولكن مكرهم عاد عليهم لأن الله تعالى أبطل كيدهم ورد مكرهم الى نحورهم قال تعالى:  (  وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ {30}الأنفال) وليس مكر الله إلا تمزيق مكر الماكرين، وحاشا لله أن يمكر، وحاشا لله أن يُمْكَر به أيضاً، فإذا أسند الله عز وجل إلى ذاته العلية المكر فإن معنى ذلك أن الله خيرُ من يُمزق مكر الماكرين.

خرج النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم ومعه الصديق أبو بكر مهاجران الى الله تعالى وخلف في فراشه علياً رضي الله عنه ليؤدي الامانات الى أهلها فلما اقتحم الكفار دار النبي صلى الله عليه وسلم ورأوا علياً كرم الله وجهه قالوا: أين صاحبك قال لا ادري، فاقتصوا اثره، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم، فصعدوا في الجبل ومروا بالغار ولم يروا شيئا فرد الله مكرهم وصرف غدرهم عن نبيه - صلَّى الله عليه وسلَّم- حتى قال ابو بكر : يا رسول الله لو نظر أحدهم الى موضع قدمه لأبصرنا فقال النبيُ: يا أبا بكر: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا } مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا) رواه البخاري) بأن صرف عنهما طلب المشركين وأعمى ابصارهم

بعد أن مكثا في الغار ثلاثا خرج النبي ومعه الصديق يريدان المدينة فوقف صلى الله عليه وسلم- على تلٍ يخاطب مكة المكرمة و الكعبة المشرفة قائلا :( وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ) رواه الترمذي وابن ماجه

فصبر على هجر بلده التي هي  أحب الديار الى الله ورسوله وتحمل في سبيل دعوته المصاعب والمتاعب، لا ينثني أمام التحديات مهما عظمت ولا يلين أمام المغريات مهما كثرت، همُه الأوحد اعلاء  كلمة لا اله الا الله وحده لا شريك له ، ولا معبود سواه، وبناء دولة الاسلام التي تحكم بشريعة الله وتسوسُ العباد والبلاد بدين الله ، وتنشر العدالة والمساواة بين خلق الله ، مهما تعددت أطيافهم وتنوعت أعراقهم.

فأكرمه الله تعالى في المدينة المنورة برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه في بيعة العقبة الاولى والثانية ، فلم يغيروا عهدا ولم ينقضوا وعدا، بل ضرب الأنصار اروع الأمثلة في حبهم لاخوانهم المهاجرين فآزروهم ونصروهم وآووهم في بيوتهم وقاسموهم من اموالهم ،  لقد شهد الله لأصحاب نبيه- من المهاجرين والأنصار بحقيقة الإيمان قال تعالى:

وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال: 74].

وفي هذه الآية يذكر الله نعمته على نبيه  بما أيده به من المؤمنين المهاجرين الذين هجروا قومهم وديارهم

والأنصار الَّذِينَ آوَوْا  رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمهاجرين معه، أي: أسكنوهم منازلهم، ونصروهم على أعدائهم

 (َ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا } لا مرية ولا ريب في إيمانهم. قيل: حققوا إيمانهم بالهجرة والجهاد وبذل المال في الدين و هذه الشهادة لهم بحقيقة الإيمان لأنها شهادة العليم الخبير.

(وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 8-10].

وقد أثنى الله في الآية الأولى على المهاجرين بأنهم أخرجوا من ديارهم وخالفوا قومهم ابتغاء مرضاة الله ورضوانه، وبنصرتهم لله ورسوله، ثم شهد لهم بالصدق في نهايتها.

- ثم أثنى على الأنصار بحبهم لإخوانهم المهاجرين، وسلامة أنفسهم من الحسد لهم، وإيثارهم لهم على أنفسهم، ثم أشار إلى فلاحهم وذلك في الآية الثانية.

- ثم أثنى على الذين جاؤوا من بعدهم يستغفرون لهم ويسألون الله ألا يجعل في قلوبهم غلا للسابقين من المؤمنين.

هؤلاء الصحابة الكرام الذين سبقوا الى الايمان والهجرة والنُصرة رضي الله عنهم بسبب طاعتهم له وانابتهم اليه وخشيتهم منه ورغبتهم فيما لديه فأوجب الله لجميع اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والرضوان وشرط على التابعين أن يتبعوهم باحسان.

أيها الأخوة المؤمنون

الهجرة بمعناها الشرعي ليست مجرد إنتقال من بلد الى آخر فحسب، بل هي هجرة عامة عن كل ما نهى عنه  الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

فالمراد من الهجرة معنى عام ، تمتد جذوره الى أعماق الحياة البشرية ، فتقيمُها على أسس قويمة ، تقوم على أساس الاصلاح والصلاح للحياة الانسانية، والأمن والاستقرار للنفس البشرية ، فالهجرة على أساس انها عبادة ترتبط بعقيدة الانسان وايمانه ، وعلى أساس أنها عملية بناء واصلاح تاخذ بيد الانسانية المعذبة الى شاطئ الأمان والاطمئنان ،

فهجر مانهى الله عنه يعني هجر السيئات والمعاصي والمفاسد القولية منها والفعلية ، والتي هي الأساس في فساد البلاد والعباد ، ولهذا أكد الحديث على (كف اللسان واليد )اذ انهما الأعضاء التي تصدر عنهما المفاسد القولية والفعلية .

فالهجرة بمعناها الشرعي  هجرةٌ من الإيمان الصوري التقليدي، إلى الإيمان الحق الصادق الذي ينبُع من القلوب والوجدان والعقول وينعكس على الجوارح والأفعال والتصرفات.

أن تكون الهجرةُ  هجرةً من الذنوب والسيئات القولية والفعلية المادية والمعنوية..

أن تكون هجرةً من الخيانة والتقصير في المسؤولية إلى الأمانة وتحمل المسؤولية.. هجرةً من الظلم إلى العدل.. هجرةً من التفرقة والتنازع إلى التعاون والاعتصام.

 هجرةً من الشهوات والشبهات.. هجرةً من مجالس المنكرات والسيئات.. هجرةً من الكذب إلى الصدق.. هجرةً من الجهل إلى العلم.. هجرةً من العناية بالجسد إلى العناية بالروح.. هجرةً من الكسل والتواكل إلى الجد والاجتهاد في طاعة الله، وخاصة في هذه الأيام التي كثُرت فيها الفتن والمحن، قال صلى الله عليه وسلم: (العبادةُ في الهرْج  كهجرةٍ إلي).رواه مسلم )* الْمُرَاد بِالْهَرْجِ هُنَا الْفِتْنَة وَاخْتِلَاط أُمُور النَّاس . وَسَبَب كَثْرَة فَضْل الْعِبَادَة فِيهِ ، لأن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم ولا يرجعون الى دين فيكون حالهم شبيها بحال الجاهلية، فاذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه، ويعبد ربه ويتبع مراضيه ، ويجتنب مساخطه، كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنا به متبعا لأوامره مجتنبا لنواهيه.

فلنشمر عن ساعد الجد في هذا العام الجديد ولنعلم ان العبد لن يبلغ درجة التقوى حتى يحاسب نفسه على ما قدمت يداه(الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ) رواه الترمذي و ابن ماجه العاقل الفطن من يحرص أن يعمل لما بعد الموت ويحاسب نفسه على أعمالها ويكون عنده قوة في أمر الله وفي دين الله حتى يتمكن من ضبط نفسه ،

والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وصار لا يهتم إلا بأمور الدنيا ، فيتبع نفسه هواها في التفريط في الأوامر وفعل النواهي ، ألهته حياتُهُ ، وشغلته أهؤاؤه وأضاع عُمُرَهُ في المحرمات ، ثم يتمنى على الله الأماني فيقول: الله غفور رحيم وسوف أتوب إلى الله ، ونسي أن الله شديد العقاب

 رضي الله عن الخليقة الراشد عمر بن الخطاب حيث يقول: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ وَإِنَّمَا يَخِفُّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا)

قال تعالى(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ {18}الحاقة

تعرضون على من يعلم خائنه الأعين وما تُخفي الصدور فإنه تعالى عليم بكل شىء ، لا يعزب عنه شىء فى الأرض ولا فى السماء و لا يخفى عليه شيء في الدنيا ولا في الاخرة.

قال أحد الصالحين: من حاسب نفسه قبل ان يحاسب خف في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه.

وقال الحسن البصري : إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظٌ من نفسه وكانت المحاسبة من همته

اسأل الله ان يجعل هذا العام الهجري الجديد عام خير  وعز ونصر لأمة الاسلام  وان يجعل النصر حليفها وان يبدلها من عسرها يسرا ومن ضيقها فرجا ونصرا

انه سميع مجيب.

2017-09-20

دلالات: