الرئيسية / أخبار لبنان /رئيس الجمهورية مفتتحا السنة القضائية: 8 حزيران يوم لشهداء القضاء وقد نذهب بالتغيير الى جعل القضاء سلطة منتخبة

جريدة صيدونيانيوز.نت / رئيس الجمهورية مفتتحا السنة القضائية: 8 حزيران يوم لشهداء القضاء وقد نذهب بالتغيير الى جعل القضاء سلطة منتخبة

رئيس الجمهورية مفتتحا السنة القضائية: 8 حزيران يوم لشهداء القضاء وقد نذهب بالتغيير الى جعل القضاء سلطة منتخبة

جريدة صيدونيانيوز.نت       

أخبار لبنان / صيدونيانيوز.نت / رئيس الجمهورية مفتتحا السنة القضائية: 8 حزيران يوم لشهداء القضاء وقد نذهب بالتغيير الى جعل القضاء سلطة منتخبة

دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون القضاة الى الابتعاد عن أي تصرف قد يسهل ضرب سمعتهم، "لان سمعة القضاء هي من سمعة القضاة"، معتبرا انه "أصبح لزاما علينا أن نعيد النظر في النظام الذي يرعى مؤسساتنا القضائية، من خلال مقاربة جديدة تأخذ في الاعتبار الشوائب والنواقص والثغرات في قلب النظام القضائي".

وقال عون: "قد نذهب بالتغيير الى جعل القضاء سلطة منتخبة فتصبح حكما سلطة مستقلة مع استقلال إداري، وهكذا نفصل فعليا بين السلطات مع وضع التشريعات اللازمة لخلق التوازن في ما بينها".

وإذ لفت رئيس الجمهورية الى ان "هذا التغيير قد يتطلب وقتا ودونه صعوبات"، فإنه شدد على "الحاجة الى تعديل الكثير من القوانين الإجرائية غير المفيدة، وما اكثرها، وخصوصا تلك التي تطيل المهل بدون حاجة فلا يتأخر البت في الدعاوى، لاسيما ان المواطن لا يستطيع أن يفهم كيف لبعض القضايا أن تأخذ سنوات حتى تصدر أحكام القضاء فيها، فالعدالة المتأخرة ليست بعدالة، وقد آن الآوان للخروج من هذه المعادلة".

وشدد على مسؤولية القضاة في نهوض الاقتصاد الوطني، معتبرا ان "الامن وحده لا يكفي لاستقطاب الاستثمارات ما لم يكن متلازما مع قضاء سليم"، معلنا الثامن من حزيران يوم استشهاد القضاة الاربعة يوما لشهداء القضاء في لبنان.

مواقف عون جاءت خلال رعايته احتفال افتتاح السنة القضائية 2017-2018 الذي اقيم بعد ظهر اليوم للمرة الاولى منذ سبع سنوات في قاعة "الخطى الضائعة" في قصر العدل تحت شعار "باسم الشعب تبنى الدولة"، وحضره رئيسا مجلس النواب نبيه بري ومجلس الوزراء سعد الحريري، الرئيسان السابقان امين الجميل والعماد ميشال سليمان، الرئيس حسين الحسيني، والوزراء سليم جريصاتي، يعقوب الصراف، سيزار ابي خليل، اواديس كيدانيان، طارق الخطيب، ورائد خوري، وعدد من النواب ووزراء ونواب سابقون، وسفراء عرب واجانب.

كذلك حضر رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي جان فهد واعضاء المجلس، رئيس المجلس الدستوري الدكتور عصام سليمان، رئيس مجلس شورى الدولة القاضي هنري يوسف الخوري ونقيبا المحامين في بيروت انطونيو الهاشم وطرابلس والشمال فهد المقدم واركان السلطة القضائية.

وحضر أيضا قائد الجيش العماد جوزف عون وعدد من قادة الاجهزة الامنية والقضاة وعدد من المحامين والمدعوين.

الوصول

وكان عون وصل عند الساعة الثالثة والنصف الى ساحة قصر العدل حيث عرض ثلة من حرس الشرف وعزفت الموسيقى النشيد الوطني ولحن التعظيم. ثم استقبله جريصاتي وفهد واعضاء مجلس القضاء الاعلى والهاشم والمقدم قبل ان ينتقل مع مستقبليه الى قاعة "الخطى الضائعة" ويزيح الستارة عن النصب التذكاري للشهداء القضاة الذي كتب عليه: "وفاء لشهداء العدالة وعهدا على متابعة الرسالة"، مع اسماء القضاة الشهداء: عاصم ابو ضاهر، حسن عثمان، وليد هرموش، الامير عماد شهاب، وقبلان كسبار.

كلمة نقابتي المحامين

بدأ الاحتفال بالنشيد الوطني ثم كلمة لعريفة الحفل الرئيس الاول لمحكمة استئناف الجنوب القاضية رلى جدايل التي رحبت بالحضور مثنية على دور القضاة وسعيهم الدؤوب لتحقيق العدالة. وبعد عرض فيلم وثائقي عن اوضاع القضاء العدلي، القى النقيب الهاشم كلمة نقابتي المحامين في بيروت والشمال، وقال: "يطيب لي باسم نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس، أن أشارك في افتتاح السنة القضائية بحضور القاضي الأول فخامة الرئيس العماد ميشال عون، بعد إنقطاع إمتد لسنوات بفعل ظروف حالت دون إحيائه، على أمل إستعادة هذا التقليد السنوي لما يحمله من دفع في إطلاق عجلة القضاء. إن قاعة الخطى الضائعة حيث نحن، ستدوي بعد عام ونيف، مزهوة في الإحتفال المرتقب بالمئوية الأولى لتأسيس نقابة المحامين في بيروت التي أبصرت النور بين عالمين، عالم ينتهي، وقد أرهقته الحرب، وعالم يطل فجره الجديد، فإذا بنقابة المحامين تطلق أفواجا لتسهم في بناء هذا الوطن على أساس من العلم والتوجيه الصحيح. وحسبنا نظرة إلى الأعلام الكبار الذين تعاقبوا على سدتها، وانطلقوا من صفوفها رؤساء، لندرك أي مدرسة للعلم والوطنية كانت ولا تزال.

إن وطنا بنى تاريخه على الصمود وأطلق للعالم سادة العدل وأساتذة الإعتدال، لا بد من ان لا تنال منه الأخطار مهما تفاقمت".

وأضاف: "بين القضاء والمحاماة نقاط تلاق أهمها الاستقلال. فهو لدى القضاء الركيزة والقاعدة التي استهل بها قانون أصول المحاكمات المدنية مادته الأولى بالقول: "القضاء سلطة مستقلة تجاه السلطات الأخرى في تحقيق الدعاوى والحكم فيها، لا يحد من استقلالها أي قيد لا ينص عليه الدستور". فالقاضي يخلو إلى نفسه وينفرد بهذا الذي أودعه الرب أبناءه، عنيت به الضمير. أما المحامي، فرسالته لا تكتمل إلا إذا أقامها على إستقلال كلي في الرأي والتفكير. وبين هذا وذاك، إستقلال من هنا، واستقلال آخر من هناك، فإذا بنا أنتم ونحن، شركاء في خلق نتاج لا أجمل ولا أبهى، عنيت به الحق والعدالة. فلولا المحامي لاسترسل الظلام في ظلمهم ولقلت المحبة بين الناس. أما القاضي فلولاه لا محاماة، وأكثر من ذلك، لا عدل لولا القضاء، وبالتالي لا دولة! لا حكم في الناس بل تحكم، فلا ميزان في المجتمع ولا كفتان، إذ لا المحامي ترجح له كفة بدون القاضي ولا القاضي دون المحامي. قد يتهاون الفرد في رفاهه وسائر خدمات الدولة له. غير انه لا يتنازل قيد شعرة عن حق! من هنا فإن سنده ورجاءه ليس النائب أو الوزير، بل قاضيه! فإليه يلجأ لإقتضاء حق من نائب أو وزير أو دولة!"

وتابع: "وقفنا ونقف دائما إلى جانب الجسم القضائي، مع مجلس القضاء، الأعلى في كل الجهود التي يبذلها لإرساء إستقلال السلطة القضائية على قواعد ثابتة عمادها الدستور. فحال البلاد لا يستقيم إلا باستقامة القضاء. وكلنا معنيون بحسن سير القضاء. كما ان انتظام عمله هو أساس رسالة المحامي ومصدر رزقه. فضلا عن ان نقابتي بيروت وطرابلس لم تترددا في دعم استقلال السلطة القضائية والتحذير من مغبة ما يتهددها.

فالنقابتان مارستا دورا رائدا في الدفاع عن دولة القانون التي تعتبر إستقلال القضاء هو القاعدة. إن موضوع استقلال القضاء شأن يتجاوز حدود القضاة أنفسهم، إذ أنه وثيق الصلة بقضية العدل والحرية، فإننا حين ندافع عن استقلال القضاء ونتشبث به فإنما ندافع عن أنفسنا. إن إستقلال القضاء ليس ترفا وليس خيارا .... بل هو حتمية حياة وضرورة وجود. إن إفتتاح السنة القضائية بحضور أركان الدولة يؤشر إلى عمل دائم يستمر تشرع خلاله كل المحاكم أبوابها لتفصل أحكاما باسم الشعب اللبناني. وما التشكيلات القضائية الأخيرة إلا خطوة، على ان تتبعها إجراءات إصلاحية متممة، دون أن ننسى ان لنقابتي المحامين الدور الفعال في متابعتها وإبداء الملاحظات البناءة بشأنها، وإطلاق ورشة عمل في الإتجاه الصحيح.

من هنا نؤكد تشبثنا الثابت والأكيد بمبدأ إستقلال القضاء كسلطة مكرسة في الدستور. فإستعادة المواطنين الثقة بالقضاء من شأنها ان تجعل التعرض له أمرا مدانا من الرأي العام. لذا نريد عدلا نفاخر به أمام العالم. ففي حضرة فخامة رئيس البلاد، القاضي الأول، ورمز الوحدة الوطنية، يبقى الأمل معقودا على إحلال دولة القانون، إذ لا تهاون لا مع الفساد ولا مع المفسدين. فحق على إبنائنا بوطن تسوده العدالة، ليبقوا في الوطن، وليبقى لبنان".

فهد

ثم ألقى فهد كلمة قال فيها: "المهابة التي تكلل هذا الحدث الجلل، والأمل الذي يواكبها، عائدان إلى أنكم تتصدرون حفل افتتاح السنة القضائية الراهنة، حاملين معكم رؤياكم في الحكم الرشيد، وخطتكم في العدالة المنشودة. وكم يطيب لي، في هذا المقام /الرمز وفي هذه الهنيهة الملأى بالدلالات، أن أرحب بكم يا صاحب الفخامة باسم مجلس القضاء الأعلى، وباسم قضاة لبنان، وإلى جانبكم دولة رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري، ودولة رئيس مجلس الوزراء الاستاذ سعد الدين الحريري... تسهرون جميعا على نهوض بلدنا الحبيب من الكبوات، وتكلأون الدولة ومؤسساتها بعين الرعاية. كما يطيب لي الترحيب بالمشاركين الأجلاء، أصحاب الفخامة والدولة، سفراء الدول، وأعضاء السلطات الرسمية، ونقيبي المحامين، والقيادات الأمنية وسائر المسؤولين والمعنيين بدولة الحق وبحكم القانون. هو يوم كان منتظرا فتحقق بإشارة وبركة من فخامتكم. فقد انطوت حقبة زمنية وقصر العدل يتشوق إلى إحيائه تقليدا قضائيا عريقا، وإطلالة حضارية، وعلامة تعاون وتكامل، ومناسبة لتأدية الحساب وللتطلع إلى الأفضل، ولبسط يد من لدن السلطات جميعا، ومن المجتمع، تعضد القضاء وتتيح له تصديا شفافا لأي مأزق يواجهه، ولاستعادة بعض مفقود من ثقة الناس بمسار العدالة. ومن حسن المصادفات أن يطل العام القضائي الجاري، ويحتفل بقدومه، والقضاء في خضم التهيؤ لانطلاقة جديدة حتمها صدور مناقلات وتشكيلات قضائية بعد تعثر مديد، وقد جاءت بالغة الشمول وبالغة الجدوى، وملأت فراغات، واستحدثت محاكم ومواقع، ووازنت بين حقوق المناطق، وضخت في شرايين العدالة طاقات شابة تعقد عليها الآمال، هذا فضلا عما تزخر به قصور العدل من قيم لصيقة بالمجربين والمتقدمين من قضاتنا. وإذا كان هذا الإنجاز، في المبدإ، أمرا طبيعيا بالمعيار القضائي، فهو لم يكن ليحصل، في هذه الغضون، لولا حرصكم على فك الأغلال عن مؤسسات الدولة جميعا. فعهد علينا، وقد تحقق ما نبتغيه، أن يتحقق ما تبتغيه انتظارات الناس، فيتضاعف الإنتاج، وتتبلسم الجراح".

أضاف: "في ميدان التصدي للمآزق، وضعنا، في العام القضائي 2013 - 2014، خطة خمسية للنهوض بالعمل القضائي قوامها أضلع ثلاث هي: تحديث وسائل العمل القضائي، والارتقاء بمستواه، والتعامل مع التحديات بجدية ومسؤولية. إن التقرير السنوي الذي رفعناه إلى فخامتكم منذ أيام، خاض في هذه الهواجس، وفتح فسحات من الأمل ستزداد اتساعا بتفهمكم، وبتجاوب سلطات الدولة جميعا. ان ما تضمنته الخطة الخمسية لم يكن غير انعكاس لرسالة القضاء الرامية، في مستوى أول، إلى حل النزاعات بالطرق القانونية للإسهام في توطيد الأمان الاجتماعي. وفي مستوى ثان، إلى حماية الحريات، وهي غاية لا تتحقق إلا عبر سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، اللتين نجل دورهما ولكننا نسعى دائما إلى البقاء بمنأى عن امتداد هذا الدور إلى ما هو خاص بالقضاء. وما تضمنته الخطة ذاتها كان انعكاسا لرؤيتنا المتعلقة بعدالة متوخاة، سهلة المنال، سريعة التحقق، منصفة الحلول، شفافة التوجه، غير منغلقة ولا منحازة، ناظرة النظرة ذاتها إلى الأعلى والأدنى، إلى الأقرب والأبعد، إلى ذي الحظوة وإلى من لا سند له غير حصن القانون وحصانة القاضي. لسنا، في هذه اللحظات، ولن نكون، في موقع المعتد بما صنعت يداه، المفاخر بإنجاز مهمات هي واجب ملقى على عاتقه. ولكننا، إنصافا وتوجها موضوعيا إلى الملإ، نذكر بأن الهيئات المسؤولة عن إدارة الشأن القضائي، وحسن سير العمل فيه، تبذل أقصى الجهد لإتمام ما أوكل إليها. أما المحاكم، فإن ما لدينا من إحصاء تناول أرقام السنة الأخيرة، بين أن الوارد من قضايا مدنية وجزائية عام 2016 - 2017 بلغ 152234 مئة واثنين وخمسين ألفا ومئتين وأربعا وثلاثين قضية، بينما بلغ المفصول 150157 مئة وخمسين ألفا ومئة وسبعا وخمسين قضية، هذا عدا عما نظرته النيابات العامة، وهو كثير. أمام ذلك، وإذا صح الحديث أحيانا عن عدالة متأخرة، فمن المجحف الحديث، هنا وهناك، عن عدالة غائبة".

وأكد أن "منتهى ما نصبو إليه هو سلطة قضائية مستقلة تبلور ما رسمته المواثيق الدولية وما نص عليه الدستور، تحاكي الحالة السائدة في الدول الديمقراطية، تضع حدا لبلبلة الاختصاصات وتضارب الصلاحيات، تؤازر الدولة وتستجيب لانتظارات الناس. ونحن واثقون بأنكم في صدارة العاملين على تحقيقها. وواثقون كذلك، بأنكم، تدعيما لهذه السلطة، لن تدعوا حقا من حقوق القضاة أو مكتسبا من مكتسباتهم أو ضمانة من ضماناتهم تفلت أو تضيع في وابل الطلبات وفي غمرات التشكيك، سواء أكانت متعلقة بالحفاظ على صندوق تعاضد القضاة وتدعيمه، أم بتصحيح رواتب القضاة، أم بتأهيل دور العدل وتجديدها استيعابا للقضاة وحفاظا على المهابة والكرامات. إن وجوه استقلال القضاء عديدة، أبرزها ألا تنصتوا، يا قضاة لبنان، إلا إلى صوت الحق وصوت الضمير. الحق سلطان، والضمير سلطان، دونهما كل عسف، وكل تجبر، وكل طغيان. وفي الطريق إلى مقاربة تلك الأماني، مددنا يد التعاون إلى أصحاب المعالي وزراء العدل السابقين، وإلى معالي وزير العدل الحالي البروفسور سليم جريصاتي الذي يعضد الجسم القضائي في مطالبه، ويطلق المبادرات الرائدة في ميدان حقوق الإنسان، وفي تلبية حاجات القضاء، وترسيخ استقلاله. وفي الطريق إياه، كان تضامن مجلس القضاء الأعلى، والإجماع في قراراته خصوصا تلك المتعلقة بالتشكيلات القضائية، علامة معافاة، وبرهانا على سلامة العمل في إطار المؤسسات. كما عززنا التواصل مع نقابتي المحامين، ومع الإعلام، بغية تثمير النقد الموضوعي وبلورة هموم العدالة".

وختم: "كم هي مؤثرة ومعبرة اللحظات التي نحياها الآن حيث، في الوقت الذي نشهد فيه رفع الستارة عن النصب التذكاري لقضاتنا الشهداء، نشهد في موازاته صدور القرار الاتهامي في الملف المتعلق باستشهادهم. يومنا هذا رافل بالأمل، واعد بجنى كثير، مشرف بحضوركم وحضور دولة رئيس مجلس النواب ودولة رئيس مجلس الوزراء وسائر أركان الدولة إلى جانبكم، وغني بما تحلمون به لعزة القضاء، وتألق الوطن".

جريصاتي

ثم القى جريصاتي كلمة، وقال: "فخامة الرئيس، أيها القاضي الأول بقسمك، هؤلاء هم قضاة لبنان، هؤلاء هم قضاتك، فإفخر بهم، وقد ناديت في خطاب القسم بإرساء ركائز سلطتهم المتحررة من التبعية السياسية وبتحريك الدعاوى العالقة في عنق الزمن المضني كي لا تبقى حقوق المتظلمين محجوبة عنهم، فكانوا على العهد، واستمدوا منك العزيمة والشكيمة لتفعيل هذه السلطة التي نص عليها الدستور وعلى وجوب إيلائها ضمانات استقلاليتها، على مرتبة سوية مع ضمانات المتقاضين، وبادروا إلى تجديد الدم في شرايين هذه السلطة كي لا يصيبها التكلس والشحوب، في مناقلات عامة إعتمدت مبدأ المداورة الذي طالب به وزير العدل والذي لم يعمل به منذ زمن بعيد، في حين أن هذا المبدأ إنما هو، إلى جانب المناصفة والإختصاص والجدارة والإستحقاق، من المعايير الأساسية التي يجب أن يراعيها كل إقتراح بمناقلة أو تعيين في المواقع العامة، فلا تنشأ، على ضفاف السلطة، محميات طيعة وعصية على الإصلاح والتجديد. إن أهمية هذه المناقلات تكمن أيضا على مستويات أخرى، لعل أبرزها أن القضاة الشباب تبوؤا مواقع حساسة في هذه السلطة، في حين بقي القضاة المخضرمون، كما منارات الإرشاد، في مواقع الرقابة والقرار الرشيد وتوحيد الإجتهاد. إن سلطة لا تتجدد من ذاتها وتنقي ذاتها بذاتها مآلها النضوب والإنحسار، وحسنا فعل رئيس مجلس القضاء الأعلى وأعضاؤه بأن وضعوا للمرة الأولى في تاريخ القضاء، تقريرا مفصلا عن أوضاع المحاكم العدلية وأعمالها من سنة 2012 إلى شهر آب 2015 ضمنا".

وخاطب رئيس مجلس النواب: "إشتاقت إليك قاعة الخطى الضائعة التي اعتادت عليك يوم كنت محاميا تمارس رسالة المحاماة في الأقلام وقاعات المحاكم، كما استعاد هذا القصر ذكرى إسراعك إليه يوم كنت وزيرا للعدل، في ليلة ليلاء من ليالي الحرب التي قلب صفحاتها ميثاقنا ووفاقنا، كي تطفئ نارا إشتعلت في مكاتب محكمة التمييز. قضاة لبنان ينتظرون منك اليوم ان تطفىء نارا اخرى تكاد تقضي على استقلاليتهم وإنصافهم في مجلس النواب لإعادة ضماناتهم لهم".

ثم توجه الى الحريري: "الشكر لك لأنك وقفت في كل مقاربة إجرائية لملف القضاء، وقفة رجل دولة مسؤول وتجاوزت الاعتبارات السياسية الضيقة من منطلق أنك رئيس حكومة "إستعادة الثقة" بمشروع إنهاض الدولة، وهو مشروع هذا العهد الذي لا يستقيم من دون القضاء المستقل. إن البيان الوزاري للحكومة ينص صراحة على استقلالية السلطة القضائية وعلى تفعيلها، ما يحمل كل المعاني والدلالات لسياسة الحكومة العامة عند مقاربة السلطة القضائية".

وأضاف: "أما بعد، فهنيئا للقضاء إفتتاح سنته القضائية اليوم برعاية فخامة رئيس الجمهورية وحضوره مع أركان الدولة، وهنيئا لمجلس القضاء الأعلى هذا الحفل الذي يستعيد تقليدا يليق بقضاة لبنان، بعد كسوف جزئي من جراء عوامل سياسية أرهقت كاهل القضاء، كأنه يراد له أن يكون قضاء سلطة في حين أنه سلطة بكل المعايير والمفاهيم في الأنظمة الديموقراطية البرلمانية، على ما هو نظامنا السياسي".

وختم: "يا قضاة لبنان، يا جنود العدالة، إن الإستقلالية تستحق ولا تمنح، كما الهيبة والثقة، فبادروا الى أداء رسالتكم السامية بكل ترفع وتجرد وإباء وحس عال بالمسؤولية الملقاة عليكم، وابتعدوا عن المغريات على أنواعها، وأشبعوا نهم المتظلمين الى الحق، فيعم العدل والوئام على أيديكم ويكون أجركم عظيما، كما أسلافكم الذين أعطوا هذه الرسالة جل عمرهم، من دون منة، ومنهم من استشهد على القوس، فاستحقوا التكريم والإجلال".

عون

وبعد انشودة "هيك العدل بدو" التي القى كاتبها الشاعر نزار فرنسيس بعض كلماتها، القى عون كلمة جاء فيها:

"قبل أن أبدأ كلمتي، أعلن يوم 8 حزيران، يوم استشهاد القضاة الأربعة، يوما لشهداء القضاء في لبنان.

خلال الحرب العالمية الثانية، وعندما كانت لندن تقصف بالقنابل والصواريخ النازية، يروى أن تشرشل سأل معاونيه عن وضع القضاء، فأجيب بأنه ما زال يعمل على أكمل وجه، عندئذ اطمأن تشرشل وقال إن بريطانيا بألف خير.

ما كان يعنيه رئيس الوزراء البريطاني أن القضاء هو الحجر المفتاح في عقد المؤسسات، إن هو سقط، سقطت معه جميع المؤسسات، وانهارت الدولة بكاملها.

والقضاء الذي أتكلم عنه هو جميع المؤسسات التي تفصل في القضايا الخلافية وتصدر الاحكام، وتحدد أيضا صحة أو عدم صحة التشريع في حال الطعن به.

لقد تناولت الشائعات القضاء في مختلف مواقعه، متهمة إياه بالفساد وعدم الفعالية، وبالتبعية للسلطات السياسية التي ألغت استقلاليته وفرضت على قسم من القضاة ضغوطا جعلتهم ينحرفون عن السلوك القويم، ويبتعدون عن الأداء الصحيح، وينسون أن عليهم إحقاق الحق في المقاضاة بين الناس.

وعندما تتكاثر الشائعات وتتكرر، تصبح يقينا في ذهن الناس، وتشمل الصالح والطالح معا، وتقتل الحس النقدي عند الشعب، فيحكم على الجميع بالفساد. وهذا أسوأ ما يصاب به مجتمع، لأنه يؤدي الى فقدان الثقة بين المؤسسات والشعب".

وأضاف: "يجب ألا ننسى أن الإنسان سمعة، وإن أسوأ الحروب التي قد تخاض على امرئ هي تلك التي تسعى لتدمير سمعته. من هنا، ضرورة أن يتنبه القاضي الى أنه ينتمي لمجتمع له سلوكه الخاص، وأيضا له عاداته وتقاليده، وأن يبتعد عن أي تصرف قد يسهل ضرب سمعته؛ فسمعة القضاء هي من سمعة القضاة.

وأمام هذه الأوضاع التي تسود اليوم أجواء الرأي العام أصبح لزاما علينا أن نعيد النظر في النظام الذي يرعى مؤسساتنا القضائية، من خلال مقاربة جديدة تأخذ بعين الاعتبار الشوائب والنواقص والثغرات في قلب النظام القضائي، فنحصن بذلك استقلاليته ونزاهته، ونعدل في القوانين الإجرائية لنزيد فعاليته.

وقد نذهب بالتغيير الى جعل القضاء سلطة منتخبة فتصبح حكما سلطة مستقلة مع استقلال إداري، وهكذا نفصل فعليا بين السلطات مع وضع التشريعات اللازمة لخلق التوازن في ما بينها.

أعرف مسبقا أن هناك بعض المعترضين على هذا النحو من التفكير، وهذه الحالة طبيعية جدا لأن أي تغيير، وفي أي قطاع كان، يخلق جوا من القلق، فهو يحرك الركود القائم ويتطلب تأقلما جديدا في ظروف وشروط جديدة.

ولكن هذا التغيير يتطلب وقتا، ودونه صعوبات. وبانتظار إتمامه، يجب أن نعي أن أي تشريع أو تنظيم لا قيمة لهما، ولا يضمنا أي عدالة، إن لم يتمتع القيم على تطبيقهما بصفات مميزة تحصنه أخلاقيا، وبكفاءة واستقلالية، وبضمير نير يذكره دائما بأن واجبه هو إحقاق الحق، ويمنحه المناعة ضد السقوط بالخوف أو بالإغراء".

وتابع: "إن كان القضاء السليم يقوم على الاستقلالية والنزاهة والكفاءة، فتبقى الحاجة الى تعديل الكثير من القوانين الإجرائية غير المفيدة، وما اكثرها. وخصوصا تلك التي تطيل المهل بدون حاجة، فتتكدس الملفات على الطاولات وفي الخزائن. وبمثل هذه التعديلات نقتصد الوقت ونضمن فعالية أفضل، فلا يتأخر البت في الدعاوى، فالمواطن لا يستطيع أن يفهم كيف لبعض القضايا أن تأخذ سنوات حتى تصدر أحكام القضاء فيها، كمثل جريمة قتل موثقة بالصوت والصورة، شهدها العشرات بأم العين، ومئات الآلاف عبر الفيديو المصور، ومع ذلك، لم تزل في أدراج المحكمة منذ أكثر من سنتين، ولا أحد يعرف متى تنتهي. أو محاكم المطبوعات مثلا حيث الجرم يكون في سطر من مقال موقع، وتنام فيها الأحكام لسنوات. وغيرها الكثير من القضايا والدعاوى النائمة.

فلنتذكر جميعا أن العدالة المتأخرة ليست بعدالة، وقد آن الآوان للخروج من هذه المعادلة".

وتابع: "تجاه ما يصدر عبر بعض وسائل الاعلام من اتهامات لمسؤولين في السلطة أو خارجها، أو اختلاق أحداث غير صحيحة قد تسبب قلقا في المجتمع، كما حصل في الآونة الآخيرة من بث لشائعات طالت ركائزه الأساسية، كالوضع المالي واستقرار الليرة، والوضع الأمني، والمؤسسة العسكرية بالإضافة الى إطلاق الاتهامات العشوائية بالصفقات والفساد... يتساءل المواطنون لماذا لا يقوم القضاء بالاستماع الى المتهم أولا كشاهد، وفي هذه الحالة لا حصانة لأحد، فإن كان صادقا نوقف مجرما، وإن كان كاذبا نوقف مروج شائعات تمس بسمعة الآخر وتضلل المجتمع وتضرب الثقة بين الناس؛

وهنا اسألكم هل نستطيع بناء مجتمع متضامن أناسه لا يثقون ببعضهم البعض؟ لذلك فإن مسؤوليتكم كبيرة.

وفي السياق نفسه، إن مسؤوليتكم في نهوض الاقتصاد الوطني لا تقل أهمية، لأن الأمن وحده لا يكفي لاستقطاب الاستثمارات ما لم يكن متلازما مع قضاء سليم، إذ لا يقوم اقتصاد مزدهر في بلد يتخلف فيه القضاء عن القيام بواجبه، ولا يحفظ حقوق المستثمرين، أو يسمح لعامل الوقت أن يضيعها.

لقد جرت العادة أن من يريد الاستثمار في لبنان يبحث دائما عن غطاء سياسي قبل الشروع بمشروعه، بينما الوضع السليم يفرض أن يكون القضاء هو الغطاء، وهو صمام الأمان".

وختم عون: "لنتذكر أيضا أن من أهم ما يرفع القضاء ويجعله في قمة الإرتقاء هو محاسبته لذاته على أدائه، مما يزيل عنه كل الشكوك ويرسم حوله هالة من الوقار والاحترام. ومن أجل هذه الغاية يجب أن تتوفر للقضاء أجهزة مراقبة ترصد الاخطاء في الأحكام الناتجة من عدم الكفاءة أو عن عدم النزاهة أو لأي سبب آخر.

إن القاضي في جوهره هو ضمير واستقامة ومثابرة قبل أن يكون معرفة قانونية، وإذا ضاع هذا الجوهر سقط القضاء وانتصر القدر. عندها يصح فينا القول بأننا نعيش قضاء وقدرا".

بعد ذلك، قدم القاضي فهد هدية للرئيس عون هي عبارة عن تمثال لسيدة العدالة اللبنانية المصنوعة من خشب الارز من تصميم وتنفيذ النحات رودي رحمة، متوجها اليه بالقول: "للعدالة رمزها وللجمهورية كنزها".

ثم التقطت الصور التذكارية، واقيم كوكتيل قطع خلاله عون مع بري والحريري وفهد قالب حلوى عليه رمز مجلس القضاء الاعلى.

2017-10-27

دلالات: