الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون - "أ ف ب"
جريدة صيدونيانيوز.نت / أيّ تعقيدات أمام السعي الفرنسيّ إلى دور أكبر في سوريا؟
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار العالم / أيّ تعقيدات أمام السعي الفرنسيّ إلى دور أكبر في سوريا؟
جورج عيسى المصدر: "النهار"
قد تشكّل #سوريا بوّابة مهمّة لفرنسا من أجل محاولة العودة إلى دورها التقليديّ في الشرق الأوسط. بعد فقدان داعش الغالبيّة الساحقة من الأراضي التي كان يسيطر عليها، يُرجّح أن تكون باريس في مقدّمة العواصم التي تسعى إلى ضمان جزء من النفوذ على الساحة السوريّة. لكنّ الأخيرة ليست فقط مجرّد خريطة لتقاسم النفوذ في المستقبل، بل قد تكون محكّاً لاختبار إمكانيّة نشوء علاقات دوليّة جديدة في مرحلة من التوتّر الأوروبّي الأميركيّ.
لم يقدّم الرئيس الفرنسيّ إيمانويل #ماكرون رؤية سوريّة متكاملة خلال السنة الأولى من عهده فكان خطابه حول مصير الرئيس السوريّ بشار #الأسد غامضاً وقريباً أحياناً من التناقض. بالمقابل، كانت الأفكار حول المستقبل السياسيّ للبلاد وشكل الحكم غائبة عن التداول. ما كان واضحاً بالنسبة إليه منع النظام من استخدام السلاح الكيميائيّ. وتجلّى تصميمه في المشاركة الأخيرة ضمن التحالف الثلاثي الذي وجّه ضربة ضدّ البرنامج الكيميائيّ السوريّ.
"طريق للعودة"
لم يكن واضحاً حتى الأمس القريب ما إذا كان حماس ماكرون في توجيه الضربة نابعاً من قناعة داخليّة بحتة أم أنّ ذلك التصميم كان مرتكزاً إلى دور واشنطن القياديّ في هذا المجال. لكن برز منذ يومين قرار فرنسيّ بتجميد أصول ثلاثة أشخاص وتسع شركات لتورّطهم المفترض في البرنامج السوريّ للأسلحة الكيميائيّة بحسب وزيري الخارجيّة والاقتصاد جان إيف لودريان وبرونو لومير. وذكرت "وكالة الصحافة الفرنسيّة" أنّ القرار شمل تجميد أصول شركات من بينها "مجموعة المحروس" (دمشق) و "سيغماتيك" (دمشق) و "تكنولاب" (لبنان). والشركات الثلاث واجهت عقوبات من وزارة الخزانة الأميركيّة لارتباطها المفترض ببرنامج سوريّ للتسلّح.
لماذا يعود حديث "بيع الأكراد" إلى الواجهة مجدّداً؟
لا شكّ في أنّ البرنامج الكيميائيّ السوريّ يشكّل فرصة مهمّة للفرنسيّين من أجل العودة إلى الساحة الدوليّة من خلال تنفيذ الخطوط الحمراء المتعلّقة بمنع استخدام الأسلحة المحرّمة دوليّاً. وهذا ما أوضحته الباحثة في "مركز روبرت شومان للدراسات المتقدّمة" التابع "للمعهد الجامعيّ الأوروبّي" أنييس فافييه. ففي مقابلة أجراها معها "مركز كارنيغي للشرق الأوسط" أوضحت أنّه كان من الصعب على باريس عدم المشاركة في الضربة الغربيّة الأخيرة على سوريا. فالاتّحاد الأوروبي وفرنسا وبريطانيا خسرت الكثير من النفوذ في الشرق الأوسط، لذلك، أمكن أن تكون مشاركة باريس في تلك الضربة "طريقاً للعودة" إلى الساحة السوريّة ومحاولة التأثير على بعض من المسار السياسيّ هناك، كما أضافت.
"من أنتم؟"
إنّ تطورات متعدّدة تشير إلى نوايا فرنسيّة في توسيع دور باريس داخل سوريا عبر بوّابات أخرى. ففي أواخر آذار الماضي، استقبل ماكرون وفداً من قوّات سوريا الديموقراطيّة (#قسد) مؤكّداً "دعم فرنسا" لها "خصوصاً من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة الأمنيّة في شمال شرق سوريا ... بهدف منع ظهور داعش مجدّداً، في انتظار حلّ سياسيّ للنزاع السوريّ".
إنّ الدعم الفرنسيّ للقوّات ذات الغالبيّة الكرديّة يشكّل استمراراً طبيعيّاً لعمليّاتها العسكريّة التي تخوضها ضمن التحالف الدوليّ ضدّ داعش. لكن في الوقت عينه، يصعب على فرنسا تقديم دعم علنيّ لتلك القوّات من داخل الإليزيه بدون أن تأخذ بالاعتبار التوتّر الذي يمكن أن تسلكه علاقاتها مع تركيا. وهذا ما حاول ماكرون أن يخفّف من وطأته مشيراً في البيان الذي أصدره الإليزيه بعد الزيارة إلى "أمله في عقد حوار بين قوّات سوريا الديموقراطيّة و #تركيا بمساعدة فرنسا والمجتمع الدوليّ". يعبّر هذا البيان عن طموح فرنسيّ كبير شمال سوريا، لكنّ تنفيذه محفوف بالمطبّات التركيّة. بالفعل، ردّ الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان سريعاً على الفرنسيّين قائلاً: "أودّ التأكيد على أنّني حزنت جدّاً للمقاربة الخاطئة تماماً لفرنسا بخصوص هذا الموضوع. من أنتم كي تتحدّثوا عن وساطة بين تركيا ومنظّمة إرهابيّة؟".
العرض الذي لم تتقدّم به واشنطن
المشكلة الأخرى التي تتعلّق بالنفوذ الفرنسيّ شمال شرق سوريا، ترتبط بالولايات المتّحدة نفسها. فالرئيس الأميركي دونالد #ترامب أعلن أنّه يريد سحب قوّاته بأسرع وقت ممكن من هناك، وقد نجح ماكرون وربّما مستشاروه المقرّبون منه في أن جعله يعدل عن فكرته على مضض. لكن ما لاحظه البعض هو عدم وجود مطالب أميركيّة مقابلة لدى واشنطن تطلب فيه من باريس زيادة حصّتها من الجنود هناك. وهذا ما كتبه رويل مارك غيركت في مجلّة "ذي اطلانتيك" الأميركيّة إذ إشار إلى أن لا أوباما ولا ترامب عرضا على الفرنسيّين أن يساهموا أكثر في سوريا، خصوصاً أنّ "باريس كانت مستعدّة لوضع مزيد من القوّات على الأرض". أمّا تأثير ذلك بحسب الكاتب فيمكن في أنّ تحالفاً عسكريّاً فرنسيّاً أميركيّاً في سوريا، حتى ولو كان هدفه ضمان الستاتيكو وإيقاف التوسّع الإيراني داخل سوريا، كان بإمكانه إظهار أنّ الاتفاق النووي "قد لا يكون مقدّساً". وبذلك، يكسب الفرنسيّون مزيداً من النفوذ خلال التفاوض مع الإيرانيّين على اتفاق أفضل من ذلك المعمول به.
لكنّ خروج ترامب من الاتّفاق النوويّ قد يعقّد الحسابات الفرنسيّة مجدّداً. وقد تضطر باريس للانتظار حتى تتبلور صورة واضحة عن العقوبات الأميركيّة المقبلة وعمّا إذا كانت الشركات الفرنسيّة معرّضة لهذه الإجراءات. ولو كان هذا الأمر واقعيّاً، عندها ستطرح فرنسا تساؤلات كثيرة عن كيفيّة استفادتها من تقييد النفوذ الإيرانيّ في حين أنّ شركاتها تكاد تعامل بمثل ما يعامل به الإيرانيّون إلى حدّ ما. ومن غير المستبعد أن تؤدّي هذه التشكوك إلى السؤال الأكبر المتعلّق بالمصلحة الفرنسيّة بوجود جنودها في سوريا ضمن بيئة سياسيّة وأمنيّة بالغة الهشاشة. فهل تحلّ زيارة ماكرون إلى روسيا الأسبوع المقبل بعضاً من تلك التعقيدات؟