جريدة صيدونيانيوز.نت / مقتل "الخميني" وظاهرته بالمخيمات الفلسطينية في لبنان
جريدة صيدونيانيوز.نت / أخبار صيدا والعالم / مقتل "الخميني" وظاهرته بالمخيمات الفلسطينية في لبنان
أحمد الحاج علي - موقع المدن
مقتل "الخميني" (حسين علاء الدين)، في مخيم عين الحلوة، أعاد إلى الأذهان جزءاً من تاريخ اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وعلاقتهم بإيران. لم يخلُ مخيم من مخيماتهم من شخص أو أكثر ملقب بـ"الخميني"، غالباً بسبب تديّن مرافق لثورية ظاهرة، خصوصاً في بداية انتصار الثورة الإيرانية. ولم يكن لقب "الخميني" محصوراً بلاجئي لبنان، بل رافق مؤسسَ حركة حماس الشيخ أحمد ياسين في سنوات انتصار الثورة الأولى. وأطلق مؤسس الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي على السيد حسن نصر الله، قبل تسلّمه الأمانة العامة لحزب الله، لقب "خميني العرب"، وذلك بعيد تأليف الشقاقي لكتابه "الخميني: "الحل الإسلامي والبديل".
رصاص الابتهاج
قبل انتصار الثورة الإيرانية كان الشاعر الشعبي الفلسطيني الأبرز في لبنان يوسف حسون يُطلق أغانيه من "صوت فلسطين" مباركاً "ثورة الخميني": "هبت عواصف رياح الشرق من إيران، من بعد سنين استنظارها طالو، تحمل على جناحها بجراحها برهان، تغيير حكم العمالة بكل أشكالو". وكانت حركة فتح تعبّر عن فرحة فلسطينية غامرة حين غطت جدران المخيمات في لبنان بملصقات حملت صورة الخميني، ومكتوب عليها "اليوم إيران وغداً فلسطين"، حتى جريدة النداء، الناطقة باسم الحزب الشيوعي اللبناني، تصدّرت صورة الخميني صفحاتها.
ابتهج الفلسطينيون في المخيمات. من استقبلوهم بالأمس ثواراً إيرانيين من اليسار واليمين والليبراليين أصبحوا اليوم قادة الدولة. مهدي بازكان، إبراهيم يزدي، قطب زادة، محمد منتظري (ابن آية الله حسين منتظري)، مصطفى شمران، جلال الدين الفارسي وغيرهم كثير. إطلاق نار كثيف في المخيمات، مع وصول الخميني إلى طهران. أمر القائد الفلسطيني سعد صايل بوقف إطلاق النار، فاتصل به عرفات معاتباً بصوت فرح "هذه أول مرة تصدر أمراً خاطئاً، دعهم يطلقون النار، ولا تكتم بهجتهم". قطع حديث أبو عمار وأبو الوليد دخول مساعديه عليه بكعكة كبيرة مكتوب عليها "عقبال القدس"، كما يقول صاحب كتاب "إيران من الداخل".
عرفات الذي كان يردد أن القدس تحررها أيدٍ غير عربية، طار من مطار دمشق إلى طهران، ليكون على رأس أول وفد أجنبي يحط بطائرته مطار طهران بعد وصول الخميني إليه بأسبوع. حاول عرفات أن يعوّض خروج مصر من الصراع مع (إسرائيل)، وحاولت إيران أن تُطمئن العرب من خلاله. التغيير البطيء الذي بدأ يحدث في الاتجاه نحو التدين في المخيمات الفلسطينية في لبنان بعد عام 1967، سرّع به انتصار الثورة الإيرانية عام 79.
الدولة والثورة
حصل تحول نحو الإسلام الثوري، كانت الكتيبة الطلابية بحركة فتح أول من تأثّر به. فيما بعد، تحوّل أبرز قادة الكتيبة إلى ما سيُعرف بسرايا الجهاد التي أطلقت اسم الخميني على بعض عملياتها. أما في لبنان، وقُبيل خروج منظمة التحرير من بيروت عام 1982، اجتمع القائد الفتحاوي أبو جهاد خليل الوزير ببعض الشباب الشيعة في حركته، والمتأثرين بالثورة الإيرانية، ونسّق معهم للمرحلة المقبلة من مقاومة الاحتلال، ولهذا لم يكن مفاجئاً إطلاق أسماء سعد صايل وكمال عدوان وقادة فلسطينيين آخرين على عمليات وقعت في جنوب لبنان.
أحداث وخيارات أضعفت، فيما بعد، من حرارة العلاقة بين الحركة الأكبر فلسطينياً، أي "فتح"، وإيران. كانت فتح، ثورة تحاول أن تتحول إلى دولة، وكانت إيران الدولة التي تحوّلت إلى ثورة. العلاقة الاستراتيجية، بين إيران وسوريا، كان يقابلها صِدام بين الأخيرة ومنظمة التحرير الفلسطينية. لم يستطع عرفات أن يستميل الإيرانيين بذريعة المظلومية التي يتعرّض لها في علاقته مع سوريا، ولم تنفع رسائله المتتابعة إلى القيادة الإيرانية يوم حوصر في طرابلس عن "اليزيديين الذين يمنعون عنا الماء". ولم تكن هذه الإشكالية الوحيدة، بل هناك عدم إدانة فتح لغزو أفغانستان، وسعي عرفات إلى عودة مصر للجامعة العربية ليوازن بها سوريا.
استطاعت إيران، لسنوات طويلة، أن تكسب تعاطفاً فلسطينياً في مخيمات لبنان، لكن من دون القدرة على استمالة قطاعات واسعة لتشكيل حالة حزبية معتبرة، وذلك لسبب جوهري، هو أن الشخصية الفلسطينية، ومنذ نكبة عام 1948، صارت أكثر تحسساً من وجود أحزاب تابعة لدول خارجية، حتى لو كان الموقف الشعبي إيجابياً من تلك الدول. لذلك كان "الخميني" في المخيم ولم تكن "الخمينية" بمعناها التنظيمي.