المتسوّلة.
جريدة صيدونيانيوز.نت / المليارديرة المتسوّلة تتقن المهنة منذ صباها... حديث الساعة في صيدا "آخ منك يا وفاء"
صيدا ــ أحمد منتش المصدر: "النهار"
تتقن فن التمثيل في مهنة التسوّل التي دأبت عليها منذ كانت فتية، وباتت تجيد لغة التخاطب ومحاولة ذرف الدموع لإثارة الشفقة "أنا مريضة وعندي أيتام"، و"من مال الله يا محسنين، اشفقوا عليّ"، واختيار الأماكن المناسبة كمداخل وباحات الكنائس والمساجد ومجالس العزاء، لتحصيل ما أمكن من جيوب الناس الأغنياء منهم والفقراء، حتى أصبحت ثروتها في مسيرتها تزيد على المليار ليرة لبنانية فقط لا غير.
إنها الفلسطينية وفاء محمد عوض (64 عاماً) التي ذاع صيتها بين ليلة وضحاها، وأصبحت حديث كل الناس، وخاصة النساء في أحياء وأزقة صيدا القديمة، والتي انكشف سرها بعد أزمة بنك جمال وسحب أموالها في شيكات إلى مصرف لبنان.
"النهار" قصدت بيتها في حي سوق الحيّاكين داخل صيدا القديمة قرب حارة الكشك والمصلبية. على طول الطريق تسمع حديث الناس عن الشحاذة وفاء البخيلة وعبارات مثل "آخ وآه منك يا وفاء"، ونساء حارات صيدا تجمّعن صباحاً أمام منزلها، غير أن شقيقها قام ليلاً بتهريبها من البيت وإقفاله ونقلها إلى منزله في حارة صيدا، والبعض قال إنه نقلها إلى منزل شقيقتها في طرابلس، خوفاً من التعرّض لها. وتردّد أن بعض النسوة قذفنها بسطل من المياه خلال خروجها من بيتها، وآخر رمى على بابه زجاجة فارغة أثناء وجودها.
البيت الذي قصدته "النهار" يقع في الطابق الأول في مبنى قديم، وكان مقفلاً بقفل صغير. جارها في البيت المواجه لبيتها هلال عبد الرحمن هلال قال: أعرف وفاء منذ العام 2008. تعيش وحيدة ولا تجيد سوى أعمال التسوّل، بخيلة جداً على نفسها وجيرانها. بيتها من غرفتين صغيرتين وشبه خراب، تنام على العتمة وليس لديها اشتراك في الكهرباء، تخرج كل يوم، وغالباً منذ الساعة الخامسة صباحاً، ترتدي نفس الثياب والمنديل وتحمل العكاز .
ويؤكد هلال لـ"النهار" أنها بعد سماعها خبر أزمة بنك جمال جاءت إلى بيته وسألته عن الموضوع و"أن لديها شوية مصاري شو لازم أعمل". وأخبرها أنه بإمكانها سحبها ونقلها إلى مصرف آخر. وعندما سألها عن قيمة المال قالت له: "شوية مش حرزانين شي 40 مليون".
وأضاف: بعد نشر الأخبار عن قيمة أموالها عاد وسألها مجدداً: أبوك مش اسمه محمد عوض، عم يقولوا معك مليار و٣٣٩ مليون ليرة لبنانية؟ فأجابته وهي غاضبة: "عم يكذبوا بدن يقطعوا برزقتي".
ويقول أبو علي أحد سكان البلدة القديمة، والذي يعرف وفاء منذ صغرها، إن والدها كان يشارك الجميع في جميع المناسبات وخاصة الحزينة. وكان يمشي في مقدمة المشيعين عند أي وفاة، ويقرأ الفاتحة على روح الفقيد. وكان يكرَّم من عائلة الفقيد. وأما وفاء التي تحب أن يناديها الجميع بالحاجة وفاء، فتعلمت اختيار الأماكن المناسبة لتواجدها واقتناص الفرص المناسبة. كانت تزور المستشفيات وتجول على طوابق المرضى والمصابين وتدعو لهم بالشفاء ودوام الصحة، وتشرح لهم بعبارات مجبولة بالحزن عن وضعها وعجزها عن القيام بأي عمل لإطعام أولادها اليتامى.
وفي حال عدم حصولها على مبتغاها يصبح لسانها بذيئاً وجارحاً، وأحياناً كان نطاق تسوّلها يتخطى حدود صيدا باتجاه بعض القرى المجاورة لصيدا وفي بيروت.
وعلى عكس الآخرين، لم يفاجأ أبو علي بالأموال التي جمعتها وفاء في مسيرتها طوال أكثر من أربعة عقود من التسوّل والكذب على الناس.
وأعاد سر وفاء المستور سر المتسوّلة فاطمة عثمان التي قضت قرب سيارة فان في بيروت، ليتبيّن أن رصيدها من مهنة التسوّل بلغ أيضاً نحو مليار و700 مليون ليرة لبنانية.
ويبقى السؤال: هل من قانون يحاسب أو يحمي هكذا متسوّلين؟ وهل يتحمّس أي شخص بعد اليوم لمساعدة أي متسوّل، وهم يكادون يصبحون أغلبية في البلد، نتيجة الأزمات المعيشية والاقتصادية والاجتماعية المستشرية، وتزايد مظاهر وحالات الفقر والبطالة؟.