https://sidonianews.net/article301588 /سيف القدس: زمام المعركة بيد المقاومة
صيدونيا نيوز

جريدة صيدونيانيوز.نت / سيف القدس: زمام المعركة بيد المقاومة

 

Sidonianews.net

----

الأخبار

الكباش في المنتصف، والمقاومة تواصل النزال، والعدو يوغل في الدم والدمار... والتهدئة إمّا قضية ساعات، وإمّا بحكم المؤجلة من جرّاء الدعم الأميركي المطلق، وذلك تحت دعوى إنهاء «الأيام القتالية» بصيغة تؤمّن لإسرائيل ادّعاء الانتصار، أو تفريغ أي اتفاق من محتواه ــ بمعونة عربية أو فلسطينية ــ لو استطاعت، فيما ساحات الضفة والقدس والـ48 مشتعلة من دون توقّف، وفلسطين كلّها على موعد مع إضراب شامل اليوم. المقاومة، من جهتها، تصرّ على الحفاظ على الانتصار الذي حقّقت أكثر من نصفه في بداية المعركة، عندما سحبت زمام المبادرة من العدو، وفاجأته، وعملت على ربط الساحات الفلسطينية بعضها ببعض. كما تجهد للحفاظ على المعادلات التي حاولت فرضها منذ بداية الغارات الإسرائيلية، ساعية بنار الميدان إلى كتابة «تفاهم نيسان» بصيغة فلسطينية محدّثة، وذلك بتصعيد الردّ نوعاً وكمّاً وتكتيكاً كلّما أوغل العدو في دماء المدنيين وقصف البيوت والأبراج. والعدو، من جهته، يبحث عن انتصار حتى لو كان عبر تدمير البيوت وزلزلة الشوارع ومحو المقرّات الحكومية وإزالة عائلات كاملة من السجلات المدنية، وليس أخيراً ضرب منازل قادة المقاومة، لكنه يحاذر كثيراً خوض معركة برّية تكاد تغيب عن سرديّته، فيما يسعى إلى تطبيق «الأحزمة النارية المكثفة»، خاصة في الليل، لبث الرعب في قلوب المدنيين وإرهاق المقاومة. بين ذاك وذاك، يناور الاحتلال بحرب نفسية ــ إعلامية حول التهدئة ومسار وقف الحرب، من دون أن يخفي وجود ضغوط عليه، لكن مع تأكيده الحصول على التغطية الأميركية ــ ولو متأخّرة ــ التي أفسحت له في الحرب وقتاً إضافياً. كما أنه لا يزال يبحث بين ثنايا الوقت عن فرصة يعلن بها أنه انتصر، كضرب قيادي كبير في «حماس»، أو شلّ القدرة الصاروخية الفلسطينية، على رغم أنه عاجز حتى عن إحباط تهديد من تهديدات المقاومة التي باتت تُبثّ على الهواء مباشرة. ومع مرور أيام المعركة ــ الحرب، يتسرّب من بين يدَي الرقابة العسكرية الإسرائيلية حجم الدمار والخسائر، وتطوّر قدرات المقاومة في البرّ والبحر والجوّ، فيما تعمل الأخيرة على كيّ الوعي لدى الجبهة الداخلية الإسرائيلية بمواصلتها حرب «المدن المحروقة» واللعب بأعصاب الإسرائيليين على طريقة «الرِجل الواحدة»، فهل ستطول هذه الجولة إلى أبعد من الخميس المقبل الذي بات موعداً مفترضاً لانتهاء «بنك الأهداف» الإسرائيلي، الذي تبيّن أنه مدني أكثر منه عسكرياً!

---

أسبوع ثانٍ من «سيف القدس»: زمام المعركة بيد المقاومة
فلسطين /  رجب المدهون  الثلاثاء 18 أيار 2021

غزة | مع بداية الأسبوع الثاني من المواجهة الجارية بين المقاومة وجيش العدو، تَدخُل الأولى مرحلة جديدة في تثبيت معادلات القصف. فبعد تراجع الثاني عن قصف الأبراج عقب الضربة الكبيرة لتل أبيب فجر أول من أمس (جرت بعد رفع الحظر عنها لساعتين)، عادت المقاومة إلى تغيير المعادلة وتجديد تهديدها بقصف المدينة مجدّداً في حال لم يتوقّف الاحتلال عن استهداف الشقق السكنية والمباني في غزة. صيغةٌ صمدت بالحدّ الأدنى إلى منتصف الليل، ليُعلّق مراسل قناة «كان» العبرية بالقول إن هناك «انخفاضاً كبيراً في القصف على غزة بعد تهديد أبو عبيدة»، على أن الساعات اللاحقة قد تحمل تطوّرات أخرى.

ومع استنفاد العدو بنك أهدافه باعتراف مُحلّليه وإعلامه، بدأ انتهاج سياسة جديدة لاستهداف المصالح الاقتصادية في القطاع، كجزء من أدوات الضغط على المقاومة، بعدما أخفق في التأثير في مسار المعركة، على رغم استهدافه الحاضنة الشعبية للفصائل. وتمثّل ذلك في قصفه أمس مصنعَين كبيرين للإسفنج والمواد الزراعية. وكشفت إحصاءات أوّلية نشرها المحلّل الاقتصادي، محمد أبو جياب، عن تدمير الاحتلال 40 منشأة صناعية، إضافة إلى أكثر من 300 مصلحة تجارية ومحالّ ومخازن، كما تمّ إغلاق وتدمير مئات المنشآت السياحية، فضلاً عن التدمير الكبير والممنهج للطرقات وشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، مُقدِّراً الخسائر المباشرة بأكثر من 200 مليون دولار.
على المستوى الناري للمقاومة، بدا واضحاً أنها إلى جانب استمرار استهدافها مدن عسقلان وأسدود وبئر السبع ومستوطنات «غلاف غزة» بوتيرة منتظمة، ركّزت نيرانها أمس على مستوطنات «غلاف غزة»، وتحديداً على التحشيدات المدفعية الكبيرة لقوات الاحتلال هناك، حيث أطلقت عليها زخّات من الصواريخ وقذائف الهاون التي أدّت إلى إصابة عدد من الجنود بإصابات محقّقة وفق المصادر العبرية، فيما لا تكاد تتوقّف الرشقات على المستوطنات التي طلب رؤساء بلدياتها من الحكومة الإسرائيلية الاستمرار في العملية العسكرية «حتى القضاء على حماس». وفي المقابل، انتقل العدو بتركيز نيرانه إلى المنطقة الساحلية للقطاع، وشنّ عمليات قصف مركّزة على الشواطئ بعد يوم من إطلاق المقاومة غوّاصات مُسيّرة تجاه منشأة غاز «تمار» القريبة من غزة، لكنه واصل عمليات استهداف الشقق السكنية ومنازل المواطنين ــ حتى تهديد «أبو عبيدة» عصر أمس ــ ليُدمّر 15 منزلاً ويستهدف الأراضي الفارغة والمناطق الحدودية.
بين المشهدين، بدت واضحة حالة التفاوض بالنار بين المقاومة والعدو، إذ أظهرت القوة النارية المرتفعة بالوتيرة نفسها لدى المقاومة، رغبة واضحة في إدارة تلك القوة لمدّة طويلة ــ استناداً إلى تصريح «كتائب القسّام» بجاهزيّتها لقصف تل أبيب لستة أشهر متواصلة ــ، وذلك في رسالة إلى الاحتلال الذي يريد إنهاء المعركة في أقصر وقت مع الحصول على صورة النصر، وهو ما لم يستطع الوصول إليه حتى الآن. كما أن المقاومة تُصعّب عليه المسألة، وتُواصل ربط ما يجري في غزة بالأحداث الجارية في القدس المحتلة، إذ أهدت «القسّام» في تسجيل مصوَّر عملية إطلاق رشقات من الصواريخ إلى روح الشهيد شاهر أبو خديجة، مُنفّذ عملية الدهس في الشيخ جراح، بعد يوم من إهداء صواريخ أخرى إلى أرواح رموز شهداء المقاومة في الضفة والقدس.

بعدما أخفق العدو في هزّ الحاضنة الشعبية بدأ ضرب المصالح الاقتصادية

على مستوى المباحثات الرامية للوصول إلى تهدئة، جدّد مصدر في «حماس»، خلال حديثه إلى «الأخبار»، تأكيده تعثُّر الوصول إلى اتفاق (حتى كتابة النص)، مشدداً على أن الحركة لا تزال عند شروطها المتعلّقة بالقدس، وأنها «ستواصل المعركة من دون توقّف إلى حين رضوخ الاحتلال». والأخير يبدي تخبّطاً ــ أو حرباً نفسية وإعلامية ــ ما بين تصريحات بقرب انتهاء المواجهة قبل الخميس المقبل عبر مستويات في الجيش، وبين إعلان رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الاستمرار في العملية ضدّ غزة «ما دعت الحاجة إلى ذلك ومن أجل استعادة الهدوء». ويبدو من خلال القرارات التي يتخذها المستوى السياسي في تل أبيب، قرب إعلانه انتهاء العملية العسكرية، خاصة حديثه عن «إغلاق المسجد الأقصى أمام اقتحامات المستوطنين حتى إشعار آخر».
دولياً، يواصل نتنياهو استناده في استمرار الحملة على غزة إلى الدعم الأميركي، إذ لم يطلب الرئيس جو بايدن منه إيقاف العملية، على رغم اتصاله به للمرّة الثالثة ــ منذ بداية الحرب ــ ليلة أمس، فيما استبعد دبلوماسيون التوصّل إلى اتفاق قريب من جرّاء الهجمات الكبيرة بين الاحتلال والمقاومة. وثمّة مؤشر آخر، هو شبه الاتفاق بين نتنياهو وشريكه في الحملة العسكرية، وزير الأمن بيني غانتس، على تأليف حكومة جديدة بعد انتهاء التفويض ليائير لابيد الأسبوع المقبل، وهو ما يعني تحقيق أهمّ أهدافه، أي إنقاذ نفسه من السقوط أو انتخابات جديدة. ومن المؤشّرات الأخرى ما نقله مسؤول في السلطة عن أن «الجانب الاسرائيلي أبلغنا فتح معبر كرم أبو سالم غداً الثلاثاء لساعات محدودة لإدخال كمّيات من السولار القطري الخاص بمحطة توليد الكهرباء، وأدوية ومواد غذائية للمؤسّسات الدولية، وكمّيات من أعلاف الحيوانات»، وهو ما يمهد لخطوات من قبيل الوقف الأحادي للعمليات، مع إعطاء المقاومة شروطها بشأن القدس، لكن على الطريقة الإسرائيلية، ومن دون أيّ وعد بالسماح بإعمار القطاع.
وبخلاف المضمون الذي نقله مكتب نتنياهو حول اتصال بايدن، تزامن الاتصال الأميركي ــ الإسرائيلي مع اتصال مسؤولين مصريين كبار برئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، إسماعيل هنية، ما قد يشير إلى تواصل المباحثات التي تدفع بها واشنطن لإنهاء المواجهة القائمة، وقرب انتهاء المهلة التي تمنحها واشنطن لتل أبيب لوقف النار. والملاحظ أنه مع استمرار الضغوط، وبوادر تغيّر الموقف الدولي تجاه إسرائيل، ظهرت خشية لدى الأخيرة من هذه التحوّلات، خاصة عقب زيادة التظاهرات في الدول الأوروبية، وحتى في الولايات المتحدة نفسها، وتراجع الدعم لها، ما سيؤثر فيها مستقبلاً، وذلك بعد تقديرات بخسارة إسرائيل تعاطف غالبية دول العالم وشعوبه، وحتى جيل الشباب الأميركيين، طبقاً لمعلّقين إسرائيليين في «القناة الـ 12» العبرية.
أمّا على الأرض، فتشتدّ المعركة الأمنية بين المقاومة والاحتلال الذي بدأ تفعيل كلّ ما يملكه للوصول إلى معلومات عن المقاومة ومقدّراتها. وهنا، يكشف مصدر أمني، في حديث إلى «الأخبار»، أن «جهاز الأمن العام» الإسرائيلي (الشاباك) طلب من عملائه التحرّك بسرعة لجلب معلومات عن المقاومة من جرّاء عجزه عن الوصول إليها عبر الطائرات المسيّرة، الأمر الذي «كانت المقاومة مستعدّة له، فاعتقلت عدداً منهم وأحالتهم إلى التحقيق»، وهو ما أغضب الاحتلال الذي ركّز خلال اليومين الماضيين ضرباته على مقرّات تابعة لجهاز «الأمن الداخلي» في وزارة الداخلية، فضلاً عن استهداف رجال أمن المقاومة العاملين في الميدان.

 

---

 

مأزق الردع الإسرائيلي يتعمّق: بحثاً عن «انتصار» الحدّ الأدنى
فلسطين  علي حيدر  الثلاثاء 18 أيار 2021

تُواصل إسرائيل عدوانها على قطاع غزة، بضربات هي أقرب إلى التنكيل منها إلى العمل العسكري المهني. مع ذلك، فإن هذا الكيان يمارس الإجرام ضمن خطّة مدروسة ومحدّدة الأهداف، فيما تحتلّ سياسة التدمير الممنهج موقعاً مهمّاً في استراتيجيته، ولعلّ من أبرز مصاديقها «عقيدة الضاحية» التي ولدت خلال حرب العام 2006، والتي عُمل على تطبيقها في جولات سابقة في القطاع، ويتكرّر العمل عليها في هذه الجولة أيضاً، على رغم استمرار ردّ المقاومة الفلسطينية الصاروخي الذي يستهدف العمق الإسرائيلي. لكن، ما الذي يدفع إسرائيل إلى مواصلة عدوانها حتى الآن في ظلّ تعاظم أثمانه؟ وهل قرارها مرتبط بسياقات استراتيجية، أم بسياقات سياسية داخلية، أم أنه خليط من عوامل موضوعية وخلفيات توظيفية؟

كُتب وسيُكتب الكثير عن المفاجآت التي تعرّضت لها إسرائيل بفعل هَبّة القدس وتمدّدها إلى فلسطينيّي الداخل، وتحديداً في ما يتعلّق بمبادرة قوى المقاومة في غزة، ابتداءً، إلى استهداف العمق الإسرائيلي في محيط مدينة القدس، بهدف كبح السياسة العدوانية إزاء المسجد الأقصى والقدس، ومنع استمرار عمليات التهويد في حيّ الشيخ جراح. على أن المفاجأة التي تعرّضت لها المؤسّسة الإسرائيلية بكلّ عناوينها السياسية والاستخبارية، تتجاوز في أبعادها ورسائلها الإخفاقات التقليدية التي سبق أن واجهتها في أكثر من محطّة داخلية وإقليمية. فالإخفاق الاستراتيجي، هذه المرّة، يبدو أقرب إلى كونه نتاج مفاهيم متكلّسة ومتأصّلة لدى قادة الأجهزة المختصّة في قراءة الواقع الفلسطيني، الذي يُفترض أنهم يحيطون به معلوماتياً، وخاصة أن الأجهزة الأمنية لديها ملفّات كاملة عن القرى والأفراد، إلى درجة الهوس بهدف جمع كلّ التفاصيل المرتبطة بهم، كي تتمكّن من السيطرة عليهم والتحكّم فيهم. ولعلّه يمكن القول إن الغرور الذي تعاني منه تلك الأجهزة دفعها إلى إيهام نفسها بأنها قادرة على فهم السلوك الفلسطيني والتنبّؤ به، وأنه يتوافر لديها جواب وردّ على كلّ تكتيك أو وسيلة يمكن أن يلجأ إليها الفلسطينيون في مقاومتهم للاحتلال.
في هذا السياق، حرصت إسرائيل على أن تكون البداية من حيث ما انتهى إليه عدوان «الجرف الصامد» عام 2014، أي قصف الأبراج في غزة، على رغم نجاح قوى المقاومة في اختراق منظومات الاعتراض الصاروخي واستهداف العمق الإسرائيلي بقصف تل أبيب ومحيطها. وقد تحدّد هدف هذا العدوان، بحسب رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، بالوصول إلى وضع «تَزِن فيه حماس الأمور جيّداً في المرّة المقبلة، إذا ما فكّرت في إطلاق الصواريخ علينا». يؤشّر تحديد ذلك الهدف الفضفاض إلى مجموعة حقائق ومفاهيم تتّصل بالأولويات الإسرائيلية، وبإدراك تل أبيب خطورة رسائل هذه الجولة وما يميّزها عن كلّ ما سبقها وما يمكن أن يترتّب عليها من تداعيات تتّصل بالداخل الإسرائيلي وبسياق الصراع المتواصل مع الشعب الفلسطيني، وأيضاً بما تنطوي عليه من رسائل تتّصل ببيئتها الإقليمية التي يتصاعد خطرها على أمنها القومي.
تنبع المخاوف الإسرائيلية من أن مبادرة قوى المقاومة، بما تُمثّله من رصيد استراتيجي، تؤسّس لإعادة لحمة الشعب الفلسطيني على أرض وطنه. فالفلسطينيون، وإن كانوا يتفوّقون عددياً بنسبة قليلة (ما يزيد على 7 ملايين)، على الصهاينة في كلّ أرض فلسطين (أقلّ من 7 ملايين)، إلّا أنهم موزّعون على عدّة مناطق لكلّ منها أولوياتها وظروفها السياسية والأمنية: جزء محاصَر ويخوض المقاومة بكلّ ما للكلمة من معنى في قطاع غزة؛ وآخر محكوم من السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والتي تؤدّي دوراً وظيفياً لا تخفيه في مواجهة أيّ محاولة انتفاضة شاملة أو حركة مقاومة مسلّحة تسعى إلى تنفيذ عمليات من فترة إلى أخرى ضدّ المستوطنين والجنود؛ وجزء ثالث في القدس الشرقية ومناطق الـ48. ترى إسرائيل أن تكتُّل الفلسطينيين الموزَّعين على هذه المناطق حوْل استراتيجية المقاومة بمختلف أشكالها وأساليبها، يمثّل تهديداً كبيراً للأمن القومي الإسرائيلي.

يمثّل دخول المقاومة في غزة على خطّ قضية القدس والمسجد الأقصى مؤشّراً خطيراً للعدو

في الإطار نفسه، يمثّل دخول المقاومة في غزة على خطّ قضية القدس والمسجد الأقصى مؤشّراً خطيراً لدى مؤسّسات القرار السياسي والأمني في تل أبيب، لكونه يؤسِّس لمعادلة جديدة ترتكز على إعادة إنتاج الالتفاف الفلسطيني حول القضية المذكورة. وهي معادلة، إن تمّ إرساؤها، تُعدّ منعطفاً استراتيجياً في مسيرة حركة المقاومة على أرض فلسطين، وستكون لها تداعياتها الخطيرة في ما يتعلّق بمستقبل هذه الحركة، وبأولويات الكيان الإسرائيلي. لذا، لا يخفي العدو، على ألسنة قادته وخبرائه، مخاوفه من أن تنتهي هذه الجولة فيما لا تزال المقاومة تملك إرادة المبادرة والردّ في اليوم الذي يلي وقف إطلاق النار، لأن معنى ذلك تكريس المقاومة كقوة مؤثّرة بشكل مباشر في الداخل الإسرائيلي، وبتعبير أدقّ، كقوة تفرض خطوطاً حمراً في عمق الكيان، وتحديداً في ما يتّصل بقضية القدس. وهو متغيّر لا يستطيع الإسرائيلي أن يضبط تداعياته على الشارع الفلسطيني، وعلى المعادلات التي يمكن أن تتدحرج في اتجاهات أكثر خطورة، وبما سيدفع العدو إلى تغيير سلّم أولوياته.
في ضوء ما تقدّم، يعمل العدو على تحييد أقصى ما يستطيع من أهداف عسكرية، وأيضاً جبْي أثمان مؤلمة من القطاع، وتحديداً عبر استهداف البنى التحتية والعمرانية فيه لأهداف «ردعية». على أنه يلاحَظ في الأهداف التي يسعى الكيان إلى تحقيقها، أنه تخلّى عن شعارات مرتفعة السقوف، من قبيل القضاء على قوى المقاومة، لإدراكه تعذُّر تحقيقها، والكلفة الكبيرة التي سيتكبّدها من جرّائها. كذلك، يؤكد الميدان أن إسرائيل عاجزة عن سلب المقاومة إرادة القتال. وبالاستناد إلى إدراك الاحتلال محدودية النتائج التي يمكن أن يُحقّقها على المستوى العسكري، فهو يتحدّث في خطابه الرسمي والإعلامي عن تقليص القدرات العسكرية ليس إلّا، هذا من دون مناقشة المبالغات التي قد يكون العدو مضطراً إليها كي يقدّم المعركة على أنها إنجاز عسكري استثنائي، وخاصة أن معيار نجاحها وفشلها مرتبط بحجم تدمير القدرات العسكرية للمقاومة، التي أثبتت تجارب السنوات الماضية أنها تخرج من كلّ جولة بإمكانات أقوى كمّاً ونوعاً. يُضاف إلى ما تقدّم أن اختيار هدف محاولة التأثير في حسابات قيادة المقاومة كي لا تكرّر ضرباتها الابتدائية، كما عبَّر نتنياهو، يعود إلى كونه الحدّ الأدنى المتاح، وفي النهاية لا بدّ من تحديد هدف سياسي. ولكن حتى الهدف الأخير المذكور أثبتت تجربة سنوات من القتال والمقاومة أنه مجرّد أمنية يحاول العدو الاقتراب منها، مع أن المقاومة لم تكن تملك آنذاك ما تملكه الآن من قدرات وخبرات وتقنيات.
تتداخل الاعتبارات الموضوعية التي تحكم خلفية مؤسّسات القرار السياسي والأمني، مع مصالح نتنياهو الحزبية والشخصية. فهو نجح من خلال تأجيج قضية الأقصى وحيّ الشيخ جراح، ومن ثمّ تأجيج العدوان على القطاع، في قطع الطريق على تأليف حكومة بديلة تؤدي إلى إطاحته، وخاصة أن أيّ حكومة يراد تأليفها لن تتحقّق إلّا بالاستناد إلى أصوات كتل عربية، ومعها كتل يمينية متطرّفة من المتمرّدين على نتنياهو. فبعد هذه الجولة، سيكون من الصعب جدّاً إنتاج ائتلاف حكومي يستند إلى هذين الطرفين معاً. وهكذا، عادت وجهة التطوّرات الداخلية تتدحرج نحو محاولة إعادة إنتاج حكومة يمينية أو انتخابات خامسة.
تبقى حقيقة ينبغي أن تُظلّل أيّ قراءة أو تحليل لواقع الصراع مع العدو ومستقبله، وهي أن «تواضُع» إسرائيل في تحديد أهدافها في مواجهة قطاع غزة، على رغم صعوبة ظروف القطاع الجغرافية والاقتصادية والعسكرية بالقياس إلى بقية أطراف محور المقاومة، ينطوي على إقرار رسمي مباشر بضيق خياراتها وبمحدودية قدراتها، وبأن رفع سقوف الأهداف لن يكشف فقط فشلها بعد انتهاء الجولة، بل سيؤدّي إلى خسائر كبيرة تتناسب مع حجم ارتفاع السقوف والإصرار على تحقيقها. أمّا السؤال المصيري الذي يَمثُل أمام قادة العدو ومؤسّساته فهو: ماذا لو لم يُحقّق ما يطمح إليه من ردع، وهذا ما حدث في تجارب طويلة من الجولات القتالية، وهو المرجّح حدوثه اليوم؟ فمأزق ردع العدو ينبع من أنه لا هو قادر على التسليم بالمعادلة التي أرستها المقاومة، ولا في استطاعته ردع الأخيرة عن استهداف تل أبيب وعمقه الاستراتيجي، ولا هو يجرؤ على العملية البرّية الواسعة... ومَن ليس قادراً على الردع في الوقت الذي تتهاوى فيه الأبراج العالية، عليه أن لا يتوقّع تحقُّقه في المرحلة التي تلي. وعلى ذلك، ماذا لو تمّ تكريس المعادلة التي أرستها المقاومة في غزة، وهو المتوقّع؟ وماذا ستكون خيارات إسرائيل البديلة؟ يمكن، هنا، تخيُّل القفزة التي ستُحقّقها المقاومة لشعب يرزح تحت الاحتلال، في ظلّ تطوّرات إقليمية واعدة، من المؤكد أنها ستفتح آفاقاً رحبة أمام فلسطين وشعبها ومقاومتها.

 

 

----

جريدة صيدونيانيوز.نت / أخبار فلسطين المحتلة / سيف القدس: زمام المعركة بيد المقاومة


www.Sidonianews.Net

Owner & Administrator & Editor-in-Chief: Ghassan Zaatari

Saida- Lebanon – Barbeer Bldg-4th floor - P.O.Box: 406 Saida

Mobile: +961 3 226013 – Phone Office: +961 7 726007

Email: zaatari.ghassan@gmail.com - zaataripress@yahoo.com

https://sidonianews.net/article301588 /سيف القدس: زمام المعركة بيد المقاومة