https://sidonianews.net/article302790 /الحرب الافتراضية لعالم جديد بقلم الشريف علي صبح
صيدونيا نيوز

جريدة صيدونيانيوز.نت / الحرب الافتراضية لعالم جديد بقلم الشريف علي صبح

Sidonianews.net

----

الحرب الافتراضية لعالم جديد
بقلم الشريف علي صبح
منذ أن أبصرت فكرة العقد الاجتماعي النور واخرجت تنظيريا الناس -المجتمع- من حالة تحكمه الأنانية والخوف، القيم فيه انتقائية، خال من الاخلاقيات، ولا عدالة فيه لمجتمع سياسي مستقر، كان العقد الاجتماعي هو الأمل بتحقيق ذلك المجتمع وفرض الأمن. بغض النظر عن الاختلاف في نظرة المنظرين والشخصين الأساس لفكرة العقد الاجتماعي العالمين هوبس و لوك لطبيعة المجتمع وأين يقع دور الحاكم في العقد و التفاصيل المختلفة بينهما إلا أن الاتفاق و الحل الناجع والأساس في سبيل تحقيق تلك الرؤية في مجتمع مستقر كان من خلال وجود حاكم يحقق الأمان ويطبق السلطة.
هذه العلاقة بين الطرفين تفسر العلاقة في الخضوع للقانون بعقد ضمني مقابل بعض الحريات والالتزامات تفوّض للسلطة مقابل الأمن والأمان، ففكرة العقد كانت تمهد بشكل او بآخر لفكرة وجود الدولة بمفهومها الحالي مع بعض المتغيرات التي رافقت تطور نشوء الدول وفرض نفوذها وهيمنتها مرورا باتفاقية وست فالي الذي ساهم في إيجاد فكرة السيادة ودور التطور ‏في ذلك المضمار ولا ننسى دور الحرب أيضا.
فالحرب صنعت الدولة والدولة صنعت الحرب ، مقولة لا تخلوا من مثنوية خالدة أرست هيمنة و سيادة دول كثيرة منذ القرن السادس عشر السابع عشر  و منذ ولادة الدولة في أوروبا في سياق الرأسمالية -الثورة الصناعية - ففكرة العقد الاجتماعي كانت تصاحب أيام الثورة الزراعية ‏وهكذا إلى أن دخل العالم في تداعيات المحرك البخاري والإنتاج الصناعي والتنافسية العالمية مع الثورة الصناعية ومنه إلى الحروب  ، فإن الصناعة كانت عاملا مهما في ظاهرة الاستعمار آنذاك لتأمين المواد الأولية والخامات والثروات التي تزيد قدرة الدول العظمى التي كانت تحمل شكل الراس مالية فتزيدها قدرة على تصدير صناعات أكثر بحجم أكبر ، مما يجعلها تنزو على ثروات الدول النامية .
فالدولة هي نمط أوروبي صارت الشعوب تحتذي به في بناء دولها لتتماشى مع شكل الدول الاوروبية التي كانت مثالا للريادة في مجال السبق في تشكيل دولة كما هو اليوم ناهيك عن بذور الاستعمار التي زرعتها الدول العظمى لتكون هي القبلة في هذا السياق، كما ‏والجدير بالذكر أن الدولة في أوروبا آنذاك نشأت نتيجة أسباب المحلية على عكس بقية الدول التي فرضت عناصرها من القوة الاستعمارية او تماشيا مع الدول الأوروبية.
فبعدما تشكلت الدول كانت عناصر الدولة هي الأرض -أي الحيز الجغرافي-، والشعب -وهو المجتمع القاطن في تلك البقعة- ، والسيادة بالإضافة إلى الاعتراف بها دوليا و منها تطور مفهوم الدولة السيادة التي باختصار هي التي تختزل القضايا الداخلية بنفسها ولا يحق لغيرها التدخل في شؤونها وبهذا تحجمت أدوار القوى العظمى في عملية الاستعمار ونهب الثروات بشكل بسيط إلى القرن العشرين .
‏وبهذا التطور الأدائي لمفهوم الدولة والسلطة متزامنة مع التطور العلمي و الثورات العلمية عبر القرون منذ الثورة الزراعية والصناعية ثم التكنولوجيا الحالية التي نعاصرها كانت هناك موجة رابعة في الأفق تجعل الواقع معقدة بصيغة خاصة نتناولها في هذا المقال و تؤثر على المجتمع تماشيا مع كل هفوات الثورات السابقة و الدموية والخسائر الفادحة التي كانت ملازمة لحقبات الثورات الثلاث السابقة و سياسة الاستعمار ، فتم الانتقال لاستعمار من نوع اخر يواكب التطور المصاحب للدول و للواقع العلمي فبدأت إراهاصات الثورة الافتراضية أو إعادة صياغة شكل عالم جديد أوائل القرن العشرين ، ليس على نطاق الفرد فحسب بل و لمفهوم اوسع كالسلطة -الدولة- إلا أن الفرد هو المستهدف الأساس لضمان ‏انتصار الثورة الافتراضي التي نحن على وشك الدخول إليها من أوسع أبوابها في أي لحظة من لحظات المستقبل القريب .
على مستوى السلطة وتعريف القدرة بشكلها التقليدي تتمثل قوة السلطة في إجبار الطرف المقابل عكس ما يريد بل كما تريد السلطة نفسها، ولكن تطور الشعوب وزيادة الوعي عندهم ورفض طبيعة الإنسان للتعسف والقهر جعل السلطات تنحى منحنى مختلف تجاه مفهوم القوة وتقسيمها إلى قوة كموارد وقوة عقلائية في صياغة استراتيجية التحويل ما بين المدخلات -الهدف المنشود من السلطة‏- إلى توظيف الموارد في تحويل القوة، وأخيرا إلى المخرجات -النتائج- 
‏هذا التغيير في مفهوم القوة التي في الواقع يلعب دورا مهما في سير عملية تحويل الكون إلى عالم افتراضي أو بعبارة  رائجة أكثر نحو العولمة ، فمفهوم القوة كموارد من ناحية حيازة السلطة على القدرة الاقتصادية و العناصر المادية بشكل أكبر وأكثر من غيرها كما في السابق تطور بعد خسارة الأمريكيين في حرب الفيتنام مع تفوقها على مستوى الموارد ، إلى مفهوم القوة العقلائية التي تعتمد في تحديد الأقوى على السياق بحسبه (زمان - مكان - قضية – كلفة – هوية ) على استراتيجية التحويل في توظيف موارد القوة،  وهنا نشأت ‏قوة جديدة غاشمة ومؤثرة بشكل مخيف بارزة جدا على الأجيال المتعاقبة والدول النامية ودول العالم الثالث ، القوة البنيوية و القوة الناعمة .
هاتان القوتان الجديدتان ظهرتا كمفهوم تداولي في مطلع القرن العشرين كنوع من جديد من مفهوم القوة ، فالقوة البنيوية قوتها حكر على دول مجلس الأمن الخمسة اصحاب حق الفيتو اما القوة الناعمة و التي هي القوة الأخطر في التأثير لأنها تقوم على عنصر الجذب بدون اللجوء إلى القوة الصلبة واستخدام الإكراه ، فقدرتها في تغيير القناعات والتقاليد واختلاف الأفكار وبث الرسائل التي تخدم أهداف المتعرضين لها تثبت في كل شخص على مستوى كل فرد بمفرده وعلى اختلاف جنسه وسنه و ثقافته ، نمطا حياتيا و مجتمعيا واحدا في حرب ناعمة هي بداية التغربة ‏ومحو الاوطان و حدودها و تحويل الفضاء الافتراضي إلى وطن واحد بحيث تتوافق نظرية ألفين توفلير( الموجات وحضارة الموجة) وهدف ترتيب العالم لنظرية العولمة -القرية الكونية- .
و في سياق استخدام الحرب الناعمة و فرض قوتها و لما كان التوجه إلى المجتمعات كل على حدة ولكل فرد بشكل خاص أمرا صعبا كانت فكرة دمج نظريتي ألفين توفلير في سياسة القدرة على خلق عالم افتراضي واحد ونظرية غوستاف ليبان في السيطرة على الجماهير من خلال سيكولوجية الجماهير فكرة أسهل وأقرب للتحقيق، بل وحتى بطريقة افتراضية و بتأثير اكبر ومجازي و بشكل أسرع من التجارب السابقة التي مضت.
فذهبوا إلى مخاطبة الشعوب بلغة افتراضية واحدة وتحويل كل نوازع وحاجات الإنسان والفرد إلى مجاز افتراضي (الحب – الحياة – الصداقات – التواصل ...) والمستهدف الأساس هو عنصر الشباب بالخصوص لا لميزة خاصة فيه انما لخلق جيل جديد لا ينسلخ عن فكرة التجديد والحداثة ويقبل كل ما هو افتراضي بعيدا عن الحضارات والتقاليد القديمة ويقبل كل ما هو جديد تمهيدا لثقافة القرية الكونية الوحيدة وتجديد ومحو كل ما هو قديم ليكون كل ما هو مستجد هو المقبول دون سواه.
وهنا تكمن خطورة ألا يتم التنبه للحرب الناعمة وسلطة الدول المستعمرة في ضرب حضارات وتقاليد الشعوب لأنه وإن لم تكن القوى الاستعمارية تضرب بالقوة الصلبة لكنها تغزو بالقوة الناعمة حربا أشرس وأخطر بشكل يصيب لا وعي الإنسان دون تنبه لتحليل المحتوى او تحليل المضمون وقراءة ما خلف ‏السطور او ما بين السطور وراء كل رسالة تصدر. 
‏و في مثال من التاريخ في الحرب الناعمة و تأثيرها نرى غرامتشي يصور في مشهديته  فقيرا يناصر زعيمه الفاسد من دون منفعة تعود إليه ،انه رسم في طيات كتابه (الإيطاليين أوائل القرن العشرين) فكرة تجليات الهيمنة الثقافية (لأيديولوجية) بغض النظر عن الواعز الديني او الاجتماعي او غيره ، إنما هو غزو فكري لكل فرد بعيدا عن كل ضوابط المجتمع أو القيم أو الدين ، وهذه هي الفكرة الأساس للثورة الافتراضية وهدفها بل وأكثر من ذلك إذ أن هذا المفهوم ولو انه مخالف للديمقراطية بشكل صارخ لكنه غير ملتفت إليه بل وحتى دول التغني بالديمقراطية تمارس أدواته وتسهم في الثورات الملونة وتغيير الثقافات بشتى أنواعها سواء من خلال التبادل الثقافي‏ أو العلاقات الاجتماعية ، الأفلام السينمائية ، القيم المستحدثة المصدرة ، الثياب ، و دور العرض ، قصات الشعر الجديدة ، الميول الجنسية المستهجنة ، الممارسات الغريبة ... وغيرها مما يصب كله في صراع الدول للسيطرة على العالم بالمعنى الافتراضي و تبعا لموجة جديدة.
أمام هذا الواقع الخطير وأمام الثقافات والشعوب هل يكون هذا التحول مختلف طريق يغيّر حياة البشرية نحو مجتمع خال من أنواع الترابط الإنساني الحقيقي ويجعل الواقع الافتراضي الخيالي نمط حياة دائم للأجيال اللاحقة على شكل عالم جديد ؟

---------

جريدة صيدونيانيوز.نت 


www.Sidonianews.Net

Owner & Administrator & Editor-in-Chief: Ghassan Zaatari

Saida- Lebanon – Barbeer Bldg-4th floor - P.O.Box: 406 Saida

Mobile: +961 3 226013 – Phone Office: +961 7 726007

Email: zaatari.ghassan@gmail.com - zaataripress@yahoo.com

https://sidonianews.net/article302790 /الحرب الافتراضية لعالم جديد بقلم الشريف علي صبح