الحب هو مفتاح دعوة القلوب، للوصول إلى مفاتيح التغيير (غيتي)
جريدة صيدونيانيوز.نت / فن الحب
صيدونيانيوز.نت / أقلام ومقالات / فن الحب
الحب متطلب روحي نفسي، هو أعلى مستويات الوعي التي تطمح إليها النفس الإنسانية حتى تتحقق عافيتها، وأقصد الحب الحقيقي المتزن، المحقق لمقاصد جلية، والذي منبعه المورد الإسلامي، الذي جعل الحب يأتي في الدرجة الأولى، سواء في علاقة الحب بين النفس الإنسانية وربها، أو بين النفس الإنسانية وذاتها، أو بين النفس الإنسانية والآخر.
إن علاقة الحب ابتداء بين النفس الإنسانية وربها، هي علاقة سماوية عقدية، تتوقف على منظومة الحب الرباني، قال تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ (المائدة:54)، وقال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: ((إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه، …))، علاقة الحب المتبادلة بين الله تعالى والنفس الإنسانية علاقة تتحقق بها كافة احتياجاته؛ فإذا أحب الله تعالى النفس الإنسانية -العبد- فهو كافيها ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ (الزمر:36)، إذ الله تعالى هو الذي علمنا الحب حين طلب من جبريل عليه السلام "إني أحب فلانا فأحبوه".
كما أن هناك صفات رحمانية خاصة؛ خاضعة لمنظومة الحب، فما إن اتصف النفس الإنسانية بهذه الصفة أو الصفات إلا أحبها الله تعالى، فيتبقى على النفس الإنسانية التحلي بها باستمرار، وقد ذكر الله تعالى هذه الصفات في منهجه الحكيم، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (البقرة:195)، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ (البقرة:222)، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ (آل عمران:76) ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ (آل عمران:146)، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران:159)، ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ (التوبة:108)، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الحجرات:9)، ﴿إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصُ﴾ (الصف:4)، والنفس الإنسانية إن تحلت بهذه الصفات ارتقت وشعت من ذاتها إشراقات سماوية، وفيوضات نورانية ترتسم عليها، فتتجلى في سلوكياتها وتصرفاتها.
ثم تأتي علاقة الحب المتلازمة لحب الله تعالى، قال عز من قال ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (آل عمران:31)، علاقة حب النفس الإنسانية لرسولها الكريم صلوات الله عليه، البشير النذير، الدال على المصير، إذ لا يتأتى الحب من الله تعالى للنفس الإنسانية حتى تتعايش النفس الحب مع رسولها الكريم صلوات الله عليه وسلم، الذي أحب الآخر شفقة ورحمة، وتعامل معه ودا ولطفا، وحتى الجمادات كان لها حظ من حبه وعطفه ورحمته، فهو مدرسة الحب الرحمانية، التي يجب أن نتعلم منها حتى نفلح، ويتجلى ذلك حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا معاذ إني أحبك"، وكذلك حين طلب أن نقول لمن نحب "إني احبك في الله".
إن علاقة الحب الإنسانية الأرضية الفطرية، والتي جاءت من بداية ولادة النفس الإنسانية، ولدت هذه العلاقة من حب الأم لوليدها، فنجد الوليد الذي ينفصل عن أمه، جاء معه الحب الأمومي الفطري الناتج عن وعي الأم لتأمين الغذاء والكساء والسكن لطفلها، فكان الاتصال المباشر بين الأم ووليدها ثمرة الحب الفطري غير المشروط، فنشأت علاقة حب فطرية قوية، حماها المنهج الحكيم وقوى أواصرها، ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (الإسراء:23).
أما علاقة حب النفس الإنسانية لذاتها؛ والتي تأتي من نظرة النفس إلى ذاتها؛ نظرة حب وتكريم كما كرمها الله تعالى، فوعت مقصد الله تعالى من خلقها، وأنها عائدة إلى مكانها الأزلي في السماء، غير متنكرة لحقيقة ذاتها، ولا لمقاصدها -دون تضخم الأنا فيها ولا جلدها لنفسها- ستكون ذاتٌ محبة لنفسها، يتولد عنها الجمال من عطف ورحمة وود ولطف، فهي من حب الله لها، قوية بقوة الله تعالى، قادرة بحول الله تعالى؛ يتحقق في ذاتها فكر نوراني، وروح سامية، ورقي سلوكي من خلال ترجمة الحب إلى تصرفات أخلاقية حميدة.
وأما علاقة الحب بين النفس الإنسانية والآخر، يكون من خلال المفاهيم الإنسانية الإسلامية، والتي تضفي مسحة حب على الذات نفسها؛ لتشرق على الآخر؛ فتشع علاقات راقية، ويتحقق من خلال ذلك الواجبات الإنسانية والشرعية، إذ لن يتحقق الحب مع الفساد في تحقق منظومة الواجبات والحقوق. وتزداد القدرة على حب الآخر بالإقلاع عن الحكم عليه، والتنازل عن الرغبة في أي شيء منه، وعلى هذا الأساس لا ينظر إلى الناس وفق ما لديهم أو بحسب ما يقومون به، بل بتقدير حقيقتهم الفعلية احتراما، فتكون النظرة إليهم بين تقدير أو ورحمة.
إن الحب إذا كان مبنيا على قواعد صحيحة ينجح، بأن يكون حب الله هو الغالب والمسيطر، وحب الآخر يأتي تباعا له وليس العكس، فيكون حب الآخر يعين على الاتصال الدائم بالمصدر الرئيسي للحب، والذي هو مصدر كل حب (الله جل جلاله).
كما يتطلب للوصول لحب الآخر الاستمرار في التخلي عن قيود الحب المشروط إلى الحالة اللامشروطة، من خلال التسليم والتسامح المستمر من أجل التراجع عن التحفظات والتجارب السابقة، ونحتاج إلى تفعيل النية الروحية دوما، كما لا بد أن نبحث عن الحب من مصادره الحقيقية، ونتعلم الحب أولا، ونحس به ثانيا، ثم نستطيع نصدره للآخر تلقائيا.
الإسلام دين مبني على الحب، الحب نفحة ربانية سماوية (يعيشها أهل السموات)، جئنا لهذه الدنيا لنحب بعضنا البعض، فيخرج الحب الجمال فينا من تفهم ورحمة وتسامح، حتى قال صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وقال "لن تؤمنوا حتى تحابوا"، وقال رسول الله صلى الله وعليه وسلم قال تعالى "وجبت محبتي للمتحابين فيّ" وحديث السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله؛ ومنهم رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، كما أنه يحشر المرء مع من يحب، حتى يبقى الحب شهادة يوم القيامة على علاقة حب كانت في الله تعالى، إن جهلنا في كيفية صناعة الحب، ثم محاولات وأد -بقصد أو دون قصد- لما بقي من منظومة الحب، حين جعلنا الحب قاصرا على حب أحد الجنسين للآخر.
إن الحب هو مفتاح دعوة القلوب، للوصول إلى مفاتيح التغيير، ويتأتى ذلك بالكلم الطيب "وهدوا إلى الطيب من القول"، والسعي في حاجة الآخر، وتهادوا تحابوا، والتصافح والتعانق والتربيت، والإقبال على الآخر بسلام القلب وترحيب العين وحب الروح، كله ذلك لأن الحب هو الإسلام، ورحمة الله تعالى للعالمين.....
الحب هو السعادة الحقيقية، لكن هنالك عوائق تعترض الحب، تنشأ من صفات شيطانية وأخرى حيوانية قد تتملكنا، ولكن لا يتم السيطرة عليها بمزيد من الضغط، وإنما بالتواصل بالله المحب، وبالتواضع والتخلي عن الأنانية والمصلحة الذاتية الشخصية، عندئذ يصبح الحب هدفا أساسيا وأسلوبا في الحياة.
الحب مشاعر معدية للأشخاص الآخرين، فعند البدء بالاحترام والرعاية والعناية بأحدهم برحمة، تنتقل هذه المشاعر إليه، حيث يسعى إلى مقابلة تلك المشاعر المترجمة إلى سلوكيات إيجابية بصورة أفضل، والحب الحقيقي لا يوجد له وقت محدد، ولذلك تجد المحب دوما تتملكه مشاعر الحزن عندما يحزن من يحب، ويتألم لمن يتألم، ويفرح لمن يفرح.
الحب تحقيق للذات، لا نسعى به لتحقيق مكسب أو تعويض نقص، يضفي جوا من السكينة على النفس، فينعكس على الآخر دون أن ندري، إذ عندما تكون في نطاق الحب يغدو العالم أكثر رحمة ولطفا وودا وتعاونا، ويسود شعور الأمان والتوافق مع كل البشر، وتسري عذوبة ملحوظة للشخصية، وللكلام والمواقف، ويلين نمط الحياة الذي ينشأ في دواخلنا.
( غادة الحلو )