فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: نعم وإن كنت على نهر جار (رواه ابن ماجه ورقمه 419).
لقد أراد النبي أن يربي الأمة على الاقتصاد حتى في العبادة من خلال دفع هذا التوهم الذي أشكل على الصحابي سعد رضي الله عنه لما قال: أفي الوضوء إسراف؟ ثم تأمل معي هذا التوجيه النبوي العظيم عندما قال صلى الله عليه وسلم نعم وإن كنت على نهر جار، وقد يقول قائل: وهل سينقص الوضوء من النهر الجاري الماء حتى ينكر النبي على سعد هذا الانكار؟ قلنا: الأمر أعظم من ذلك، وأبعد من ذلك.
القضية يا أخي قضية تربية على مبدأ وعلى خلق عظيم.. إنه خلق الاقتصاد والابتعاد عن خلق ذميم ألا وهو (التبذير والإسراف).
وهذا الحديث العظيم يشير إلى قضية مهمة، ويحذر من مرض يصيب المجتمعات عندما يتعود أفرادها الأغنياء على الإسراف، وإذا ما أصابهم الفقر والعوز عندها سيلجؤون من أجل متابعة مسيرة الإنفاق إلى فعل أي شيء، ولو كلفهم ذلك التنازل عن أعز ما يملكون من عزة وكرامة وقيم فاضلة، والطامة الكبرى تكمن في تقليد الفقراء للأغنياء، وإذا تعود الفقراء على الإسراف وأدمنوا عليه فحدث ولا حرج عن حجم الانهيار الأخلاقي والدمار الاجتماعي الذي سيبتلى به المجتمع لأن المدمن على الإسراف سيفعل كل شيء من أجل الوصول إلى المال (بيع للذمم، رشوة، أكل للربا، سرقة، قتل، بيع للشرف والعرض.. الخ، وما خفي كان أعظم).....
لأجل هذا كله حارب الإسلام الإسراف، فاعتبر أن المبذرين من اخوان الشياطين، قال عز وجل :(وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا، إن المبذرين كانوا اخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ) (الإسراء 26-27)....
وحتى ترتدع النفس الأمارة بالسوء عن التبذير لزمها أن تردد دائماً وأبداً هذه الآية الكريمة إن المبذرين كانوا اخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا (الإسراء 27)....
و على كل عاقل أن يتدبر هذه المصيبة التي تقع على رأس المسرفين حيث يقول سبحانه وتعالى :(يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) (الأعراف 31).
فهل يقبل المسلم أن يكون خارجاً عن دائرة محبة الله تعالى؟ ووالله إنها لخسارة عظيمة.
وكيف يسعد في دنياه من لا يحبه الله عز وجل؟
ألا يفكر يوم يقف يوم القيامة بين يدي مولاه، وقد عصى أمره وعصاه؟ أنسي الحساب، أم غلبه هواه؟
أما بلغك قول الحبيب المصطفى: كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا غير مخيلة ولا سرف وقال يزيد مرة في غير اسراف ولا مخيلة (مسند أحمد).....
ويا ليتنا نسلك مسالك النجاة التي دلها عليها أعظم المصلحين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات، فأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه. وأما المنجيات: فالعدل في الغضب والرضى، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية (رواه الطبراني في المعجم الكبير).
(بتصرف بسيط)