جريدة صيدونيانيوز.نت / حروب نتنياهو لم تنتهِ بعد
Sidonianews.net
-----------------------
الجمهورية / جوني منير
يكفي ما أعلنه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عقب اجتماعه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب من أنّه أنهى «زيارة ناجحة جداً فاقت كل توقعاتنا وأحلامنا»، للخروج باستنتاجات تؤشر إلى أنّ مشروع تغيير وجه الشرق الأوسط، والذي كان أشار إليه مع بدء الحرب على غزة يتّجه للتبلور أكثر فأكثر.
وإذا ألقينا نظرة سريعة على مآل الساحات الثلاث التي كانت تُعتبر مناطق نفوذ لإيران، والتي شهدت حروباً تدميرية، والمقصود بها غزة ولبنان وسوريا، فإننا نرى أنّ التبدّلات العميقة التي طاولتها أسست لمعادلات إقليمية جديدة وتحولات عميقة في بنيتها السياسية. وكان واضحاً دخول النفوذ التركي من البوابة السورية العريضة، وتحرّك السعودية إنطلاقاً من الساحة اللبنانية. في وقت تقف غزة أمام المجهول، والذي ضاعف من غموضه كلام ترامب الصادم. فزيارة نتنياهو للبيت الأبيض كأول مسؤول أجنبي يستقبله ترامب في بداية ولايته الثانية، صنّفتها الصحافة الإسرائيلية بأنّها الأكثر أهمية لرئيس حكومة إسرائيلية إلى العاصمة الأميركية منذ عقود. وتجلّى ذلك بوضوح على المستوى الفلسطيني مع كلام ترامب حول تهجير الفلسطينيين من غزة ونيته وضع اليد عليها لتصبح «ريفييرا» الشرق.
هذا الكلام غير المألوف لرئيس أميركي ألزم البيت الأبيض بالتدخّل والعمل على محاولة تلطيف الوضع، ومعتبراً أنّ كلامه بمثابة إعلان لخطة «جريئة»، على حدّ وصفه، لضمان السلام الدائم في غزة. فكلام ترامب أثار عاصفة من الإنتقادات داخل واشنطن، حيث سأله البعض، ماذا لو تحرك الصينيون في اتجاه تايوان وتعاملوا معها تماماً كما تتعامل مع غزة، ماذا نقول لهم عندها؟ لكن هذا لم يحجب القلق مما بدا أنّه تفاهم في العمق بين ترامب ونتنياهو، ومعناه الفعلي تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وشطب «حل الدولتين». لا بل هناك أكثر، حيث لم يستبعد نتنياهو عودة الحرب مع حركة «حماس» أو حتى مع من وصفهم «أعداء» إسرائيل الآخرين في المنطقة بما في ذلك «حزب الله» وإيران. وصحيح أنّ الكونغرس الأميركي علّق صفقة بيع إسرائيل أسلحة وذخائر بقيمة مليار دولار، لكن هذا لا يحجب النيات والخلفيات.
ففي نظرة سريعة لمضمون الصفقة نرى أنّها تتضمن 4700 قنبلة ضخمة وزن كل منها 1000 رطل وبقيمة نحو 700 مليون دولار، إضافة الى جرافات مدرعة. وهذه الكمية الكبيرة من القنابل الضخمة تعزز الإنطباع بأنّ صفحة الحرب لم تطوَ بعد. لذلك، ربما آثرت طهران اعتماد الليونة والمرونة. ذلك أنّ ترامب كان قد وقّع مذكرة رئاسية تعيد فرض سياسة عقوبات صارمة على طهران، عازياً ذلك بهدف منعها من امتلاك سلاح نووي والحدّ من صادراتها النفطية. لكنه أبقى هذه المذكرة جانباً في انتظار نتائج تفاهمه مع السلطات الإيرانية.
فترامب يريد اتفاقاً حول النووي مع إيران، لكن وفق شروط صعبة كما يقول الإسرائيليون. وكذلك حول ساحات النفوذ الإقليمية. وفي المقابل، أبدت إيران ليونة حين صرّح وزير خارجيتها عباس عراقجي بأنّه إذا كانت العقبة الرئيسية أمام واشنطن هي سعي طهران للحصول على أسلحة نووية، فيمكن حلّ هذه المشكلة. كذلك فإنّ المتحدثة بإسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني أبدت تجاوباً غير مباشر مع دعوة ترامب للتفاوض، حيث قالت: «إنّ السياسة الخارجية لإيران تحرّكها مبادئ المصلحة، فضلاً عن الكرامة والحكمة». ولكن، قد تكون للمرونة الإيرانية أسباب أعمق ناتجة من تركيب معادلة إقليمية جديدة على أنقاض ما كان يُعتبر ساحات نفوذ إيرانية. فالكلام الذي أطلقه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان خلال استقباله نظيره السوري أو الحليف الجديد الوثيق احمد الشرع، يوحي بكثير.
أردوغان اعتبر أنّ فصلاً جديداً بدأ ليس في سوريا فحسب بل في المنطقة. وقال: «إن اتحاد قوتنا مع سوريا سيكون مهمّاً من أجل السلام، وسنؤسس معاً لمنطقة خالية من الإرهاب تماماً، وسنرفع العلاقات مع سوريا إلى المستوى الإستراتيجي». وكلام الرئيس التركي، والذي هو في الوقت نفسه الراعي الإقليمي الأول للسلطة الجديدة في سوريا، يحمل أبعاداً عدة، ويوحي بأنّه سيكون اللاعب الإقليمي القوي والحاضر في مرحلة إعادة رسم خريطة النفوذ في هذه المنطقة. فتركيا تريد إبرام اتفاق دفاعي مع دمشق يؤسس لوجود عسكري تركي مباشر من خلال إنشاء قاعدتين عسكريتين وسط سوريا.
وتسرّبت معلومات عن أنّ أنقرة تسعى لإنشاء قاعدتين جويتين، واحدة في مطار تدمر والثانية في مطار تيفور. كذلك تريد أن يخضع الجيش السوري لتدريب الجيش التركي ورعايته. وبذلك تصبح القوة العسكرية التركية في سوريا على توازن مع القوة العسكرية الروسية عند الساحل السوري، وفي الوقت نفسه تزداد المخالب التركية قوة لترهيب الأكراد. ومن المرجح أن تدفع أنقرة لاحقاً السلطات السورية إلى الطلب من موسكو إخلاء قاعدتي طرطوس وحميميم. وكذلك تصبح تركيا عبر السيطرة العسكرية المباشرة على وسط سوريا حائط الصد الذي يمنع إيران من الإلتفات غرباً أي في اتجاه شاطئ البحر المتوسط. لكن الساحة السورية ستبقى مرشحة لنزاعات متعددة قد تؤثر في طريقة تثبيت استقرارها. فعدا المطاردة التي ستحصل مع ما تبقّى من نفوذ إيراني في سوريا، إلّا أنّ هنالك بوادر منافسة بين المحور التركي ـ القطري والمحور السعودي ـ المصري. ولذلك مثلاً سارعت تركيا إلى الإمساك ببعض الأوراق في سوريا من خلال زيارة سريعة لوزير خارجيتها حقان فيدان لدمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد. وردّت أنقره التحية بالمثل حين شجعت الشرع لأن تكون الرياض وجهته الخارجية الأولى. فالإقتصاد السوري المتهالك قد ينذر بانهيار كل هذه التركيبة الطرية والفتية.
أضف إلى ذلك أنّ إيران وهي الخاسر الأكبر من كل ما جرى، ستشجع الذهاب إلى الفوضى التي قد تمنحها أوراقاً تعوّض لها بعض خسارتها الكبرى. ولا شك في أنّ إحدى أكبر خسائرها هي في خسارتها الممر البري الذي كان يربطها بـ«حزب الله» في لبنان. ويتردّد أنّ طهران تسعى للتعويض من خلال ممرات برية بديلة صغيرة ومتعرجة ومحفوفة بالمخاطر في الوقت نفسه. ويتردّد أنّ هذه الممرات البديلة يمكن تنفيذها من خلال طرق وعرة في جنوب سوريا وتصل إلى البقاع الغربي. ووفق ما سبق، يبدو أنّ الساحة السورية ستخضع لاختبارات قاسية مع انطلاق تركيا لتركيز مرجعيتها الإقليمية من خلال دمشق.
ومن هذا المنظار تتمسك السعودية بحضورها في لبنان لكي يكون مساعداً للمساحة التي تريد أن تتولاها داخل تركيبة السلطة الجديدة في دمشق. خصوصاً أنّ النزاع في لبنان لا يلحظ حتى الآن ولا حتى في المستقبل القريب تنافساً مع المحور التركي ـ القطري. ومن هنا جاءت زيارة رئيس الوزراء القطري للبنان بمثابة تقديم الدعم للرئيس اللبناني العماد جوزاف عون وللجيش اللبناني. وهو ما يعني ضمناً التسليم بالمرجعية السعودية للسلطة اللبنانية الجديدة. وبالتالي سيبقى النزاع قائماً ما بين المرجعية السعودية في لبنان والنفوذ الإيراني. وحققت السعودية خلال الأشهر الماضية نجاحات متتالية من خلال انتخابات رئاسة الجمهورية ومن ثم تسمية رئيس للحكومة ووصولاً إلى تأمين ولادة الحكومة، والتي تتضمن نقاطاً إضافية لمصلحتها، ولو أنّها ليست نقاطاً كاملة وواضحة. وفي المقابل، سُجّل تراجع في الحضور الإيراني نتيجة ما آلت إليه الحرب، والأهم الحاجة الماسّة للبنان إلى الدعم المالي السعودي، في وقت يعاني «حزب الله» من انقطاع طريق الإمداد البري المباشر مع إيران. هي الورشة الكبيرة لغزة وسوريا ولبنان مع ما يتضمن ذلك من سعي لتركيز واقع جديد وسط بروز لاعبين جدد ونزاعات من نوع آخر.
-------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار العالم العربي / حروب نتنياهو لم تنتهِ بعد