![](https://sidonianews.net/upload/news/multi_news_img/328089/news_328089_1739441746.18443b189db81bc1f358b0e676a377bb7e23.jpg)
جريدة صيدونيانيوز.نت / كامل جابر : مندلون النبطية يغادر مكانه من دون إذن
Sidonianews.net
------------------------
كامل جابر / منصة مناطق
هكذا، غادر المندلون الأخير في مدينة النبطية مكانه الأوّل بعد وجود وحنين داما أكثر من 150 عامًا، متربعًا على عرش الذكريات الحميمة والمراحل الأولى لحيّ الميدان في النبطية الذي تمدّد على أكتاف حيّ السراي الموئل الأساس لأبناء مدينة حسن كامل الصباح.
لكن من جرفه ونقل جسده أو جثته الصامدة بوجه السنوات العجاف وما مرّ من تقلّب طقس ومناخ، وما تعرّضت له النبطية من قصف وتدمير لم تزعزع بنيته المعماريّة الجميلة، كانت آخرها غارة على بعد أمتار قليلة أودت بدارة سعيد شاهين وولديه الوزيرين والنائبين السابقين غالب وفهمي شاهين، لم يتقدّم إلى السلطات المتخصّصة وفي طليعتها بلديّة النبطية بإذن يتيح له هذه العمليّة”.
منذ أيام قليلة سبقت تفكيك المندلون ونقله إلى أحد الأمكنة الخاصّة في النبطية، بحسب تأكيد جيران البيت الذي كان يحتضنه، بيت الشيخ محمّد قاسم بيطار، وُضع مندلون النبطية، وهو آخر مندلون بقي من المدينة القديمة على لائحة الجرد التي تقوم بها إحدى الجمعيّات المتعاونة مع بلدية النبطية تمهيدًا لحصر البيوت التراثيّة والمميّزة ونبش تاريخ بنائها وبُناتها الأوائل ووضع دراسات بكيفيّة الحفاظ عليها وتصنيفها كمواقع تراثية تعزّز تاريخ المدينة التراثيّ والأثريّ إن أمكن أو وُجد.
البلدية لم يعلمها أحد
وفي اتّصال مع رئيس بلدية النبطية المهندس خضر قديح نفى “أن يكون قد تقدّم أخيرًا شخص معيّن قريب أو بعيد من مالكي هذا العقار أو ورثته، أو أيّ جمعيّة معنيّة أو محدّدة بطلب إلى بلديّة النبطية لنقل هذا المعلم التراثيّ أو تفكيكه، وكذلك للقيام بأعمال جرف في محيطه، لا سيّما وأنّ هذا الموقع أو العقار لم يتعرّضا للاستهداف الإسرائيليّ المباشر أو للتدمير”.
وقال: “لقد فوجئنا بهذا الأمر، خصوصًا أنّ حديثًا سابقًا جرى في بلديّة مدينة النبطية بيني وبين رئيسها الشهيد الدكتور أحمد كحيل، حيث طلب إليّ قبل أشهر من اندلاع الحرب، وضع دراسة تتضمّن كيفيّة حماية هذا المندلون الأخير في النبطية، وإذا كان ثمة إمكانيّة لنقله لاحقًا بالتعاون مع مالكيه إلى مقرّ بلديّة النبطية أو أيّ مكان مناسب للحفاظ عليه وعلى ما يحمله من إرث ثقافيّ وقيمة تراثيّة وعمرانيّة وذاكرة جَمعيّة”.
يذكر أنّ مندلون آل بيطار كان واحدًا من اثنين في الحيّ المذكور، حي الميدان، تجاورا في المكان والتاريخ، أحدهما يعود إلى آل شمس بناه الراحل الحاج محمّد شمس إبّان الحقبة العثمانيّة قبل العام 1900 وأزاله أحد الورثة في العقدين الأخيرين من دون أن يتنبّه إلى قيمته التاريخيّة والعمرانيّة.
المندلون شكلًا ومضونًا
في اللغة “مندلون” كلمة سريانيّة وتعني نافذة زجاجيّة موجودة في أعلى الباب لإنارة الغرفة. ويُصنّف المندلون من فنّ العمارة التقليديّة والتراثيّة، وهو يتكوّن عادة من نافذتين معقودتين، تلتصق به من الدّاخل مصطبة تعلو عن أرض الغرفة، معَـدَّة للجلوس. ومن الخارج يتألّف من نافذة صخريّة، من جزئين، مقوّسة من أعلاها، ومغلقة بحجارة صخريّة مقطّعة؛ مستطيلة من أسفلها. ينقسم المربّع السّفلي إلى نافذتين، تعلو كلّ واحدة منها أقواس ثلاثة معقودة، تلتقيان في الوسط على عمود طوليّ متوّج منحوت من حجر صخريّ، وتتّكئان من الجانبين على حجارة متراكمة بشكل عمودي.
مندلون آل بيطار كان واحدًا من اثنين في حي الميدان، تجاورا في المكان والتاريخ، أحدهما يعود إلى آل شمس بناه الراحل الحاج محمّد شمس إبّان الحقبة العثمانيّة قبل العام 1900 وأزاله أحد الورثة في العقدين الأخيرين من دون أن يتنبّه إلى قيمته التاريخيّة والعمرانيّة.
تتألّف الأقواس الصغيرة عادة، من ثلاثة أحجار مقطّعة مستطيلة، تتمّم بعضها بعضًا، ويشكّل حجر الوسط نصفها من الجهتين، تتوسّطه زهرة أو نجمة (أو شعار الدولة العثمانيّة) أو أيّ شكل من أشكال هندسيّة منحوتة، وهو (الحجر) الذي يتّكئ على عمود الوسط.
وقد صُنّف المندلون من فنّ العمارة الإسلاميّة، وشاع بناؤه في لبنان أيّام حكم الأمير فخرالدين المعنيّ الثانيّ، وتشتهر بنماذجه الخلاّبة، بلدة دير القمر (الشوف) المعروفة تاريخيًّا بعاصمة الشهابيّين، وكان في النبطية نموذجان أخيران معروفان من هذا الفنّ الهندسيّ المعماريّ الجميل قبل هدمهما.
النقل وفق معايير علميّة
ويشير منسّق المبادرة الوطنيّة للتصدّي لنتائج العدوان الإسرائيليّ على لبنان (أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانيّة) المهندس الدكتور حبيب إبراهيم صادق إلى أنّ “كلّ العناصر المعماريّة التراثيّة أو الأثريّة أو الفنّيّة التي تتعرّض إلى مخاطر لها علاقة بالكوارث الطبيعيّة أو الحربيّة أو المناخيّة، كالمطر أو الشمس أو الرطوبة، وهي تحصل في جميع البلدان، يتمّ نقلها أو القطع الأساس منها واستبدالها بقطع منقولة أو نسخة عنها كي تحفظ القطع الأصليّة إمّا في متاحف، أو في أمكنة بعيدة من الحال التي تحوطها كالدمار أو الانهيار أو ما يحتّم ضرورة نقلها فيتم ذلك”.
ويَفترض الدكتور صادق “أن تخضع هذه العمليّة إلى مجموعة من المعايير التقنيّة التي لها علاقة بمهمّة الحفاظ عليها سليمة ومنع الأسباب المؤدّية إلى تدهورها”. ويضيف: “في الواقع اللبنانيّ ليست هذه العمليّة منتشرة بقدر ما هي عمليّة وضع اليدّ على بيوت قديمة تتعرّض لخطر الانهيار، خارج القانون والرقابة، مع العلم أنّه يمكن أيّ سلطة وبالتحديد البلديّة، أن تصنّف مبانيها وتحدّد إذا كانت تراثيّة أو تاريخيّة وتخضع للقوانين المرعيّة الإجراء، أو إن كانت تخضع لقانون الآثار أو خاضعة للائحة الجرد العام أو إضافتها على لائحة الحماية”.
كي لا تصبح عناصر للزينة
ويقول صادق: “انطلاقًا من هنا، السائد عندنا في لبنان أنّ هناك بيوتًا قديمة تنهار أو معرّضة للانهيار، فيأتي من يأخذ حجارتها أو نوافذها أو أبوابها وعتباتها أو عناصرها المعماريّة لاستخدامها في أبنية أخرى فتتحوّل إلى عناصر زينة في بعض القصور أو بعض الأماكن الخاصّة، هذا للأسف واقع نعيشه، وفي مطلق الأحوال فإنّ مسألة نقل القطع ممكنة، معماريّة كانت أو فنّيّة أو تراثيّة أو أثريّة، ويتمّ نقلها من موقعها للحفاظ عليها وحمايتها ووضعها في المتاحف ضمن شروط لها علاقة بالمحافظة على استمراريّة وجوده”.
ويختم المهندس صادق “الأمر عينه بخصوص العناصر المعماريّة، إذ يمكن أن ننقل بيتًا بحدّ عينه بعد تفكيكه ثمّ إعادة تركيبه وفق معايير علميّة، إذا ما وجدت إمكانيّة، أو تقييم على المستوى الاجتماعيّ أو إدارة المكان، أو إدارة الدولة باعتباره معلمًا أثريًّا يجب الحفاظ عليه أو حمايته أو نقله إلى متحف أو التحفّظ عليه لتأمين صيانته”.
مندلون يفوق 150 عامًا
يقول حفيد باني الدار رئيس مصلحة الاقتصاد وحماية المستهلك في النبطية محمّد بيطار “سبق لي وأن عرضت أمر الخطر المحدق بالمندلون على رئيس بلديّة النبطية الشهيد الدكتور أحمد كحيل وناقشنا بوجود عدد من المهندسين إمكانيّة نقله إلى مكان آمن بما يحفظ تاريخه وذاكرته الجماعيّة وهيكليّته المعماريّة، وكان النادي الحسينيّ في النبطية هو أحد الأمكنة المحتملة لنقله إليه، على أن يعاد جمعه ووضع بلاطة أو لافتة تشير إلى تاريخه وعمارته”.
ويؤكّد بيطار أنّ “المندلون تضعضع بعد العدوان الأخير على حيّ الميدان ولاحظنا أنه بات آيلًا إلى الانهيار أو السقوط بعد انهيار قطع منه فأبلغنا السيّد مهدي صادق من النادي الحسينيّ الذي حضر مع أحد المهندسين والعمّال وقاموا بتفكيكه ونقله لإعادة جمعه لاحقًا”.
وعن تاريخ البناء يشير بيطار إلى أن “جدّي الشيخ محمّد قاسم بيطار هو من بنى البيت الأساس نحو العام 1860 وكان بمثابة حوزة دينيّة ولغويّة، إذ فيه علّم كثرًا من أبناء المدينة والجوار، وكان كذلك بمثابة ديوانيّة للفقه واللغة يجمع فيها أهل العلم والدين، ولاحقًا سكن الدار والدي الدكتور حيدر بيطار وهو أوّل طبيب أسنان في النبطية والمنطقة قبل أن يؤول البيت أخيرًا إلى ابن عمّنا علي بيطار”.
---------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / كامل جابر : مندلون النبطية يغادر مكانه من دون إذن