https://sidonianews.net/article329475 /إنتخابات بلدية بنكهة سياسية
صيدونيا نيوز

جريدة صيدونيانيوز.نت / إنتخابات بلدية بنكهة سياسية

 

Sidonianews.net

----------------------

الجمهورية / جوني منير

أيامٌ قليلة تفصل عن المرحلة الأولى من الإنتخابات البلدية، وعلى رغم من ذلك فإنّ الحماسة الشعبية التي تواكب عادةً الإستحقاقات الإنتخابية اللبنانية لا تزال في مستويات غير مرتفعة. وقد يكون مردّ ذلك بالدرجة الأولى إلى الفترة الزمنية الضيّقة ما بين إقرار حصول هذه الإنتخابات رسمياً، وبين موعد فتح صناديق الإقتراع، وسط تشكيك باحتمال تأجيلها. لكن ثمة أسباباً أخرى ترتبط إلى حدّ كبير بانقلاب المعادلات والقواعد التي نشأت طوال العقود الماضية نتيجة التبدّلات السياسية التي أحدثتها الحرب الإسرائيلية على لبنان، إضافة إلى الحسابات السياسية، والتي تضع الإستحقاق النيابي بعد سنة واحدة من الآن في ميزان الحسابات والتحالفات والأوزان.

تجهد القوى السياسية لمقاربة الإستحقاق البلدي بشيء من الحذر، ما يجعلها تختبئ خلف اعتبارها أنّ ظروف المعركة البلدية تختلف بمقدار كبير عن معاني المعارك النيابية. لكن الحقيقة أنّ هذه القوى نفسها تعمل في الخفاء وفق حساباتها وأهدافها السياسية تحضيراً للإنتخابات النيابية وأحجامها للمرحلة المقبلة. فبين آخر إنتخابات نيابية في العام 2022 والإنتخابات المقبلة في 2026 تبدّلات جذرية وفوارق أساسية، ليس فقط بسبب الحرب المدمّرة التي شهدها لبنان، بل أيضاً مع الإنتقال من عهد الرئيس ميشال عون الى عهد الرئيس جوزاف عون، وانتقال البلد برمته من المرجعية الإيرانية إلى الرعاية السعودية. وبخلاف اعتقاد البعض، فإنّ حصر التبدّلات بالساحة الشيعية فقط هو اعتقاد مغلوط، وهو ما يستوجب أخذ العِبَر والدروس السريعة لنتائج الإنتخابات البلدية في الاعتبار، لا بل إجراء التقييم السياسي والشعبي الفعلي لها.

وبدءاً ذي بدء يبقى التحدّي الأساس على الساحة الشيعية هو في امتحان القدرة التنظيمية لحزب الله، وتبيان ما إذا ظهرت بوادر تبدّل في المزاج الشيعي. وقد تكون مناسبة تشييع السيد حسن نصرالله ومعه السيد هاشم صفي الدين نجحت في إبراز استمرار قدرة التأثير الكبيرة لدى قيادة حزب الله على شارعها. ومن المرجح أن تبقى هذه القدرة كبيرة في الإنتخابات البلدية، ما يدفع إلى استبعاد ظهور أي مفاجآت غير محسوبة. فالشارع الشيعي لا يزال يعيش اللحظة العاطفية الجياشة لغياب قائده التاريخي. لكن ثمة تساؤلات قد تدفع للبناء عليها مستقبلاً، خصوصاً في ظل مفاوضات أميركية ـ إيرانية تتضمن في إحدى عناوينها إعادة صوغ تعاطي إيران مع ساحات نفوذها في المنطقة، وفي طليعتها الساحة اللبنانية. وفي مقدّم هذه الأسئلة ما يتعلّق بالأزمة المالية للحزب والمرتبطة بوضع العائلات التي فقدت أماكن سكنها. والسؤال الثاني يتعلق بالعلاقة بين حزب الله وحركة «أمل». صحيح أنّهما يحرصان في كل مناسبة على تأكيد التنسيق الكامل بينهما وإيلاء قيادة المرحلة للرئيس نبيه بري أو الأخ الأكبر، وكذلك خوض الإستحقاق البلدي وفق القواعد نفسها التي كانت تحصل أيام السيد نصرالله، لكن لا أحد ينكر وجود «فوارق» في الرؤية السياسية بينهما، إن كان حول أسباب الإنزلاق في اتجاه الحرب أو حول طريقة التعاطي مع الرؤية المستقبلية، إنطلاقاً من المعطيات التي استجدت. وبالتالي قد تشكّل الإنتخابات البلدية إختباراً أولياً ولو ناعماً للمشهد الشيعي الجديد. كذلك هنالك الوجوه المصنّفة خارج الثنائي والتي بدأت تلوذ إلى العائلات. وهذه الأخيرة باشرت في رفع صوتها لاسترداد حضورها، وحيث يشكّل الإستحقاق البلدي مناسبة ملائمة لها. وشهد عدد من البلدات الشيعية نزاعات في هذا الإطار، ولو أنّها بقيت محصورة في مساحة ضيّقة. وبعيداً من أي أوهام فإنّ طيف السيد نصرالله سيكون حاضراً بقوة وسيدفع لضبط هذا الإستحقاق على صعيد عناوينه العريضة. لكن السؤال الكبير هو حول الإستحقاقات بدءاً من السنة المقبلة. فالمسافة الزمنية ستصبح أكبر والجرح سيبرد شيئاً فشيئاً، والحالة العاطفية ستتراجع بدورها، على الأقل هذا ما ترويه المحطات التاريخية.

وعلى الساحة الدرزية، هنالك عدد من الأسئلة. فالزعامة التاريخية لوليد جنبلاط لم تنجح بعد في تثبيت مرجعية تيمور. أضف إلى ذلك تراجع تأثير وليد جنبلاط نفسه على الدروز، وهذا ما ظهر مع نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة، حيث سجّل المجتمع المدني أو ما عُرف بمرشحي «الثورة» أعلى نسبة حضور مقارنة بالساحات الأخرى. كذلك وبسبب التماس الموجود مع دروز سوريا، تنامى حضور التيار المتشدّد، والذي لم يعد يماشي السلوك الواقعي لجنبلاط، أضف إلى ذلك تجاوز بعض الشرائح الدرزية القواعد الصارمة للتقاليد السياسية المتبعة، والتي قامت على أساسها الحياة السياسية الدرزية.

وثمة جوانب أخرى لا تقلّ أهمية، لا بل تشكّل هاجساً مكبوتاً لدى المكوّن الدرزي الذي يسجّل أدنى نسبة تكاثر بين المكونات اللبنانية الأخرى. وبالتالي هنالك التكاثر العددي للسنّة والشيعة في القرى والبلدات التي شكّلت سابقاً مناطق نفوذ جنبلاطية، وسط عودة خجولة للمسيحيين إلى قراهم وبلداتهم، ما يجعل الإكتظاظ الشعبي يجاور المساحات الخالية. وهو ما يرفع منسوب القلق من تمدّد واقع الشويفات ومحيطها. واستطراداً، تبدو التحدّيات كبيرة أمام الزعامة التاريخية لآل جنبلاط في مرحلة التحولات الكبرى في المنطقة. وبالتالي فإنّ الإنتخابات البلدية ستشكّل مناسبة لقراءة مدى التحوّلات الحاصلة وتأثيرها على الإنتخابات النيابية المقبلة.

أما الساحة السنّية فهي لا تزال في حالة عدم اتزان سياسي منذ خروج (أو إخراج) الرئيس سعد الحريري من الحياة السياسية اللبنانية. وقد يكون الحريري رصد بتمعن استمرار حال الفراغ السياسي السنّي، وهو ما أظهرته خصوصاً الإنتخابات النيابية 2022. أضف إلى ذلك نمو التيار الإسلامي المتشدّد بعد التطورات السورية الأخيرة، ووفق قاعدة أنّ الطبيعة تأبى الفراغ. ووفق الحسابات فإنّ هذا النمو يشكّل خطراً ليس فقط على المستوى اللبناني الداخلي وإنما أيضاً على الدول التي تتفاعل مع لبنان، بدءاً من الأردن ومروراً بالإمارات ودول الخليج. ولا شك في أنّ الحريري اعتبر أنّ تيار «المستقبل» هو الوحيد القادر على إعادة دوزنة الساحة السنّية ووفق بروتوكول سياسي جديد تحديداً مع السعودية، وعلى قاعدة طي صفحة الماضي بكل سلبياتها. ومن هذه الزاوية يمكن تفسير عرض القوة الشعبي والسياسي الذي تقصّده في ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن شيئاً لم يتبدّل، وبقيت أبواب السعودية مقفلة. لا بل إنّ الصيغة الوسطية التي تمّ استنباطها وتقوم على أساس إعادة إطلاق عمل تيار «المستقبل» برئاسة السيدة بهية الحريري لم ترَ النور. ذلك أنّ أي إشارة، ولو صفراء، لم تظهر. وتأتي الإنتخابات البلدية لتؤكّد استمرار غياب تيار»المستقبل». لكن سعد الحريري مصمّم على عدم البقاء خارجاً في الإستحقاق النيابي المقبل، وثمة تبريرات تمّ تسويقها في معرض قرار البقاء خارج الإنتخابات البلدية، كمثل أنّ إقحام تيار «المستقبل» في هذا الإستحقاق سيجعله يخسر جمهور اللوائح المقابلة وعائلاتها من دون حصد أي نتائج سياسية في استحقاق عنوانه إنمائي وعائلي. لكن معركة بلدية بيروت هي سياسية بامتياز، وهنا لا يصح عذر الحريري. وبصوت خافت يهمس أحدهم قائلاً: «ندرك جيداً حساسية الوضع، لكن لماذا على سعد الحريري أن يقوم بمجهود هائل ويدفع من رصيده لإنقاذ مرشحي جبران باسيل وسمير جعجع؟». لكن الأكيد أنّ الحريري متمسك بقراره خوض الإنتخابات النيابية المقبلة عبر لوائح مباشرة لتيار «المستقبل»، ولو من دون مشاركته الشخصية. ووفق مطلعين، فهو مصمم على قراره هذا أياً تكن الإعتبارات والظروف. لا بل فهو يدرس سبل ترتيب مسألة التمويل، إضافة الى التحالفات في حال استوجبت بعض الدوائر ذلك. في كل الحالات، تبقى الدروس السياسية للساحة السنّية من الإنتخابات البلدية في تبيان مدى نمو التيارات الإسلامية، خصوصاً في الشمال والبقاع وصيدا، والوقوف على انتخابات بيروت التي قد تفتح نتائجها مرحلة مختلفة عن السابق.

تبقى الساحة المسيحية والتي تختزن عدداً من الأهداف السياسية المغلّفة بعناوين إنمائية وعائلية. فـ«القوات اللبنانية» والتي سجّلت نمواً شعبياً واضحاً في موازاة تراجع أبرز خصومها، أي «التيار الوطني الحر» عملت على ترتيب تحالفات تؤسس لواقع سياسي جديد. هي تريد أولاً الإمساك باتحادات البلديات. وخلال مفاوضاتها كانت تطلب ذلك في وضوح وتُجري حساباتها على هذا الأساس. كذلك كانت تعمل على استنساخ وتطوير ما فعله العماد ميشال عون لدى عودته من فرنسا عام 2005. يومها جمع مختلف القوى الصغيرة والمتناقضة تحت عباءته، وعمل لاحقاً على إذابتها ضمن جمهوره وتحت قيادته. ومن هنا يعتقد المراقبون أنّ جعجع ومن خلال نسج تحالفاته، عمل على ضمّ الشخصيات وعدد من القوى المناطقية تحت عباءته تمهيداً لتذويبها مستقبلاً ضمن قاعدته، والإنطلاق إلى الإنتخابات النيابية سعياً للإمساك بالتمثيل المسيحي، بعد أن يكون أمسك بالمفاصل الإنمائية عبر اتحادات البلديات. وعندها قد يظهر بسلوك سياسي جديد.

لكن السؤال الأبرز هنا يبقى ما إذا كانت هذه الحسابات كافية للتعويل عليها لرسم صورة أولية لخريطة التحالفات النيابية؟ في الواقع هنالك سؤالاً أساسياً يتمّ طرحه في استمرار من دون وجود إجابة له، والمقصود به عن «حالة» رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في الساحة المسيحية وإمكانية ترجمتها على المستوى النيابي. عندها ستصبح الحسابات مختلفة بنحو كامل والتحالفات ستتبدّل جذرياً. لا شك في أنّ أي إشارة أو حركة لم تظهر من جهة عون ولا من المحيطين به، يستشف منها وجود رغبة لديه بترجمة حضوره الشعبي بكتلة نيابية. وجهدت بعض المؤسسات المتخصصة بالشأن الإنتخابي في محاولة لتقديم مشورتها ودراساتها وأرقامها في هذا المجال، لكنها لم تجد سوى أبواب مغلقة. وعلى رغم من ذلك تتمسك بعض الشخصيات المناطقية بأنّها تريد خوض الإستحقاق النيابي، ولو في شكل متفرّق، وعلى أساس أن تكون متناغمة مع توجهات قصر بعبدا. لكن حتى الساعة لم يظهر ما يوحي بوجود إشارات مشجعة. ومن هنا يعتقد بعض المراقبين أنّ «الملاطفة» الإعلامية التي يعتمدها جعجع أو باسيل على حدّ سواء تجاه رئيس الجمهورية إنما تهدف إلى عدم إثارته ودفعه للذهاب إلى دعم مرشحين للإنتخابات النيابية. فالأول يريد الإستئثار بالتمثيل المسيحي، وهو يعتقد أنّ الظروف مؤاتية لذلك وبعدها لكل حادث حديث. والثاني يخشى من تسرّب مزيد من قاعدته الشعبية وانتقالها إلى فلك رئيس الجمهورية. في المقابل هنالك من يضع قرار عون بالبقاء بعيداً من التوازنات النيابية بمثابة الخطأ الذي سيجعله عارياً على المستوى السياسي أمام قوى ستعمل على استهدافه لحساباتها الذاتية والخاصة. لأجل كل ما سبق، ستختزن حركة الإنتخابات البلدية ونتائجها مؤشرات نيابية وسياسية للحقبة الجديدة التي دخل إليها لبنان.

------------------------------

جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / إنتخابات بلدية بنكهة سياسية

 

 

 


www.Sidonianews.Net

Owner & Administrator & Editor-in-Chief: Ghassan Zaatari

Saida- Lebanon – Barbeer Bldg-4th floor - P.O.Box: 406 Saida

Mobile: +961 3 226013 – Phone Office: +961 7 726007

Email: zaatari.ghassan@gmail.com - zaataripress@yahoo.com

https://sidonianews.net/article329475 /إنتخابات بلدية بنكهة سياسية