https://sidonianews.net/article333651 /المعنى الأعمق لزيارة البابا للبنان
صيدونيا نيوز

جريدة صيدونيانيوز.نت / المعنى الأعمق لزيارة البابا للبنان

 

Sidonianews.net

----------------------

الجمهورية

جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة

أنهى البابا لاوون الرابع عشر زيارة تاريخية إلى لبنان، هي باكورة جولاته الخارجية بعد تركيا. وأتت هذه الزيارة التي اكتسبت بعداً خاصاً ومميزاً، في لحظة من اللحظات الأكثر حرجاً وخطورة التي يعيشها وطن الأرز، ويُخشى معها على سيادته واستقلاله وسلمه الأهلي، في ضوء السجال السياسي الحاد الذي اتخذ منحى طائفياً ومذهبياً، بين التلويح الدائم بأنّ الاجتياح الإسرائيلي على الأبواب، وهو على مرمى أيام بعد انقضاء هذه الزيارة التاريخية، وتوالي الشروط التي تسعى إسرائيل إلى فرضها على المسؤولين اللبنانيين، ودعوتها لهم إلى الأخذ بها من دون سلوك أي سبيل من سبل الاعتراض. «نفّذوا وإلّا ...!».

جاءت زيارة البابا لاوون فيما لبنان منقسم على نفسه في موضوع مقاربة تداعيات الحرب الإسرائيلية التي فتكت به بشراً وحجراً، وفي آلالية الميدانية التي يجب إعتمادها لتطبيق القرار 1701، وقرار وقف إطلاق النار الذي أُعلن في 27 تشرين الثاني 2024، وطريقة تنفيذ قرار حصر السلاح بيد الدولة.

زار الحبر الأعظم لبنان فيما تتملّك الفاتيكان خشية من انزلاق الأوضاع فيه إلى صدام، تكون نتيجته خسارة مضافة على مستقبل العيش الواحد الذي يشهد تعثراً في ظل نشاط البعض في الداخل الذي استغل الحرب على لبنان للدعوة إلى العبث بوحدته. جاء البابا ليقول إنّ الفاتيكان هو مع وحدة لبنان ويعارض تقسيمه وتجزئته، وإنّه مع وحدة اللبنانيين الذين يستظلون سماء واحدة، ويتقاسمون أرضاً واحدة، ويواجهون مصيراً واحداً. قال ذلك مباشرة وبأساليب شتى، وهو مصرّ على تبنّي مقولة سلفه البابا القديس يوحنا بولس الثاني «إنّ لبنان هو أكثر من بلد، إنّه رسالة».

لقد سعى كثيرون في الخارج، وانضمّ اليهم بعض مَن في الداخل، لثني البابا لاوون على عدم المجيء إلى لبنان في هذه الأجواء المضطربة التي تعيشها المنطقة، وفي ظل ما يحدق بلبنان من أخطار، منها احتمال إعادة إجتياح مناطق واسعة فيه لإنشاء منطقة عازلة دائمة، أو الذهاب إلى سلام أقرب إلى الاستسلام. بيد انّه لم يتزحزح عن موقفه، ولم يتراجع، مؤكّداً أنّ أهمية زيارته، انما تتمّ في وقت يحتاج لبنان إلى من يعضده ويشدّ أزره، ويزرع بذور الأمل في نفوس أبنائه بإمكان نهوض وطنهم، فيدعوهم إلى الثبات والثقة بمستقبله. كما يدعو المسيحيين خصوصاً، إلى عدم الإبتعاد عن نهج العيش معاً، في وطن يكون لجميع أبنائه واحداً موحّداً، وعدم المراهنة الّا على هذا الأمر. وبالفعل فقد أوصاهم بالوحدة في ما بينهم، ونصح القيّمين على الكنيسة أن يكونوا أقرب إلى شعبهم، ورصد معاناته، والوقوف إلى جانبه وتفهّم متطلباته.

على أنّ ما هو لافت في هذه الزيارة، هو الحوار المسكوني مع رؤساء الطوائف الإسلامية والمسيحية في ساحة الشهداء بوسط بيروت، التي شهدت إعدام كوكبة من أحرار البلاد، ونخبها، من جميع الطوائف، الذين كانوا في طليعة من دعوا إلى الانعتاق من نير الاستعمار في العام 1916. وكانت فرصة عبّر فيها المتكلمون عن معاني زيارة البابا، التي وصفت بالرسالة المباشرة إلى اللبنانيين، بأنّ العيش الواحد هو قدرهم، لا بل هو اللباس الذي لا يستطيعون نزعه.

وكانت المحطة الأهم من بين لقاءات البابا لاوون -المهمّة أصلاً- لقاؤه مع الشبيبة في بكركي، التي دعاها إلى الإيمان بوطنها والتشبث بأرضها وهويتها وعدم مواجهة ما يعترضها من تحدّيات بالهجرة والطلاق مع منابتها والجذور، بل بتعميق الانتماء إلى وطنها فعلاً لا قولاً، وإطلاق دينامية حضور وثبات ورفع التحدّي بالتحدّي وعدم الخوف. هذان اللقاءان يعكسان رهاناً فاتيكانياً على استمرار الحوار الدائم بين المسيحية والإسلام، وأنّ لبنان هو المسرح الأمثل لهذا الحوار، لما يضمّه من تنوع وينطوي عليه من تعدد.

وعوّل البابا على دور الشباب اللبناني في صوغ الهوية المستقبلية لوطنه، وتعزيز ثقافة الحوار والتلاقي والتفاعل الإيجابي مع آلاخر المختلف لبناء غدٍ أفضل، بما يساعد على بلورة السلام وتأسيسه على قواعد العدالة، وحق الناس في حياة حرّة وآمنة.

نصيحة البابا لاوون للكنيسة بالانفتاح على الشبيبة والوقوف على هواجسها، والإجابة عن أسئلتها الوجودية، وتفهّم مخاوفها، ومعالجة اهتزاز ثقتها بوطنها وكنيستها، هي امتداد لما قاله الحبران الأعظمان يوحنا بولس الثاني، وبندكتوس السادس عشر لدى زيارتهما لبنان سابقاً، وإن بصياغات مختلفة.

إنّ زيارة البابا لاوون الرابع عشر للبنان تجاوزت الدعم السياسي والمعنوي إلى ما هو أعمق: حماية لبنان من السقوط، ومنع تجويف مبرّر وجوده كوطن رسالة، في وجه من يريد أن يصبح ذا وجه أحادي، أو لبنانات منقسمة إلى فطائر جغرافية تضمّ «كمشة ناس متجانسين- متناحرين». وعندها لا يعود له أثر وتأثير.

البابا لاوون الرابع عشر حمل على لسانه رسالة تفاؤل، وفي قلبه نبضات الرجاء والأمل، وبقي على اللبنانيين أن يفقهوا معنى زيارته الأكثر من تاريخية لوطنهم، في ظل الأهوال التي يعيش.

--------------------------

جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / المعنى الأعمق لزيارة البابا للبنان

 

 

 


www.Sidonianews.Net

Owner & Administrator & Editor-in-Chief: Ghassan Zaatari

Saida- Lebanon – Barbeer Bldg-4th floor - P.O.Box: 406 Saida

Mobile: +961 3 226013 – Phone Office: +961 7 726007

Email: zaatari.ghassan@gmail.com - zaataripress@yahoo.com

https://sidonianews.net/article333651 /المعنى الأعمق لزيارة البابا للبنان