جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار مدينة صيدا / مداخلة النائب الدكتور أسامة سعد في جلسة مناقشة موازنة 2019 - مجلس النواب : حكومة معطلة وحسابات مخفّيّة وموازنة ملفّقة... استبشروا أيّها اللبنانيون...
المكتب الاعلامي للنائب اسامه سعد
دولة الرئيس، أيها الزملاء
موازنة الحكومة لا ترتكز على معطيات علمية دقيقة، ولا تراعي القواعد الدستورية والقانونية، ولا تتوفر فيها معايير العدالة.
والموازنة لا تحمل رؤية لتطوير القطاعات الإنتاجية في مجالات الصناعة والزراعة والسياحة والحرف والمهن وغيرها...
ولا تلتفت إلى تحديث إدارات الدولة ومؤسساتها...
كما أنها لا تبدّد قلق اللبنانيين، ولا تفتح أمامهم طاقة أمل تخرجهم من أزمات طالت واستفحلت.
والموازنة المعروضة حسابات وأرقام، نفقات وإيرادات ليس إلا ...
موازنة لا ترقى إلى مستوى مواجهة ما يتعرض له لبنان من تحديات.
دولة الرئيس
على وقع دوامة الخصومات والتفاهمات والمحاصصات بين أطراف الحكومة تتوالى الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والخدماتية فوق رؤوس اللبنانيين...
وبحجة الضرورة تفرض الحكومة على مجلس النواب التشريع خلافاً للدستور...
من موازنة متأخرة لأشهر ...
إلى اعتماد القاعدة الاثني عشرية لسنوات ...
إلى إقرار موازنة بدون قطع حساب لسنوات وسنوات ...
إلا أن التفاهمات بين الأطراف السياسية، أيّاً تكن ضروراتها، لا تبرر أبداً الانتهاك الفاضح والمتمادي للدستور.
ومن المؤكد بقياس مساحة البلد وعدد ساكنيه، وبحساب حجم اقتصاده وواقعه المأزوم، وبالنظر إلى تردي الأوضاع المعيشية وتراجع الخدمات على كل الصعد...
فإن الأرقام المتداولة صادمة ومفزغة ومحبطة في آن...
وتشير بوضوح إلى حجم ما تعرض له اللبنانيون من نهب وسرقة لأموالهم وثمار تعبهم وكرامتهم على يد المافيات المحمية من الحكومات المتعاقبة حتى اليوم ... كما تشير إلى فشل السياسات الاقتصادية والمالية لتلك الحكومات.
ومن بين الأرقام المتداولة:
• دين عام فاق 86 مليار دولار، ونسبته من الناتج المحلي تصل إلى 151 %.
• خدمة الدين العام أكثر من 8300 مليار ليرة بنسبة 32 % من إجمالي الموازنة.
• حوالي 5 مليار دولار عجز في ميزان المدفوعات في الفصل الاول من هذه السنة.
• 17 مليار دولار عجز في الميزان التجاري.
• 6,5 مليار دولار عجز الموازنة سنة 2018.
• أكثر من 24 مليار دولار صرفت على الكهرباء ولا كهرباء!! وحصة الكهرباء من الموازنة 10 %.
• ارتفاع أسعار الفوائد على الودائع والقروض بنسب عالية ما يشكل عائقاً أمام حركة الاستثمار، ويؤدي إلى تصاعد حالة الركود الاقتصادي.
• التباطؤ الاقتصادي إلى تصاعد ما يثير الشك في رهان الموازنة على رفع الإيرادات بنسبة 15,7 % عن سنة 2018.
• قيل إن الحكومة بصدد إصدار سندات بقيمة 11000 مليار ليرة بفائدة 1 % لتغطية احتياجات الخزينة، وذلك بالتفاهم مع مصرف لبنان والمصارف التجارية، غير أن شيئاً من هذا لم يحصل !!!
• من المعروف أن مصرف لبنان يقوم بتغطية التزامات الخزينة كونه الزبون الأول لإصدارات سندات الخزينة (35% من الدين العام لمصرف لبنان)، ويقوم بهندسات مالية لتأمين العملات الصعبة والحفاظ على سعر صرف الليرة، ما وفر أرباحاً كبيرة للقطاع المصرفي، وأدى إلى انخفاض احتياطات البنك المركزي أكثر من .210 %.
• ومن المستغرب ألاّ تعرض حسابات البنك المركزي على مجلس النواب، وألاّ يعرف المجلس عنها شيئاً !!
• معدل النمو سنة 2018 كان 0,2 % والتضخم عن نفس السنة 6 %.
• تقديرات الموازنة لسنة 2019 تشير إلى نسبة نمو 1,2 % ونسبة تضخم 1,7 % وهي تقديرات بعيدة كل البعد عن الحقيقة نظراً للمؤشرات الاقتصادية الحالية، بالإضافة إلى أن معدل التضخم في الفصل الأول من سنة 2019 بلغ 4 %.
• نسبة البطالة تفوق ال 36 % وأكثر من 40 % وسط الشباب.
• معدلات الفقر وصلت إلى حد سقوط أكثر من مليون مواطن تحت خط الفقر.
• تزايد عدد الشباب المهاجرين الهاربين من جحيم البطالة والعوز والإحباط.
• تدني كبير في مستويات المعيشة.
• مؤسسات اقتصادية تقفل بالجملة.
• الشباب لا يجدون مسكن .. وقانون الإيجارات تهجيري.
• أطفال وشباب يتسرّبون من التعليم لضيق الحال.
• مافيا النفايات تقتل الناس.
• مرضى يموتون على أبواب المستشفيات.
• زراعة مهمّشة وخسائر المزارعين فادحة.
هذا غيض من فيض الإنجازات الحكومية !!!
دولة الرئيس، أيها الزملاء
في ظل السياسات الاقتصادية الحالية، وفي ظل الإدارة الحكومية للدولة، فإن الرهان على قطاع النفط والغاز (وبلوكاته الطائفية) لإصلاح الأوضاع المالية والاقتصادية يصبح بلا جدوى، وقد يتحول لبنان إلى واحدة من تلك الدول النفطية التي تعاني شعوبها الفقر والحرمان.
وفي القطاع العام والمؤسسات العامة للدولة تخريب ممنهج، ومصادرة سياسية، ومحاصصات ومحميات يديرها مستشارون وأزلام، ما أدى إلى تخريب الإدارة وتشريع الفساد ومخالفة القوانين وهدر الأموال وسرقتها.
ويعرف اللبنانيون كيف أن التوافقات والحسابات الطائفية بين أطراف الحكومة قد أقفلت ملفات فساد، وأخفت أخرى...
وأصبحت مكافحة الفساد قضية أفرغتها الصفقات السياسية والمالية، وتحوّلت إلى شعارات فارغة بلا جدوى.
أمّا قطاع الخدمات فهو قطاع الأبواب المشرّعة للسرقة...
عشرات المليارات صرفت على الكهرباء والمياه والاتصالات والنفايات والصرف الصحي والطرقات وغيرها...
لكن النهب المحمي بالسياسة أعاد لبنان إلى زمن ما قبل الحداثة والتطور.
دولة الرئيس
هي أحاديث وهموم اللبنانيين اليومية ...
هي محل احتجاجاتهم المستمرة ...
هي قلقهم الدائم والمشروع على أمنهم ومعيشتهم ومستقبل أولادهم ...
أوليس استقرار البلد وأمنه رهن تفاهمات متأرجحة صعوداً وهبوطاً بين أطراف الحكومة ؟؟
في لبنان أزمات مستفحلة وملفّات حساسة...
الحكومة ترى أن معالجة الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية رهن الموافقة على موازنة "سيدر"، ولولا "سيدر" لما كانت هذه الموازنة...
و"سيدر" دينٌ بالمال ودينٌ بالسياسة...
و"سيدر" أصبح بذاته قضية، ملفاتها متشعبة ورعاتها متعددون: صندوق النقد، بنك دولي، دول مانحة، ناظر فرنسي، وكاوبوي أميركي .. الحكومة سلّمت أمرها لمعبودها "سيدر"...
وكأن لبنان بلا كفاءات وبلا عقول قادرة ومبدعة !!!
أما الملفات الحساسة فهي محل خلافات عميقة بين أطراف الحكومة...
- الاستراتيجية الدفاعية والمقاومة،
- الإخوة اللاجئون الفلسطينيون وصفقة القرن،
- العلاقات اللبنانية السورية وقضية النازحين السوريين،
- النفط والغاز والحدود مع فلسطين،
وغيرها من الملفات الخاضعة لمعادلات دولية وإقليمية ولبنانية...
من الواضح أنه بين أوضاع مالية واقتصادية واجتماعية مأزومة، وملفات حساسة وخطيرة، لا يبدّد "سيدر" المخاطر بل يزكّيها...
ومن المؤكد أن لبنان ليس بحاجة لحلول تأتيه بالسم المدسوس في العسل ...
لبنان بحاجة لحلول وطنية تصوغها عقول أبنائه المبدعة الصادقة ...
أيها السادة: سلّموا قضايا البلد لكفاءات البلد.
أيها الزملاء،
تتوالى الاحتجاجات الشعبية والقطاعية، رفضاً لما تحمّله الموازنة من أعباء على أصحاب المداخيل المحدودة، وما تسلبه منهم من تقديمات ...
الاحتجاجات تعلن رفضها الضريبة على معاشات التقاعد ...
وتطالب بصندوق التقاعد المستقل عن الخزينة.
ترفض الاحتجاجات تفسير وزارة المالية للمادة 18 من قانون السلسلة...
وهي ترفض أيضاً الاقتطاعات من العسكريين المتقاعدين ...
والاقتطاعات من صناديق التعاضد ...
وتطالب باستقلالية الجامعة اللبنانية وترفض تخفيض ميزانيتها ...
وغير ذلك من المطالب ..
إلا أن الحكومة تتجاهل المطالب وتدين الاحتجاجات ...
ولا تستمع لصوت الناس ...
وهي أيضاً لا تستمع لصوت الكفاءات اللبنانية المخلصة التي طرحت أفكاراً لإصلاحات مالية واقتصادية وإدارية ولزيادة مداخيل الخزينة وتخفيض العجز...
ومن تلك الأفكار:
- تخفيض سعر الفائدة نقطة واحدة ما يوفر 900 مليون دولار على الخزينة .
- التهرّب الجمركي عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية الذي ترعاه أطراف سياسية تصل قيمته إلى ملياري دولار .. إرفعوا أيديكم عن الجمارك، وأقفلوا المعابر غير الشرعية، حتى تزيد مداخيل الجمارك مليار دولار على الأقل.
- مليار دولار آخر يمكن تحصيله من التهرب الضريبي.
- إعفاء سندات الخزينة بالعملة الأجنبية من الضريبة خسّر الخزينة 208 مليون دولار بالسنة، و 2 مليار دولار من سنة 2004 حتى اليوم.
- استيراد النفط من دولة لدولة لمؤسسة كهرباء لبنان، وبدون وساطات، يوفر على الخزينة 500 مليون دولار سنوياً.
- فاتورة الدواء مليار و 200 مليون دولار. يكفي أن تعطي الحكومة توجيهاً للمؤسسات الضامنة بإعطاء الأفضلية للدواء الوطني حتى ترتفع حصة الصناعة اللبنانية من سوق الدواء مباشرة بمقدار 500 مليون دولار.
- فضلاً عن إجراءات مطلوبة لضرب واجتثاث المافيات في مجالات النفايات والمقاولات والكهرباء والاتصالات والمرافىء وغيرها ...
- ولوقف ما تمارسه من فساد وسرقه للمال العام...
ميادين النهب لا حصر لها ...
وموارد الدولة المنهوبة لا حدود لها...
غير أن الحكومة تلجأ للتفتيش في جيوب الفقراء ومحدودي الدخل !!!
الحكومة الحالية هي نفس الحكومات السابقة ولكن ببركة التسوية الرئاسية ...
جميعها تتحمل مسؤولية مآسي اللبنانيين ...
على الرغم من عددهم القليل ومساحة أرضهم الصغيرة صرفت تلك الحكومات ما يقارب 350 مليار دولار على مدى 20 سنة...
لكن بلا نتيجة تنفع اللبنانيين في صحتهم وتعليمهم وفرص عملهم وسكنهم وضماناتهم الاجتماعية...
أو في تطوير قطاعات الإنتاج التي يعملون فيها ويعتاشون منها...
أو في حقهم في الكهرباء والمياه والبيئة النظيفة...
أوحاجتهم لمواصلات لا تضغط على أعصابهم ولا تعرّضهم للحوادث المميتة...
ولإدارة شفافة تحترمهم ...
ولحقهم في استقرار سياسي ودولة مدنية حديثة تشبههم.
ولنا أن نسأل كما يسأل سائر اللبنانيين:
ماذا بعد يا حكومة لبنان؟
تقشف فوق تقشف ...
وديون فوق ديون ...
لماذا لا تاخذون موازنتكم التقشفية هذه وترحلون معها؟؟
فموازنتكم منحازة ضد المنتجين والمبدعين بسواعدهم وعقولهم ...
هي لتحالف المال والسياسة والسلطة ...
هي ليست للناس ...
موازنتكم حبر على ورق وحسابات عقيمة تحسم من هنا لتضيف إلى هناك ...
هي أرقام صماء لا تنبض بقضايا الناس ...
موازنتكم أموال تجبى قهراً لا عدلاً ...
أموال تصرف بلا رؤية وبلا برامج ...
هي لا تعالج أزمات ولا تؤسّس لنمو وازدهار...
موازنة بذريعتها انتهك الدستور مرات ومرات...
هل تعلمون أيها السادة أن انتهاك الدستور ينال من شرعية المؤسسات ويثير الفوضى والاضطراب العام.
موازنة الحكومة تبقي على الدين وتزيده ...
ولا تعالج أعباء خدمته وتبعاته على الاقتصاد والأوضاع المعيشية...
هي لا تطمئن اللبنانيين على عملتهم ولا على قدرتها الشرائية ...
لقد تجرأت الحكومة على القطاع العام فعاثت فيه فساداً وحشواً واستحواذاً...
وها هي موازنتكم تحاصره، وتقلّص أدواره، وتحرمه من طاقات الشباب لسنوات.
وبعد سنوات من القهر والإذلال ونهب أموال اللبنانيين...
كشفت الموازنة أحجيات الكهرباء والاتصالات والنفايات وغيرها من الأحجيات ...
إنها الخصخصة المشفوعة بالتفاهمات والشراكات والصفقات والسمسرات والمحاصصات ...
هنا الفساد الصارخ والسرقات الموصوفة.
دولة الرئيس،
خبراء لبنانيون قدموا أفكاراً مبدعة لتصحيح الوضعين المالي والاقتصادي، وللبدء بمسار جديد يخرج اللبنانيين من مآسيهم ...
لكن الإنكار ورفض الحكومة مناقشة الرأي الآخر هما المأساة ذاتها ...
واللبنانيون ملّوا مآسيهم ...
شبابهم يتسلحون بالغضب والثورة ...
ومن قال إن الهجرة أو الوقوف على أبواب زعماء الطوائف هما خيارهم الوحيد ؟
أكيد عندهم خيارات أخرى ...
حذار حذار من التنكّرللشباب وتهميشهم.
خلاصة القول: لا لهذه الموازنة البتراء ...
لا لموازنة "سيدر" ...
لا لموازنة إطالة عمر التفاهمات السياسية العقيمة ...
لا لموازنة شراء الوقت وإهداره ...
لا لموازنة تدفيع اللبنانيين المزيد من الأثمان ...
لا لموازنة استكمال المسار الانحداري.
وأتشرّف بتوجيه التحية لطلائع الدولة المدنية الحديثة ...
التحية لأساتذة الجامعة اللبنانية ...
التحية لطلابها ...
التحية للمتنورين في كل مراكز العلم والمعرفة، للمثقفين المبدعين ...
التحية للمتقاعدين المدنيين والعسكريين ...
التحية لروابط المعلمين وموظفي القطاع العام ...
التحية للشباب، ومن بينهم أولئك الناجحون في مباريات مجلس الخدمة المدنية
التحية لحماة الطبيعة المعترضين على تدمير مرج بسري ...
التحية للناشطين البيئيين وللمجتمع الأهلي ...
التحية للمنتجين الكادحين، للعمال والمزارعين والحرفيين وأصحاب المهن الحرة، لأصحاب البلد وحماته من كل الشرور...
التحية لكل المحتجين على سياسات الحكومة ...
التحية للحراك الشعبي للإنقاذ ...
التحية لكل صوت يسقط هذه الموازنة في البرلمان.
2019-07-17