الصورة عن موقع الألوكة

جريدة صيدونيانيوز.نت / عندما يصبح الثراء بلا لذة

صيدوينانيوز.نت/ أقلام ومقالات /حديث الجمعة /عندما يصبح الثراء بلا لذة

 

في أحد الليالي الهادئة ذات الأجواء الساحرة كنت أسامر بعض الخلان وكان أحدهم مكروبا مهموما فسألته مالذي أكربك؟ قال تجارة خضت غمارها فبادت جل أموالي بها، وأنا منذ أمد على ما ترى من الكمد والضيق. ولأني خليله علمت أن ما نقص من ماله لا يزيد عن الربع، أي أنه لا يزال ميسورًا ومن صنف الأثرياء الأغنياء.
على الضفة الأخرى كان من بين الرفاق الجالسين رجلًا يعيش كفافًا، لا يعاني فقرًا ولا يرتع في غنى، فهو يملك ما يُمتِّع نفسه من مال، لكن لا ينصرم الشهر إلا وينفد راتبه سوى بقية من فتات. بادرته مخاطبًا كيف هي حياتك، قال أظن أني من أسعد الخلق حياة وأهنئهم عيشًا، ثم تلى علي عبارة علمت أنها المفصل المحرك للسعادة ومحط الاختلاف بين هذا الرجل وصاحبنا السابق، قال (مكينة) توليد السعادة في حياتي هي راحة البال واطمئنان الخاطر، وذلك لأنه ليس لدي مال عظيم أخشى فقدانه أو تجارة تؤرقني ذبذباتها ومعاملاتها، وليس بي فقرًا أو دين يحجب فرحي وسروري.

يتضح فعلًا أن صاحبنا الأول لم تزده أمواله إلا همًا بينما الآخر لم تزده فقدانها إلا اطمئنانًا وسكونًا.

المال من أسباب السعادة لا ريب، لكن تأكد أن الثراء إن تخطى حدًّا معينًا يغدو رقمًا يرفع الحساب لا أثرًا يرتقي بالسعادة، إلا أن يكون ضخًا في سبل العطاء والخير.
دعني أوضح العبارة الأخيرة بهذه الفلسفة البسيطة.. المال يا صاحبي يشتري لك لذتان.. لذة استهلاك ولذة عطاء، الأولى تملؤك رفاهية وسعادة والثانية تغمرك رضى وسعادة أيضًا.. غير أن الرضى شعور لذيذ طبعه طول المكوث ولا يصاحبه الملل وفوق ذلك ينمو مع نمو العطاء والبذل أما الرفاهية فهو شعور لذيذ أيضا لكن عمرها قصير ويعكرها الملل وتتوقف عند حد معين حتى وإن زاد الإسراف في الاستهلاك....

وتحضر هنا الآية الكريمة ألتي يقول الله فيها : 

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى*وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾(الليل :5-7)

 ما هي اليسرى؟ هو الشيء الذي يسرك بدءاً من لحظة التوبة وإلى الأبد، فإذا أعطيت واستقمت وآمنت فعرفت الله أولاً، واستقمت على أمره ثانياً، وفعلت الصالحات ثالثاً، فسوف ييسرك الله سبحانه وتعالى لليسرى في بيتك، وعملك، وصحتك، وزوجتك، وأولادك، ومكانتك، وكلما ازداد العمر يوماً ازددت سعادة وقناعة وتبصرة ومكانة وعلماً، فإذا جاء الموت بدأت السعادة الكبرى التي وُعِدت بها، وعند الموت يحس الإنسان أن كل عطاء أعطاه الله إياه في الدنيا ما هو إلا دفعة صغيرة من الحساب، دفعة تشجيعية.(موسوعة النابلسي /الانترنت)

2019-10-04

دلالات: