عمر صائب الهاني بطل العالم في الكيك بوكسينغ لبناني ابن 9 سنوات..تعلم فنون القتال على يد البطل الدولي أحمد ماجد
مجد بو مجاهد المصدر: "النهار"
أمسكت بيديه، وأخذته الى النادي. حضّته وشجّعته على ممارسة رياضةٍ ما كان سواها يجرؤ على اختيارها. كان عمر صائب الهاني يومها ابن أربع سنوات، ولم يكن يدرك ما تفعل أمّه. لكن كان يشاهد الرياضين بقفازين ضخمين على شاشة التلفزيون، وتسحره المشهدية. المكان الذي وصل اليه للمرّة الأولى لم يكن يشبه ملعب كرة القدم، ولا مدرج كرة السلة. إنه نادٍ يتقنون فيه رياضة "الكيك بوكسينغ". كثيرون لا يعون فحوى القرار الذي اتخذته "الماما" عادلة دياب. لم تبعث به الى حربٍ قتالية، كما يعتقد البعض. بل الى مكانٍ يبعده عن آفات المجتمع. لم يذهب ليصارع، بل ليرتقي بكيانه الى مرتبةٍ أعلى في الأخلاق والتهذيب. ذلك أن "الكيك بوكسينغ" تساهم في تنمية شخصية الولد على أسسٍ نبيلة. والرياضيون الذين يتنافسون على الحلبة، لم يسبق لهم في حياتهم ان افتعلوا شجاراً تحوّل الى تضارب، أو اضطروا الى افتعال أي مواجهةٍ جسدية. ذلك أن اللاعب ليس "مشكلجياً شوارعياً".
انه يدخل معترك هذا النوع من الرياضة ليكتسب المزيد من الرقي في التعامل مع محيطه. الرياضة تهذّبه. تجعله يعي أسس الحياة. تنمي شخصيته على اساس بناء تكاملي في التدريب من الناحيتين التقنية والأخلاقية. تنشئه على النظام والمبادئ. حتى أن صائب، الذي صار منذ أيام بطل العالم في الرياضة الآنفة الذكرعن فئة الناشئين في المرحلة العمرية الممتدة بين 8 و12 سنة ـ وزن 30 كلغ، لا أحد يعي من رفاق صفّه في مدسة السيدة في بيروت، أنه يتمرّس بفنون قتالية. ذلك أنه مهذّب وخلوق ومعتدل البنية الجسدية (ناعم) كما يصفه عارفوه. ويوم عاد حاملاً معه اللقب البطولي من ايرلندا في بطولة شارك فيها قرابة 1300 لاعب عالمي، فاجأ زملاء مدرسته وأذهلهم. هم الذين لم يكونوا على دراية أن صائب "فنّان قتالي". هذا التلميذ الهادئ، الرصين، المتفوّق في علاماته، مثال المدرسة الأعلى، والأول في صفّه "يفعل هذا الفعل؟".
وإذا كان صائب، صائباً في علاماته، كما في هوايته، فإنه أيضاً حفيد صائبٍ آخر، أصاب في عالم الصحافة والاعلام، فغدا مدير الأخبار في "تلفزيون لبنان". نتحدّث عن الأستاذ صائب دياب، جدّ صائب الصغير ابن التسع سنوات، الذي سمّاه والده صائب تيمناً بعمّه الذي يعتبره بمثابة الأب، لا العم فحسب. الجدّ الذي لم ينجب الصبيان، بل في شجرته مقيّدةٌ أسماء ابنتين اثنتين، هما كلّ ما يملك. يقول دياب لـ"النهار" ان حفيده "بدأ مسيرته الرياضية عن عمر 4 سنوات، متخذاً اطار التدريب اليومي المستمر من دون انقطاع. اتقن "الكيك بوكسينغ" واذا به يفوز ببطولة البحر المتوسط لتكون تلك ثمرة مثابرة الاولى، قبل أن ينطلق الى ايرلندا ويعود بطلاً". وعن تفاصيل البطولة يشرح ان "صائب شارك في أربع مباريات ونافس أولاداً أكبر منه سناً من بريطانيا وويلز، وعاد بالميدالية الذهبية رغم تحامل اللجنة التي انحازت في المبارة الثالثة وحاولت التشويش، لكون الصبي لبنانيا، ويعتبره الغرب من أبناء العالم الثالث".
"أم صائب" كان لها الفضل الكبير في رسم درب نجاح ابنها. هي التي أجرت بحثاً موثّقاً يوم كان عمر ابنها 3 سنوات، لتختار له الرياضة الأمثل، فوضعت عينها على "الكيك بوكسنغ". لم يتلقّف الصبي الموضوع ايجابا بادئ ذي بدئ، ولم يحبها، ولكن بعد سنتين من التمرين المتواصل صار "مدمناً"، كما تقول عادلة الهاني لـ"النهار". وعن سلوكه المدرسي، تقول ان "زملاءه لم يكونوا على علم أنه بطل البحر المتوسط، ولا يصدقون أنه مقاتل شجاع، ذلك انه مهذّب ومنظّم ولائق، والبلطجة لا تمت الى سلوكه بصلة".
الجميع تحدّث.
ولكن أين صائب؟
ليس في المنزل!
ها هو في نادي "البانزاي" يتدرّب.
المكان الأحب على قلبه.
يريد الذهاب الى هناك، كلّما خرج من المنزل.
هناك، حيث قضى 5 سنوات من عمره، الى جانب الكابتن أحمد ماجد. المدرّب الذي له فضلٌ كبير على كثرٍ من أبطال لبنان. هو القائد ذو الروح الفكاهية، الذي تحدّث الى "النهار" عن تجربة ايرلندا، منوهاً بجهود البعثة اللبنانية تحت لواء الاتحاد اللبناني لـ"كيك بوكسينغ". هناك حيث تزعّم صائب ورفع اسم لبنان عالياً، الى جانب مشاركة يعوّل عليها لكلّ من جيوفاني فرّاية (نال برونزيتين عن فئتي "سيمي كونتاكت" و"لايت كونتكت")، وراين زيتوني (حاز برونزية عن فئة "لايت كونتاكت")
أما "الزعيم" صائب، ففاز ببطولة العالم عن فئة "لو كيكس"، وكاد يجلب ذهبية ثانية عن فئة لايت كونتكت، لولا خطأ الحكام البارز عملانياً في الفيديو، لكن الاعتراض لم يكن وارداً.
ندخل والكابتن ماجد في خبايا لعبة "الكيك بوكسينغ"، فيقول انها تبعد الاولاد عن "السيجارة والنرجيلة والمخدرات، ولو ان الأهل يعون ايجابياتها، لحضوا أولادهم على الانخراط فيها، نحو تكوين مجتمع متحضّر". ذلك ان الأوروبيين يعتبرونها لعبة مقدّسة تفيد مجتمعهم وتحمي الأولاد وتحافظ عليهم معنوياً. فالولد، وفق ماجد، يقارب الأمور من منطق عقلاتي إذا أراد الانخراط في اللعبة، وفي حال عدم تمتعه بالأخلاق لا يمكن ان يبرع فيها، بل يطرد تلقائياً.
يطلعنا ماجد على تجربته الشخصية هو الذي خرّج زهاء مئتي بطل عالمي، لم يفتعل أيٌ منهم أي شجار. المثالية صارت من نسيج شخصيته، بل انه ينطلق من قاعدة فنية ليخدم مجتمعه.
صائب كان يتدرّب خلال حديث الكابتن ماجد.
وعندما انتهى من التدريب جاء دوره في الكلام.
بصوتٍ يجمع الطراوة والعنفوان في آن واحد، ردّ صائب على المباركة. بكلماتٍ مقتضبة قال انها تجربة جيدة، "فقد ربحت وأنا ابن 9 سنوات". نسأله عن المستقبل، فيؤكّد ان "الكيك بوكسينغ" سيرافقه طيلة حياته كهواية الى جانب الاختصاص الجامعي.
ماذا تريد أن تصير يوم تكبر وتدخل الجامعة؟
"طبيب أطفال!"
2017-09-08