الرئيسية / أخبار لبنان /سياسة /شامل روكز أو لا حكومة
العميد شامل روكز والسعي إلى قيادة الجيش: فصل من كتاب "الدولة المستضعفة" تجربة حكومة الرئيس تمام سلام:...

العميد شامل روزكز (إنترنت ) صيدونيانيوز.نت

جريدة صيدونيانيوز.نت / شامل روكز أو لا حكومة

 

Sidonianews.net

---------

نداء الوطن

بقاء مجلس الوزراء أصبح عائقاً أمام ما يسعى إليه العماد ميشال عون لفرض تعيين قائد الجيش الذي يريد وفرض انتخابه رئيس الجمهورية. وجد مع التيار الوطني الحر أن خطتهم هذه لا تتقدم وأرادوا إطلاق النار على جهة معينة، فاستهدفوا الرئيس تمّام سلام. لم يكن لديهم مانع في فرط الحكومة من أجل فرض مناخ شلل في البلاد يؤدي إلى انتخاب عون. هذا الفصل من كتاب "الدولة المستضعفة" يتحدث عن السعي إلى تعطيل الدولة والمؤسسات من دون ندم.

لم تسجّل الذاكرة اللبنانية حدثاً كذلك الذي شهدته ساحة الشهداء مساء الخامس عشر من تشرين الأول 2015، حين تجمّع مئات المواطنين في ما سُمّي "وقفة شكر" لضابط في الجيش اللبناني أحيل على التقاعد.

بدعة غير مسبوقة قام بها مناصرو التيار الوطني الحرّ، لإكمال الصورة الأسطورية المرسومة لقائد فوج المغاوير السابق العميد شامل روكز، الذي ملأ اسمه الدنيا وشغل الناس وكاد يطيح الحكومة ويهزّ استقرار البلاد، منذ أن بدأ الحديث في ربيع ذلك العام عن تعيينات لقادة المؤسسات العسكرية، ورُشِّح لتولّي منصب قائد الجيش من قبل والد زوجته العماد ميشال عون.

اشتغلت آلة إعلامية كبيرة في الترويج للرجل وتوسيع دائرة الضوء حوله. بالغ العونيون، كعادتهم في كلّ شيء، في تحويله إلى أيقونة. نسبوا إليه "أخلاق الفرسان" وكتبوا أنه "إنسان لم تلوّثه أمراض العصر" وواحد من "رجال ترتجف الصخور إن مشوا عليها". ووصل الأمر بأحدهم، وهو اسم مشهور في عالم الفن، أن شبّه روكز، ابن بلدة شاتين البترونية، بالثائر الأرجنتيني تشي غيفارا الذي ساهم في انتصار الثورة الكوبية وبات رمزاً لها في العالم.

والواقع أن العميد روكز، الوسيم الطلعة الذي يبدو للمراقب أقرب إلى الشخصية الخجولة، عُرف بأنه رجل دمث وضابط مشهود له بالكفاءة، لكن بعض العسكريين السابقين يوجّهون انتقادات إلى أدائه في المعارك الكبرى التي خاضها على رأس فوج المغاوير، وتحديداً مواجهات نهر البارد مع تنظيم "فتح الإسلام" ومعركة عبرا مع جماعة الشيخ أحمد الأسير.

 

 

كتاب "الدولة المستضعفة"


وبخلاف النزاهة الشخصية والسمعة العسكرية الجيّدة، التي يشاطره إياها العشرات، بل المئات من ضباط الجيش اللبناني، لم يُعرف عن شامل روكز أيّ شيء آخر، يبرّر محاولة تخطّيه ثلاثة عشر من رفاقه العمداء الذين يسبقونه بالتراتبية والأقدمية، ويتمتعون بصفات وخبرات تخوّلهم تولّي منصب قائد الجيش.

ومع ذلك، تحوّل شامل روكز في مطلع أيار 2015 عنواناً في معركة جديدة من معارك العماد ميشال عون هدفها المعلن إجراء تعيينات على رأس الأسلاك العسكرية والأمنية، وغايتها المضمرة قطع الطريق على احتمال التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، وإخراجه من دائرة المرشحين الجدّيين لرئاسة الجمهورية.

التقى عون الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله مطلع أيار، وأخذ منه وعداً بالوقوف إلى جانبه في معركة ما سُمّي ملف "التعيينات الأمنيّة". تسلّح بهذا الموقف وبدأ يلوّح بخطوات لتعطيل أيّ قرار حكومي بالتمديد لقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، من بينها استقالة وزرائه من الحكومة.

رئيس مجلس الوزراء كان يعرف أنّ ملفاً على هذه الدرجة من الحساسية تحسمه القوى السياسية في ما بينها، ولا يبتّ داخل حكومته التي تجتمع بالكاد لتصريف ما أمكن من شؤون العباد. ولذا جاء ردّ فعله على هذه التهديدات هادئاً. دعا إلى مقاربة الموضوع بروحية وطنية وبمسؤولية تتجاوز المصالح الفئوية، وقال إنّ التعيين أفضل من عدمه، ولكن إذا تعذّر ذلك فيجب عدم التفريط بالاستقرار.

زاره نادر الحريري في الثامن عشر من أيار 2015 في السراي، ليبلغه أنّ الرئيس الحريري يفكّر في الموافقة على تعيين شامل روكز قائداً للجيش، شرط أن تجري الانتخابات الرئاسية قبل ذلك. وأوضح نادر أنه حتى لو تأخرت الانتخابات إلى ما بعد ذهاب روكز إلى التقاعد في أواخر العام، فبالإمكان استدعاؤه من الاحتياط لتعيينه قائداً للجيش كما حصل في الماضي مع العماد إسكندر غانم والعماد حنا سعَيْد. ومما قاله نادر الحريري إنّ سعداً يريد موافقة سلام على الاقتراح قبل المضي به، علماً أنّه ما زال مجرد فكرة لم يطَلع عليها أحد في محيط الحريري.

أبدى رئيس الوزراء تحفّظاً على هذا الأمر، لكنه قال في الوقت نفسه إنه لن يقف في وجه أيّ خطوة تتوافق عليها القوى السياسية وتساعد على تحسين المناخ العام في البلاد. وحذّر سلام من المضي في تنازل من هذا النوع من دون التأكد من تحقيق أي فائدة منه، كذلك نصح بدراسة المسألة جيداً قبل طرحها في التداول.

لم تبصر هذه الفكرة النور لأسباب عديدة، وبقيت الأمور تراوح مكانها.

 

 

 

الرئيسان تمام سلام وسعد الحريري


بدأ الموقف العوني يشهد منحىً تصعيدياً محمّلاً كالعادة بالبعد الطائفيّ. قال جبران باسيل بكل وضوح: "لن تكون هناك حكومة لا تقوم بتعيينات أمنية ولا تعيينات أمنية لا تكون لنا الكلمة فيها... موقع قائد الجيش ماروني والموارنة لهم الكلمة الأولى فيه... نحن بقينا في هذا البلد لأننا أصحاب كرامة وعنفوان. ممنوع أن يمسّ أحد بدورنا".

ميشال عون ذهب أبعد من ذلك. قال أمام وفود شعبية إنّ "قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية وكلّ الوظائف الأولى حقّ لنا، وأغلبية المسيحيين نحن نعيّنهم والحكومة تثبّت تعيينهم، ومن لا يعجبه فليضرب رأسه بالحائط".

بدا أن الحكومة مقبلة على مرحلة من الشلل، وبدأت الاتصالات بين القوى السياسية لبحث كيفية إدارة المرحلة في حال اعتكاف الوزراء العونيين. ارتفعت وتيرة التصعيد درجة إضافية، وقال تكتّل "التغيير والإصلاح" بعد اجتماع له منتصف حزيران إنّ رئاسة الجمهورية "مصادرة من قراصنة يتنكرون لمن يمثّل المكوّن المسيحي أوزن تمثيل".

بعد توقف دام ثلاثة أسابيع، دعا الرئيس تمّام سلام إلى جلسة لمجلس الوزراء، سجّل خلالها في مرمى التيار نقطة لمصلحة حكومته عبر إصراره على تمرير بند يتعلق بدعم كلفة النقل البحري للصادرات الزراعية والصناعية، رغم اعتراض العونيين وحلفائهم، الذين طالبوا بعدم بحث أيّ بند قبل إقرار التعيينات الأمنية.

سبقت الجلسة خطوة غير مألوفة أقدم عليها الوزير إلياس بو صعب حين أرسل كتاباً إلى رئاسة الوزراء يرفض فيه جدول أعمال الجلسة الذي أرسله سلام، معتبراً أن هذا الرفض هو واحدة من صلاحيات رئيس الجمهورية التي انتقلت إليه وكالة كعضو في مجلس الوزراء. وجاء الردّ من رئيس الحكومة في أثناء الجلسة قاسياً. قال:

"...معالي الوزير (بو صعب) لأول مرة في تاريخ انعقاد مجلس الوزراء، لأول مرة، يرد كتاب مكتوب ويوجد فيه اعتراض على جدول الأعمال. فقط للمعلومة. ثانياً، إن الدستور واضح. إنّ رئيس مجلس الوزراء يطلع رئيس الجمهورية (على جدول الأعمال). لا يتوقف لا عند موافقته ولا عند عدمها. إنّه يطلعه، ولا يوجد وصف لشيء آخر. وأنتم اطّلعتم عليه لا قبل 72 ساعة، ولكن قبل ثلاثة أسابيع. وبالتالي - اسمح لي معالي الوزير - إنّ الكتاب الذي أرسلته والذي تقول فيه بأنكم غير موافقين، ولا يوم بتاريخ مجلس الوزراء، رئيس الجمهورية نفسه لم يوافق.

 

 

الياس بو صعب ومحاولة المزايدة على سلام


ليس الوكلاء اليوم سيأخذون صلاحيات أو أدواراً لرئيس الجمهورية لم يكن يأخذها، فاسمح لي. نحن ولا يوم من الأيام أعطينا 96 ساعة كي ترد رسالة بأننا غير موافقين على كل جدول الأعمال. لا. نحن أعطينا للاطلاع، وقلنا إذا كان أحد الوزراء لديه ملاحظة أو لديه أي أمر يريد إضافته فإنه مرحب به، ولكن ليس بهذا الإطار. أن نأخذ الموضوع إلى سابقة دستورية، ولا إلى عرف حتى، بأن نرسل كتاباً وبأن نقول هذا الكلام في الكتاب. لا. اسمح لي معالي الوزير. إنني أعتقد أن هناك تمادياً في ذلك. دستورياً هو غير مقبول ولا عرفاً هو مقبول. إنني أتمني أن يكون هذا الكلام واضحاً. وطبعاً لسنا مضطرين لا أن نتفاعل ولا أن نتجاوب مع مثل هذه الرسالة....

اسمح لي أن أقول إنه من غير المقبول، لا الأسلوب ولا هذه الطريقة غير المسبوقة بكتاب، ولا القول بأننا لا نوافق على جدول الأعمال. فإنها لم تحدث بتاريخ لبنان... يا معالي الوزير، أنت لا تتكلم فقط باسمك. أنت تتكلم باسم تكتل. وأنتم ذهبتم إلى مكان من غير المطلوب أن يذهب إليه أحد، وآمل أن نعتبر هذه المسألة كأنها لم تكن لأنه إذا أردتم أن تصرّوا عليها وأن تتمسّكوا بها، فإن هناك تعارضاً كاملاً مع صلاحيات رئيس مجلس الوزراء".

وفي نهاية الجلسة طرح سلام موضوع دعم الصادرات الزراعية والصناعية، طالباً إقراره في مجلس الوزراء لأهمّيته. وانطلاقاً من الموقف الرافض لعدم بحث أي بند في المجلس قبل إقرار التعيينات الأمنية، اعترض جبران باسيل وإلياس بو صعب وساندهما وزيرا "حزب الله" محمد فنيش وحسين الحاج حسن. طلب رئيس الوزراء تسجيل الاعتراض والمضي في القرار، ودار سجال حاد بينه وبين الوزيرين العونيين انتقد فيه سلام ما سمّاه "البكائية" الدائمة التي يلجأ إليها التيار الوطني الحرّ داخل مجلس الوزراء وخارجه. ومما قاله:

"لا أحد أعطى بقدر ما أعطيت... لا أحد يأخذ ما تأخذونه يا معالي الوزير (باسيل) من يوم تأليف الحكومة... كفى نبكي ونقول إننا مظلومون ونحن سُحِب من طريقنا ونحن لا أحد يسمع لنا. لا. إننا نسمع مرة واثنتين وثلاث وأربع وأنت تعرف معالي الوزير (باسيل)... لقد سمعتها من كل الزملاء، لماذا تساير فقط جبران ولا تسايرنا... فإذاً إن هذه البكائية، بأننا نحن لا أحد يسيّر لنا ولا أحد معنا، لا اسمحولي فيها. لست أنا أولاً مسؤولاً عنها ولكنني لا أَقرأها بهذه الطريقة أيضاً ولا أراها بهذه الطريقة. أنا أرى شيئاً أهمّ مرحلياً، هو مسألة أن نعطي إشارة لهذا البلد بأننا لم نتخلّ عنه، وبأننا لن نسمح لأنفسنا أن ننتحر... ليسجل الاعتراض، وسيخلق أشكالاً وسيخلق أزمة، ليخلق... أنا لا أريد أن أكون مسؤولاً عن استمرار الحالة الانتحارية في البلد وليكن غيري مسؤولاً...

...إن كل المقاربة خلال سنة الشغور كانت وما زالت خاضعة للأخذ والعطاء... والمقاربة تدرّجت من التفاهم إلى التوافق الذي ذهب إلى الإجماع إلى أن بدأ التعطيل... واليوم اسمحوا لي أيضاً أن أتخذ موقفاً أو أن آخذ خطوة باتجاه مزيد من تخفيف التعطيل... أنا اليوم عندما أواجه بكلام مثل الكلام الذي ووجهت به، بأننا نرفض كل جدول الأعمال. لا. إن هذا تعطيل ولم يعد رأياً. لم يعد رأياً يستحق النقاش. هذا تعطيل لن أشرف عليه ولن أوافق عليه. أنا أمارس حقوقي وأمارس حقوق مجلس الوزراء. فتفضلوا إذا سمحتم. هذا هو الواقع... لا تستطيعون أخذ دوري. اسمحوا لي. أنا أقرّر ما يحصل على الطاولة".

ورفع الرئيس سلام الجلسة وسط اعتراض باسيل وبو صعب اللذين اعتبرا أنّ رئيس الوزراء فرض قراراً بالقوة ثم انسحب من الجلسة. وهذا ما كرّره العماد ميشال عون لاحقاً، مكرّراً لازمة "الاعتداء على الحقوق"، ومحذراً من الذهاب إلى "انفجار كبير".

كانت هذه الجلسة، التي كسر فيها تمّام سلام جدار التعطيل المفتعل، بمثابة الشرارة التي أشعلت موجة جديدة من التصعيد تميّزت بنبرة طائفية أعلى وبهجوم غير مسبوق على شخص رئيس الوزراء الذي بات يوصف بـ"الداعشي".

في احتفال لهيئة التيار الوطني الحر في المتن في الثالث من تموز 2015، لوّح العماد عون بالنزول إلى الشارع. لم يتردّد في القول إنّ المسيحيين في لبنان "معرضون لخطر وجودي" وإنّهم "مدعوون إما للسكوت والاضمحلال أو للتهجير بالسيف". وقال أيضاً: "يحاولون وضع اليد على مواقع المسيحيين في الدولة لكي تحزموا حقائبكم وترحلوا... ذنبنا أنّ المسيحيين عاشوا مع الكلّ والمسلمين لم يعيشوا مع بعضهم بعضاً".

أما باسيل فتحدث عن "داعش السياسية"، وقال: "في غياب الرئيس يسعون إلى القضاء على ما تبقى من صلاحياته واختزال رئاستي الجمهورية والحكومة في شخص رئيس الوزراء ليكون الآمر الناهي. هذا أمر لا يمكن القبول به وهو مسألة حياة أو موت بالنسبة لنا. رئيس الحكومة هو رئيس حكومة، ونحن الوزراء وكلاء عن رئيس الجمهورية وعليه احترام هذه المعادلة. أنا سأتصرف في مجلس الوزراء كأنني رئيس جمهورية".

ردّ سلام بهدوء قائلاً إن عون "يوجّه اتهامه إلى العنوان الخاطئ. أنا بالكاد أمارس صلاحياتي كرئيس حكومة فكيف أتّهم بالاستيلاء على صلاحيات رئيس الجمهورية؟". ومع ذلك استمر الهجوم الشخصي عليه.

ولكن لماذا تركّز الهجوم على تمّام سلام شخصيّاً وكأن هناك حرباً عليه من التيار الوطني الحرّ، علماً بأن المعركة كانت في مكان آخر؟ الجواب هو أن بقاء مجلس الوزراء أصبح عائقاً أمام ما يسعون إليه لفرض تعيين قائد الجيش الذي يريدون وفرض انتخاب رئيس الجمهورية الذي يريدون. وجدوا أن خطتهم هذه لا تتقدم وأرادوا إطلاق النار على جهة معينة، فاستهدفوا تمّام سلام. لم يكن لديهم مانع في فرط الحكومة من أجل فرض مناخ شلل في البلاد يؤدي إلى انتخاب عون.

دعا سلام إلى جلسة جديدة لمجلس الوزراء. استبقها العونيون بمسيرات سيارة في ما بدا أنه عملية إحماء لتحركات في الشارع. وقبل ساعات من الموعد، أقدم باسيل على خطوة غير مألوفة حين عقد في مقرّ وزارة الخارجية اجتماعاً حزبياً ضمّ وزراء التيار الوطني و"حزب الله" وتيار المردة وحزب الطاشناق لتنسيق المواقف. وأعلن في تصريح نشر صبيحة اليوم المحدّد للجلسة "اليوم يوم مفصلي يقرّر اتجاه البلد".

وبالفعل، كان التاسع من تموز 2015 يوماً مختلفاً.

---------


جريدة صيدونيانيوز.نت / أخبار لبنان / فصل من كتاب "الدولة المستضعفة" تجربة حكومة الرئيس تمام سلام:...شامل روكز أو لا حكومة..العميد شامل روكز والسعي إلى قيادة الجيش

2021-09-07

دلالات: