Sidonianews.net
------------------
بقلم : خليل ابراهيم المتبولي
يا للسخرية ! السخرية تعبير عن معاناة وجراح ومأساة ، ولمس لأرواح متعبة بطريقة مبطّنة ، فالسخريّة موجعة أكثر من البكاء ، وهي مرتبطة بالضحك وأدابه ، وبالهزل المبطّن بالجد المؤديّة إلى حكم ومواعظ في أكثر الأحيان ، كما انها انتقاد لأناس لا يمكن انتقادهم بصورة مباشرة ، فيتمّ التورية بالهزل ، مما يؤدي إلى المتعة والتسلية ، وإيصال رسالة معينة .
السخريّة هي أدب الضحك من الآخرين ، بينما السخريّة المرّة هي أدب الضحك من الذات ، وفي كلتا الحالتين هي فن صعب وأداة مهمّة وراقية للنقد الإجتماعي والسياسي . في موروثنا الأدبيّ ، هناك العديد من الأدباء كتبوا الأدب الساخر كالجاحظ في البخلاء والهمذاني في المقامات وبشّار بن برد ، حتى المتنبي استخدم أسلوب السخرية في العديد من أشعاره . بالإضافة إلى أخبار الحمقى والمغفلين وأخبار الظرفاء ، وغيرها من الأشكال النثريّة . في السخريّة قدر كبير من الغمز واللّمز والهمز ، فكانت الفكاهة في السخريّة وسيلة لا غاية في ذاتها .
على سبيل المثال ، الجاحظ يعدّ من أبرز أعلام الأدب في العصر العباسي ، من ناحية الهزل والسخريّة ، وقد ألّف كتابًا عن البخلاء بطريقة السخريّة ، وكان يرى الجاحظ أن الضحك مشروع فنّي وفكريّ ورؤية للإنسان ، فقام أسلوبه في كتابه هذا على الأخبار والنوادر ، فذكر مواقف البخلاء وصفاتهم ، وقام بانتقادهم بطريقة مضحكة لاذعة ، وكان يرى أنّ الضحك ليس أمرًا عبثيّاً ثانويًّا بل يراه مهمًّا ، ويقوم بشحن طاقات النفس .
وفي العصر الحديث ، تمكّن الكاتب محمد الماغوط من أن يطوّع فن السخريّة بكتاباته ، ليصبح سيّد السخريّة العربية الحديثة بلا منازع ، وقد ساعده على نشر سخريّته وإظهارها انتشارًا واسعًا ومميّزًا الممثل القدير دريد لحّام (غوّار) . نستطيع أن نقول أنّ محمد الماغوط كاتب ساخر من طراز فريد في الأدب العربي الحديث ، ومن الصعب أن نجد كاتبًا فذًّا على غراره ، أو ناسجًا للروايات على منواله .
تتجلى السخريّة في أيامنا هذه بالكثير من المواقف السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة ، فبالرغم من المعاناة الاقتصاديّة والانهيار ، وتضخّم اللّيرة أمام العملة الأجنبية ، إلا أننا نرى الناس تعيش حياة عاديّة مقابل النق والانتقاد اليومي للوضع المعيشي ، تنكة البنزين على حدود الثمانماية ألف ليرة ، والناس بازدحام على محطات الوقود ، والحجّة أنهم يريدون أن يتنقلوا إلى عملهم ، ربطة الخبز على حدود العشرين ألف ليرة والناس تتقاتل فيما بينها للحصول على ربطة خبز ، والحجّة أيضًا أنهم يريدون أن يأكلوا ، وبالكاد الشخص منهم يحصّل راتبًا يكفيه لثلاثة أو أربعة أيام ، يا للسخريّة !
ننتقد الحكّام والمسؤولين ، ونعلم أنّهم فاسدون ولصوص ، وأنهم دمّروا مقومات البلد ونهبوها ، ومع ذلك نذهب يوم الانتخابات ونعيد انتخابهم لنولّيهم علينا من جديد ، يا للسخريّة !
إنّ كثيرًا من المباني التي يمتلكها أصحابها بفضل النهب والفساد الحكومي وتبييض الأموال وتهريب المخدرات ، وتجارة السلاح مكتوب بالخط العريض ومحفورة على مداخل هذه الأبنية " هذا من فضل ربي " كيف ذلك ؟ أليس هذا ما يستدعي الضحك ؟ يا للسخريّة !
أليست هذه الأمثلة من أكثر الوقائع تمثيلًا للسخريّة المرّة ؟ يا للسخريّة ! إنها واخزة وجارحة ودامعة وموجعة بالتأكيد ، وكأننا بالسخريّة هذه نموّه عن أنفسنا بأنفسنا ، ونضحك على حالنا بها ، يا للسخريّة !..
----------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار مدينة صيدا / خليل المتبولي : يا للسخريّة !..
2022-06-27