الرئيسية / المرأة والمجتمع /أقلام ومقالات /ملخص قصة الحياة التي تضمنتها صحف إبراهيم (عليه السلام)

جريدة صيدونيانيوز.نت / ملخص قصة الحياة التي تضمنتها صحف إبراهيم (عليه السلام)

صيدونيانيوز.نت / أقلام ومقالات / 

ملخص قصة الحياة التي تضمنتها صحف إبراهيم (عليه السلام)

ذكر القرآن الكريم صُحف إبراهيم (عليه السلام) في موضعين من القرآن الكريم ببعض ما تضمنتها؛ الموضع الأول في سورة النجم، والثاني في سورة الأعلى، وذكر المفسرون أنها صحائف أُنزلت على إبراهيم عليه السلام، وقال ابن عاشور إنها الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم، المذكورة في قوله: {وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلماتٍ فأتمَّهنَّ}، ثم قال: وهي صحف سجل فيها ما أوحى الله إليه، واختُلف في عددها، فقيل: هي عشر صحائف، وقيل عشرون صحيفة؛ ويذكر ابن عاشور أنها عشر صحائف. (صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام من خلال القرآن والسنة، ص42)

وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: {إنَّ هذا لفي الصُّحف الأولى (18) صُحُف إبراهيم وموسى (19)} [الأعلى:18]، وهذا يعني أن إبراهيم عليه السلام كان صاحب كتاب، فتكون الكتب التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على رسله، والتي ذُكرت في القرآن الكريم، خمسة كتب، وهي حسب التسلسل الزمني: صحف إبراهيم، والتوراة والزبور والإنجيل والقرآن، وتكون صحف إبراهيم عليه السلام أول ما نزل من الكتب، قال الطبري رحمه الله: وأما الصحف فإنها جمع صحيفة، وإنما عُني بها كتب إبراهيم وموسى عليهما السلام. (ملة أبيكم إبراهيم، عبد الستار كريم المرسومي، ص188)

وبيّن القرآن الكريم بعضا مما كان في تلك الصحف، وذلك في قوله تعالى: {قد أفلح من تزكَّى (14) وذكر اسم ربِّه فصلَّى (15) بل تؤثرون الحياة الدُّنيا (16) والآخرة خيرٌ وأبقى (17) إنَّ هذا لفي الصُّحف الأولى (18) صحف إبراهيم وموسى (19)} [الأعلى:14-19].

لقد اختار الله سبحانه من صحف إبراهيم -عليه السلام- هذه الكلمات؛ ليجعلها في القرآن الكريم قدوة اتباع ملة إبراهيم عليه السلام في أمور من الأهمية بمكان في هذا المنهج، فلقد جاء فيها قوله تعالى:

1. {قد أفلح مَن تزكَّى}: فلا يمكن الوصول إلى الله سبحانه وتعالى بغير نفس زكية نقية، و{مَن تزكَّى}: أي تطهر بالإيمان وصالح الأعمال بعد التخلي عن الشرك والمعاصي؛ ولهذا كان من دعاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "اللهم آتِ نفسي تقواها وزكّها أنت خير من زكاها، أنت وليّها ومولاها". وقد تكون بمعنى الصدقة، سواء كانت المفروضة منها أم التطوع وفيها: {وذكر اسم ربِّه فصلَّى}، فإن أفضل الأعمال قاطبة هي ذكر الله سبحانه وتعالى، والذكر يكون على كل حال ماشياً وجالساً، وفي حال الأكل والشرب، ولبس الثياب، وقبل النوم، وعند هبوب الريح، وعند ركوب الدابة، وعند النظر للقمر، وفي كل تفاصيل الحياة. (أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، أبو بكر الجزائري، 5/559)

2. {وذَكر اسم ربِّه فصلَّى}: كان ذلك أيضا في صحف إبراهيم عليه السلام، فالصلاة عماد الدين ونور اليقين، وهي الحبل الموصول بين العبد وربه سبحانه وتعالى، فلا غنى عنها، ولا حياة دونها، ولم يُسقِطها الله سبحانه وتعالى لا عن نبيّ مقرب، ولا عن عبد فقير، ولا عن مريض، ولا كبير؛ ومن صحف إبراهيم استلم بقية الأنبياء الرسالة، ومارسوا الصلاة بمعناها العام، سواء كان المقصود منها الدعاء أو العبادة التوقيفية من القيام والركوع والسجود وتلاوة كلام الله سبحانه وتعالى.

وعندما تكون الصلاة المعنية في قوله سبحانه وتعالى في صحف إبراهيم عليه السّلام {فَصَلَّى} هي الدعاء، فسيكون المعنى قد أفلح من دعا ربه، والدعاء لبُّ العبادة وأساسها في ملّة إبراهيم عليه السلام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة"، فمن أجل ذلك كان الدعاء يرافق إبراهيم عليه السلام في كل أحواله، وكان إبراهيم في كل أحواله يدعو ربه بأدعية صارت قبساً لاتباع ملته، يدعون بها إلى يومنا هذا، وقد حفظ القرآن الكريم لنا ذلك النور الرباني من أدعيته الخاشعة العظيمة.

وأما عندما تكون الصلاة هي العبادة التوقيفية، فقد كان إبراهيم عليه السلام قد دعا بها بقوله: {ربِّ اجعلني مُقِيم الصَّلاة وَمِنْ ذرِّيَّتي} [إبراهيم:40]، وهي دعوة جليلة تأتي من أهمية الصلاة، فقد كان قول إبراهيم عليه السّلام في دعائه ربَّه أن يجعله ربُّه {مُقِيمَ الصَّلاة}، فإقامة الصلاة على مراد الله هي المطلوب، وليس الصلاة فحسب. (ملة أبيكم إبراهيم، عبد الستار كريم المرسومي، ص192)

3. {بل تؤثرون الحياة الدُّنيا (16) والآخرة خيرٌ وأبقى}: أخبرت صحف إبراهيم -عليه السّلام- بأنه رغم الإشارات إلى دور الإنسان الإصلاحي في الأرض، والبشارات لمن عمل صالحا، والوعيد للكافرين والظالمين والفاسقين، وأن الحنيفية هي الميل عن الباطل إلى الحقّ والمداومة على ذلك الحق، إلا أن الإنسان سيميل ويقدم الحياة الدنيا على كل ذلك -إلا من رحم ربك- وسيؤثر الحياة الدنيا ويركن إليها، وهو مأمور بأن لا تكون هذه الدنيا هدفه، وغاية مُناه؛ لأنها دار فناء وليس بقاء، وما هي إلا لهو ولعب، قال تعالى: {وما هذه الحياة الدُّنيا إلَّا لهوٌ ولعبٌ} [العنكبوت:64[.

ثم يقول القرآن الكريم إن من الأمور المهمة في صحف إبراهيم عليه السلام، الحديث عن الدار الآخرة، وذلك في قوله تعالى: {والآخرة خيرٌ وأبقى (17)} والكلام عن الحياة الآخرة تأتي أهميته كونه من الأمور الاعتقادية التي لا يصلح الإيمان ولا الإسلام إلا بها، ففي صحف إبراهيم عليه السلام تختلف الدار الآخرة عن الدار الدنيا بأمرين:

الأمر الأول أنها خير منها؛ وهذا بدهيّ، ولكن بالنسبة للمؤمن فحسب، فتراه يعمل بعمل أهل الآخرة ولا يفعل شيئا يُغضِب الله تعالى، وهذه الأفضلية والخيرية لا تقارن، فنعيم الحياة الآخرة كبير جدا وعظيم جدا وكثير جداً بالنسبة لما في الدنيا، وحتى هذه الكلمات قد لا تفي، فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "مَوْضِع سَوْط أحدكم من الجَنَّة خير من الدنيا وما فيها".

الأمر الثاني أن الحياة الآخرة {أَبقى} من الدنيا؛ فهي حياة باقية لا تزول، فأهل الجنة خالدون فيها، وكذلك هم أهل النار أيضا، فإخبار القرآن عن أهل الجنة أنهم خالدون فيها أكثر من أن يُحصى، فمنه قوله تعالى: {للَّذين اتَّقَوْا عِند ربِّهم جنَّاتٌ تجري مِنْ تحتها الأنهار خالدين فيها} [آل عمران:15]، وأما أهل النار فهم أيضا في النار، يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذين كفروا وظلموا لم يكنِ اللَّهُ لِيغفرَ لهم ولا لِيهديَهم طريقًا (168) إلَّا طريق جهنَّم خالدين فيها أبدًا وكان ذلك على اللَّه يسيرًا (169)} [النساء:168-169]، وقال تعالى في الخطاب لأهل النار: {فادخلوا أبواب جهنَّم خالدين فيها فَلَبِئْس مثوى المتكبِّرين} [النحل:29[.

وقد جاء ما يدل أن هناك معانيَ أخرى في صحف إبراهيم وموسى، ومنها ما ذكره الله في سورة النجم في قوله تعالى: {أَمْ لم يُنبَّأ بما في صحف موسى (36) وإبراهيم الَّذي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِر وازرةٌ وِزْر أُخرى (38) وأَنْ ليس للإنسان إلَّا ما سعى (39) وأَنَّ سعيه سوف يُرى (40) ثُمَّ يُجزاه الجزاء الأوفى (41) وأَنَّ إلى ربِّك المُنتهَى (42) وأنَّه هو أَضحَك وأَبكى (43) وأنَّه هو أمات وأحيا (44) وأنَّه خلق الزَّوجين الذَّكر والأنثى (45) مِنْ نُطفةٍ إذا تُمْنَى (46) وأنَّ عليه النَّشْأة الأُخْرى (47) وأنَّه هو أغنى وأقنى (48) وأنَّه هو ربُّ الشِّعْرَى (49) وأنَّه أهلك عادًا الأُولى (50) وثَمودَ فما أبقى (51)  وَقَوْمَ نوحٍ من قَبْلُ إنَّهم كانوا هم أَظْلَمَ وأطغىٰ (52) والمؤتفكة أَهْوَىٰ (53) فَغَشَّاها ما غَشَّىٰ (54) فَبِأيِّ آلاء ربِّك تتمارىٰ (55) هذا نذيرٌ من النُّذُر الأولىٰ (56)} [النجم:37-56[.

قال الشيخ عطية سالم: فهذه كانت مما جاء في صحف إبراهيم عليه السلام، وهذا يؤيد أن أكثرها أمثال ومواعظ، كما يؤكد ترابط الكتب السماوية......

 

ومن خلال الآيتين اللتين ورد ذكر الحديث فيهما عن صحف إبراهيم عليه السلام يُفهم أن فيها القواعد العامة، التي لا بدّ أن تعيها البشرية في مختلف العصور، كقاعدة الثواب والعقاب، وأن الإنسان يحاسَب بعمله، فيعاقَب بذنوبه وأوزاره، ولا يؤاخَذ بجريرة غيره، ويثاب بسعيه وليس بسعي غيره.

أما من خلال الآيات التي وردت في سورة الأعلى، فيفهم أن فيها الحث على تزكية النفس وبيان أن الفلاح الحقيقي لا يتحقق إلا بتزكية النفس بالطاعة لله والعبودية له، وإيثار الآجل على العاجل، فأخبر الله عزّ وجل عن بعض ما جاء في هذه الصحف من وحيه الذي أنزله على رسوليه إبراهيم وموسى - عليهما السّلام - والعلم عند الله. (صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام من خلال القرآن والسنة، عمر عبد الوهاب محمود، ص24)

( الدكتور علي الصلابي)

2023-10-01

دلالات: