Sidonianews.net
----------------------
الجمهورية / عماد مرمل
بالطبع ما بعد «طوفان الأقصى» لن يكون كما قبله، وما بعد الحرب الإسرائيلية غير المسبوقة على قطاع غزة ليس كما قبلها في الإقليم المقيم فوق صفيح ساخن.
معادلات جديدة للصراع ستخرج من تحت الركام وخلف الدخان، ومعالم المنطقة وتوازناتها لسنوات مقبلة ستتشكّل تبعاً لما ستنتهي اليه هذه المواجهة التي رسمت خطاً فاصلاً بين مرحلتين.
ولبنان يمثل بالتأكيد إحدى الساحات التي ستشملها مفاعيل المعادلات والقواعد المترتبة على حصيلة الحرب، بل لعلّه سيكون الأكثر تأثراً بها وتأثيراً فيها، انطلاقاً من كونه يشكّل جبهة متقدمة أثبتت حضورها وفعاليتها في المواجهة عبر الدور العسكري لـ«حزب الله» على الحدود وما بعدها.
وهناك في اوساط 8 آذار من يعتبر انّ من بين مفاعيل العدوان على غزة، هو انّ سلاح المقاومة في لبنان يجب أن يصبح خارج النقاش، وان يُسحب كلياً من التداول، بعدما اثبتت الحرب الحالية، ليس فقط انّ الحاجة اليه لم تنتف وحسب، بل لعله أصبح ضرورياً اكثر من اي وقت مضى.
وتلفت الأوساط الى انّ كل من يصرّ على الاستمرار في المطالبة بنزع السلاح او تسليمه، بعد المحرقة الإسرائيلية في غزة، انما سيثبت انّه يعاني من قصور سياسي ومصاب بعوارض الإنكار للواقع والحقائق.
وتشدّد اوساط 8 آذار على أنّ حرب غزة غير المسبوقة في همجيتها عزّزت شرعية سلاح «حزب الله» ووظيفته في حماية لبنان، وأظهرت بوضوح تام انّ اي ضمانات أخرى لا يمكن الركون اليها بتاتاً.
وتلفت الاوساط إيّاها إلى انّ الأمم المتحدة التي يدعو البعض إلى الاحتماء بها والاتكال عليها للدفاع عن السيادة، كشفت مرة أخرى ضعفها وعجزها عندما تجاهل الكيان الاسرائيلي وحليفه الأميركي بالكامل قراراً اصدرته هذه المنظمة الدولية بأكثرية نحو 120 دولة، ويطلب وقف إطلاق النار الفوري في غزة، فإذا بالقرار وكأنّه لم يكن اصلاً.
وتشير الاوساط الى انّ كيان الاحتلال لم يتحمّل مجرد تصريح للأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، اعتبر فيه انّ هجوم «حماس» في 7 تشرين الجاري لم يأتِ من فراغ، إذ ارتفعت على الفور اصوات اسرائيلية تهاجمه بعنف وتدعوه الى الاعتذار، فقط لانّه أدلى بموقف متمايز ينطوي على حدّ أدنى من الموضوعية.
وتلفت الاوساط نفسها إلى انّ من يعوّل في الداخل على صداقته مع أميركا لحماية البلد من المخاطر الإسرائيلية، يجب ألاّ تفوته حقيقة انّ واشنطن هي التي لا تزال ترفض وقف إطلاق النار في غزة، وهي التي تشارك في إدارة العمليات العسكرية لقوات الاحتلال وتحديد أسقفها الميدانية والسياسية، بعدما كانت قد ارسلت حاملة الطائرات الى المتوسط وفتحت مخازنها لمدّ تل أبيب بما تحتاجه، فكيف يمكن بعد كل ذلك اعتبارها ضمانة للبنان؟
أكثر من ذلك، تلفت الاوساط الى انّ حرب غزة رسّخت حاجة «حزب الله» إلى وجود رئيس حليف وموثوق في قصر بعبدا، لا يطعن المقاومة او يساوم عليها، وبالتالي فإنّه عندما يعود الإهتمام بملف الاستحقاق الرئاسي، لا بدّ من ان تلفحه نتائج الحرب والعبر المستقاة منها.
منذ اندلاع المواجهات في غزة، ظهرت تحليلات كثيرة لموقف «حزب الله». لكن بعض الإعلام الغربي درج على إشاعة الاستنتاج الآتي: إذا احتاجت إيران إلى تدخُّل حليفها في لبنان، من أجل إنقاذ «حماس» في غزة، فإنّ «الحزب» سيستجيب حتماً للطلب، باعتباره جزءاً من المنظومة العملانية التي تقودها طهران في الشرق الأوسط.
وهذه الفرضية منطقية في المطلق. فطهران لن تسمح لإسرائيل بالاستفراد بحليفها الفلسطيني القوي وإضعافه أو خنقه، أياً كانت الظروف. وهي بالتأكيد ستستعين بـ«الحزب» إذا شعرت بالحاجة إلى تدخّله. وهذا الموقف لا يحتاج إلى إثبات.
وقيام «حزب الله» بتسخين خط التماس على جبهة إسرائيل الشمالية، منذ 7 تشرين الأول، يخدم هذا الهدف: إفهام الإسرائيليين بأنّ «حماس» ليست وحدها في المعركة، وأنّ استفرادها يعني فتح أبواب جهنم على إسرائيل شمالاً وجنوباً، وعلى الأرجح في الداخل أيضاً، وفتح أبواب جهنم في أوروبا الغربية والولايات المتحدة.
وهذا العامل يأخذه الإسرائيليون والغربيون بعين الاعتبار وبمنتهى الجدّية. وهو السبب الأساسي في إرباك بنيامين نتنياهو والجيش الإسرائيلي، وتجنّب المباشرة في معركة الحسم الموعودة.
وصحيح أنّ إسرائيل قادرة في لبنان على ارتكاب عمليات تدمير فظيعة، بالطيران، لمختلف مرافقه الحيوية، ما يجعله عاجزاً عن العودة إلى الحياة قبل سنوات عديدة. لكن الصحيح أيضاً هو أنّ على إسرائيل نفسها أن تتوقع حينذاك ضربات مصدرها لبنان قد تفوق بحجمها عملية 7 تشرين الأول، فيما سيحصد الغرب نتائج موجات غير مسبوقة من الإرهاب، في التوقيت الأسوأ، أي فيما حكوماته كلها منغمسة في حرب أوكرانيا.
وللإيضاح، إنّ إيران نفسها لا ترغب في فتح أبواب الجنون الإسرائيلي مع لبنان، لأنّها أيضاً لا تريد مقابل إنقاذ «حماس» إحراق بلد يمسك فيه «حزب الله» بزمام الأمور.
إذاً، الجميع يدركون أنّ اللعب بالنار في غزة سيستتبع حرائق لا يريدونها، سواء في الداخل الإسرائيلي أو على حدود لبنان أو في داخله، أو أينما كان في الغرب. ولذلك، هم يتهيبون المغامرة. ويضطلع الأميركيون والأوروبيون بدور الإطفائي في هذه المسألة، على رغم ما يبدونه من تضامن مُبالَغ فيه مع إسرائيل.
والأهم هو أنّ الوساطات وخطوط الاتصال مفتوحة، على رغم العنف الذي تشهده غزة. وقد أتيح للجيش الإسرائيلي أن ينفّذ عمليات قاسية أصابت المدنيين في القطاع، لعلها ترضي غرور العقل العسكري هناك، بعد ضربة 7 تشرين التي أصابته بالضياع. لكن الجميع يعرف أنّ أفق هذه العمليات سيبقى مسدوداً، وأنّ لا مجال لتنفيذ إسرائيل خطّة الأرض المحروقة في غزة.
بناءً على هذه المعطيات، يتصرّف «حزب الله». فهو يصعّد سياسياً وإعلامياً ويلوِّح بإشعال الجبهة ميدانياً، لكنه يعرف أنّ الحرب الكبرى لن تقع، لأنّها ليست في مصلحة أحد. بل إنّ رفع السقف السياسي والإعلامي والتهديد بإشعال النار على مداها يندرجان ضمن تكتيك يهدف إلى الاستعاضة عن الحرب الكبرى.
وعلى الأرجح، سيندرج خطاب نصرالله، الجمعة المقبل في هذا السياق. ويُفترض أن تكون رسائله موجّهة إلى الداخل كما إلى إسرائيل والغرب والعرب، ومفادها: ملتزمون جانب الانضباط النسبي، لكننا لن نسكت على الاستفراد بـ»حماس». فلا تجربونا، لأننا جدّيون في الدفاع عنها، مهما كلّف الأمر.
ومن السذاجة الحديث عن تباين أو اختلاف في المصالح بين إيران و»حماس»، أو بين إيران و»الحزب»، أو بين «الحزب» و«حماس». فطهران وحلفاؤها يتحركون وفق خطة عمل واحدة موحّدة على امتداد رقعة الشرق الأوسط، وعلى قاعدة التعاون والتنسيق والتكامل. ولا يمكن لأي طرف أن يغرّد وحيداً وخارج هذا المحور. وخسارة أي طرف هي خسارة للمحور بكامله. ولذلك، يصعب استفراد «حماس» كما يصعب استفراد «الحزب». وطهران نفسها هي الضامن لهذا التعاون بين حلفائها.
لذلك، في المبدأ، ليس منتظراً أن يعلن نصرالله حرباً مفتوحة على إسرائيل. ولكن، على الأرجح، سيلوّح بشكل واضح: الخطأ تجاه «حماس» في غزة سيدفعنا إلى التدخّل، ولن نكترث للعواقب.
وربما هذا هو السبب الذي يدفع الوسطاء الغربيين إلى الاستنفار في لبنان: مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى بربارا ليف تصل اليوم إلى بيروت، ضمن جولة شرق أوسطية. وتزامناً سيصل وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو بعد وزيرة الخارجية كاترين كولونا.
المبادرة هي اليوم في يد إسرائيل: هل تعتمد مقولة «عليَّ وعلى أعدائي» في غزة، فتكون النتائج شبيهة بالانتحار في الشرق الأوسط والغرب، أم تبحث عن طريق لتحقيق الأهداف السياسية بأقل مقدار من الخسائر؟
بعض الخبراء يقولون إنّ اللاعبين يملأون الوقت بتبادل الرسائل الساخنة، السياسية والأعلامية والعسكرية، لئلا يدخلوا في الجنون الجماعي.
------------------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / حرب غزة تضع سلاح الحزب خارج النقاش
2023-11-01