الرئيسية / المرأة والمجتمع /أقلام ومقالات /"استوصوا بالنساء خيرًا.. فإنّهن عوان عندكم..."

الصورة عن موقع موضوع

جريدة صيدونيانيوز.نت / "استوصوا بالنساء خيرًا.. فإنّهن عوان عندكم..."

صيدونيانيوز.نت / أقلام ومقالات / "استوصوا بالنساء خيرًا.. فإنّهن عوان عندكم..."


عكف الخطاب الديني على تفسير كلمة» عوان»التي وردت في الحديث  النبوي (استوصوا بالنساء خيرًا ، فإنّهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله )...بـ» الأسير»، أو « شبه الأسير». 

حتى قيل: «وينبغي للمرأة أن تعرف أنّها كالمملوك للزوج»(1)،وقيل: «وينبغي للمرأة أن تصبر على أذى الزوج كما يصبر المملوك» ، وللأسف الشديد هذا المفهوم يتقوّل به الكثير  حتى في عصرنا هذا.

بينما كلمة «عوان» التي وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بها النساء، في خطبة حجة الوداع ، تعنى في [ لسان العرب ]:» النَّصَف والوسط « أي الخيار وتعنى ذات المعنى في موسوعات مصطلحات الفنون(2) ولكنها للأسف قد أصبحت تعنى أنّ المرأة أسيرة لدى الرجل، وأنّ النساء أسرى عند الرجال.. وأنّ القوامة هي لون من « القهر « لأولئك النساء الأسيرات !! حتى وجدنا إماماً عظيماً مثل ابن القيم، يعبر عن واقع عصره العصر المملوكي فيقول هذا الكلام الغريب : « إنّ السيد قاهر لمملوكه ،حاكم عليه، مالك له. والزوج قاهر لزوجته، حاكم عليها، وهى تحت سلطانه وحكمه شبه الأسير». (3) وقد أخذ بهذا القول الكثير في خطابهم الديني . 

ولكن هذا المعنى يتناقض تمامًا مع قوله تعالى ( ولهنّ مثل الذي عليهن بالمعروف) ،وقوله تعالى : ( ومن آياته أنْ خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)ويتناقض أيضًا مع قوله تعالى (هنّ لباس لكم وأنتم لباسٌ لهنّ).

ويلاحظ أن القوامة  بهذا المفهوم (الاسترقاق)،جعل علاقة الزوج بزوجته علاقة السيد بأمَته . وهذا يمثل انقلاباً جذريًا على إنجازات الإسلام في العلاقات الزوجية. فلقد أصبحت العادات والتقاليد الجاهلية تغالب قيم الإسلام في تحرير المرأة ومساواتها بالرجل ؛ إذ نجد في  تعريف بعض « الفقهاء « لعقد النكاح ،بأنّه « عقد تمليك « !!.. وهو يتناقض مع تحرير الإسلام الإنسان من عبودية الإنسان, ويتناقض مع المعنى القرآني «الميثاق الغليظ» و «المودة» .. والرحمة، والسكن والسكينة وإفضاء كل طرف إلى الطرف الآخر، حتى أصبح كل منهما لباساً له».

وهذه التعريفات أسفرت في تغييرالفهم الصحيح  للإسلام ولقيمه ولمبادئه وتعاليمه, لأنّه عاد بها إلى العصور الجاهلية التي امتهنت المرأة, واعتبرت الزوجة أسيرة زوجها, وكالمملوكة له.

وقد  روّج لأحاديث ضعيفة وموضوعة تعزز هذا المعنى, حتى نجد بعض المفسرين يستشهدون بتلك الأحاديث في تفسيرهم لبعض الآيات القرآنية, مثل استدلال ابن كثير بالحديث الموضوع» (لا يُسأل الرجل فيما ضرب زوجته) في تفسيره لآية( واضربوهن) ومّما يثير الدهشة أنّ الإمام الزهري( في القرن الأول الهجري) يقول « لا يُقتل الرجل في امرأته لأنّه ملكها بعقد النكاح»،  كما نجد عند الفقهاء أن منهم من  اعتبر الزوجة كالدّار المستأجرة, فلم يوجبوا على الزوج علاجها إن مرضت دون أن يستندوا في حكمهم هذا على آية قرآنية أو حديث نبوي.

لذلك لابد من تصحيح الخطاب الإسلامي بتصحيح هذه المفاهيم الخاطئة, وتنقيته من الأحاديث الضعيفة والموضوعة والشاذة والمفردة, والأحكام الفقهية التي بُنيت عليها, وإعادة المفاهيم الإسلامية الصحيحة , ومنها معنى قوامة الرجال على النساء. 

و قد وقف الإمام محمد عبده أمام قوله تعالى أمام قوله تعالى (ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة)[ البقرة : 228] فقال : «هذه كلمة جليلة جداً، جمعت على إيجازها مالا يُؤَدى بالتفصيل إلا في سفر كبير، في قاعدة كلية ناطقة بأنّ المرأة مساوية للرجل في جميــع الحقوق، إلا أمراً واحداً عبّر عنه بقوله: (وللرجال عليهن درجة) وقد أحال في معرفة ما لهن وما عليهن على المعروف بين الناس في معاشراتهن ومعاملاتهن في أهليهن، وما يجرى عليه عرف الناس هو تابع لشرائعهم وعقائدهم وآدابهم وعاداتهم...فهذه الجملة تعطى الرجل ميزانًا يزن به معاملته لزوجه في جميع الشؤون والأحوال، فإذا همّ بمطالبتها بأمر من الأمور يتذكر أنّه يجب عليه مثله بإزائه، ولهذا قال ابن عباس، رضى الله عنهما «: إنّني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي»، لهذه الآية التي تعني أنّ الحقوق بينهما متبادلة، وأنّهما كفآن، فما من عمل تعمله المرأة للرجل إلا وللرجل عمل يقابله لها وإن لم يكن مثله في شخصه، فهو مثله في جنسه، فهما متماثلان في الذات والإحساس والشعور والعقل، أي أنّ كلا منهما بشر تام له عقل يتفكر في مصالحه، وقلب يحب ما يلائمه ويسر به، ويكره مالا يلائمه وينفر منه، فليس من العدل أن يتحكم أحد الصنفين بالآخر ويتخذه كالعبد يستذله ويستخدمه في مصالحه، ولا سيما بعد عقد الزوجية والدخول في الحياة المشتركة التي لا تكون سعيدة إلا باحترام كل من الزوجين الآخر والقيام بحقوقه..

هذه الدرجة التي رُفع النساء إليها في الدين الإسلامي  لم يرفعهن إليها دين سابق ولا شريعة من الشرائع، بل لم تصل إليها أمة من الأمم قبل الإسلام ولا بعده..لقد خاطب الله تعالى النساء بالإيمان والمعرفة والأعمال الصالحة، في العـــبادات والمعامــــلات ، كما خاطب الرجال، وجعل لهن مثل ما جعله عليهن، وقرن أسماءهن بأسمائهم في آيات كثيرة ، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنات كما بايع المؤمنون، وأمرهن بتعلم الكتاب والحكمة كما أمرهم، وأجمعت الأمة على ما مضى به الكتاب والسنة من أنّهن مجزيات على أعمالهن في الدنيا والآخرة».فمتى يدرك الناس  هذه الحقائق, ويتعاملون مع المرأة كما تعامل بها الإسلام بالفهم الصحيح له؟.
............................................

(1)- أنظر  ابن الجوزي في أحكام النساء

(2)-[انظر: الراغب الأصفهاني [ المفردات في غريب القرآن ] طبعة دار التحرير. القاهرة سنة 1991م.وأبو البقاء الكفوي[ الكليات ] ق2 ص287. تحقيق: د. عدنان درويش ، طبعة دمشق سنة 1982م.]... 

(3)- [ إعلام الموقعين: ج2 , ص106. طبعة بيروت سنة 1973 م.]

2024-07-16

دلالات: