Sidonianews.net
---------------------
الجمهورية
كريستينا غولدباوم- نيويورك تايمز
هزيمة مؤلمة في الحرب تركت «حزب الله»، الجماعة التي كانت لا تُمَسّ، في وضع غير مؤكّد لم تشهده منذ سنوات. على مدى عقود، كانت قبضة «حزب الله» على لبنان محكمة للغاية. وبفضل ترسانته الضخمة، كان الحزب أقوى من الجيش الوطني للبلاد. كان يسيطر أو يؤثر على أهم الوكالات الحكومية في لبنان بالإضافة إلى البنية التحتية الحيوية، مثل الحدود مع سوريا والميناء التجاري. ولم يكن بالإمكان اتخاذ أي قرارات سياسية كبرى من دون دعمه، ولم يستطع أي حزب سياسي تحدّي أي خطوة يقوم بها «حزب الله» أو راعيه إيران.
لكنّ الوضع الراسخ هذا بدأ يتزعزع الآن، في تحوّلٍ مثير فتح صفحة سياسية جديدة في لبنان. 14 شهراً من القتال ضدّ إسرائيل ترك الجماعة الشيعية المسلمة التي كانت لا تُمسّ، في وضع مهزوز. أطاح المتمرّدون بحليفها الرئيسي في سوريا المجاورة، الديكتاتور بشار الأسد. كما وجدت إيران نفسها في وضع ضعيف، إذ تعرّضت وحلفاؤها إلى ضربات قاسية من إسرائيل.
يبدو أنّ «حزب الله» على أضعف أرضية له منذ سنوات، وتُعاد صياغة ديناميات القوة في جميع أنحاء الشرق الأوسط بعد أكثر من عام من الحرب والاضطرابات. وبينما لا يزال الحزب قوياً - لديه آلاف المقاتلين ويحتفظ بولاء معظم المسلمين الشيعة في البلاد - يرى المحلّلون إنّ شيئاً واحداً أصبح واضحاً: حقبة هيمنة «حزب الله» وإيران التي لا تتزعزع في لبنان قد انتهت.
وأوضح مهند حاج علي، من مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت: «إنّها حقيقة سياسية جديدة. سيستغرق الأمر وقتاً لتتكشف هذه الحقيقة الجديدة، لكن ما رأيناه حتى الآن يكفي ليُظهر أنّ المَدّ قد انقلب».
تجلّت هذه التحوّلات السياسية يوم الخميس عندما انتخب البرلمان اللبناني رئيساً جديداً، متغلّباً على سنوات من الجمود السياسي الذي نسبه العديد من النقاد إلى جهود «حزب الله» لعرقلة أي محاولة للحل. هذا الشلل السياسي ترك البلاد تحت إدارة حكومة تصريف أعمال ضعيفة وغير فعّالة لأكثر من عامَين.
في لبنان، رأى كثيرون أنّ انتخاب الجنرال جوزاف عون، قائد الجيش اللبناني، خطوة حاسمة نحو تحقيق الاستقرار في البلاد. كما اعتُبر تنازلاً من «حزب الله»، فوصفه بعض المحلّلين بأنّه اعتراف بأنّ الحزب لم يَعُد في موقع يسمح له بشلّ الدولة.
منذ تأسيس لبنان، تنافست العديد من الفصائل والطوائف من أكثر من 12 طائفة دينية في البلاد على السلطة والنفوذ. ويعتمد النظام السياسي الهَشّ في البلاد على اتفاقات بين الأحزاب والطوائف، بالإضافة إلى داعميهم الأجانب. حافظ هذا النظام على بقاء البلاد بخَيط رفيع في ظل أزمات متلاحقة منذ نهاية الحرب الأهلية التي استمرّت 15 عاماً في عام 1990.
على مدى العقود الثلاثة الماضية، تفوّق «حزب الله» على خصومه المحليّين وأقام تحالفات استراتيجية لتثبيت موقعه كقوة حقيقية تدعم الدولة الضعيفة والمتشرذمة.
حتى مع معاناة الحكومة لتوفير الكهرباء والمياه، بنى «حزب الله» شبكة واسعة من الخدمات الاجتماعية - بما في ذلك الرعاية الصحية ذات الجودة العالية والتعليم المجاني - لمناصريه من الشيعة في الغالب. لكن خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تلقّى الحزب سلسلة من الضربات المدمّرة.
ألحقت الحرب مع إسرائيل خسائر فادحة بقيادات الحزب، ودمّرت أجزاء كبيرة من ترسانته، وفرضت على البلاد فاتورة إعادة إعمار بمليارات الدولارات. كما أنّ الهزيمة المؤلمة حطّمت وعد «حزب الله» للبنانيّين بأنّه وحده يمكنه الدفاع عن لبنان ضدّ إسرائيل - وهو الادّعاء الذي شكّل السبب الرئيسي لوجوده.
ثم، الشهر الماضي، خسر الحزب جسراً برياً رئيسياً لنقل الأسلحة والأموال، بالإضافة إلى حليف سياسي، عندما أطاح المتمرّدون السوريّون، الذين قاتلهم الحزب في الماضي، بنظام الأسد.
كما أصبحت إيران، راعية الحزب، في وضع دفاعي منذ الإطاحة بالأسد، وسط تصاعد التوتر مع إسرائيل، بما في ذلك الصراع المباشر عبر إطلاق الصواريخ.
تفكّكت شبكة الميليشيات الإيرانية المناهضة لإسرائيل، المعروفة باسم «محور المقاومة» - وكان «حزب الله» لاعباً رئيسياً فيها - ما أدّى إلى تقويض قدرة طهران على بسط نفوذها غرباً نحو البحر الأبيض المتوسط وجنوباً نحو بحر العرب.
من دون هذه الأعمدة، تراجعت قدرة «حزب الله» على التأثير في السياسة اللبنانية، حتى مع محاولاته وحلفائه تقديم أنفسهم كصانعي أجندة البلاد. كان تراجع نفوذهم واضحاً حتى قبل التصويت: عندما انسحب في وقت متأخّر من ليلة الأربعاء المرشح الرئاسي المدعوم من «حزب الله» من السباق.
واعتبر سامي نادر، مدير معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت: «قُوِّضت رواية «حزب الله» بشكل خطير، وأُضعِفت قوّته العسكرية بشكل جدّي، وبرأيي، سيبدأ بدفع الثمن سياسياً».
يتفق معظم الخبراء على أنّ «حزب الله»، حتى في حالته الضعيفة، لا يزال القوة السياسية الأكثر هيمنة في لبنان. لكنّهم يَرون أنّ هذا أقل تعبيراً عن قبضته على السلطة وأكثر انعكاساً لخلل النظام السياسي في البلاد وصراعاته الداخلية. كان هذا الخلل واضحاً بشكل جلي أثناء التصويت البرلماني، الذي كثيراً ما تحوّل إلى مشاجرات قبل الإدلاء بالأصوات.
يرى المحلّلون أنّ انتخاب الجنرال جوزاف عون رئيساً هو الخطوة الأولى نحو رسم خريطة سياسية جديدة للبنان والمنطقة. يُعتقد على نطاق واسع أنّ الجنرال جوزاف عون يحظى بدعم الولايات المتحدة والسعودية. ويظهر السعوديّون، الذين كانوا يتنافسون على النفوذ في لبنان قبل أن يتفوّق عليهم «حزب الله» وإيران، مجدّداً كلاعب رئيسي.
في خطاب النصر، ألمح الجنرال جوزاف عون إلى الرؤية التي يتشاركها مع حلفائه لعصر سياسي جديد في لبنان، قائلاً إنّ اليوم يمثل «مرحلة جديدة في تاريخ لبنان».
وأشار إلى الدول العربية، التي دفعت إيران بعضها خارج لبنان، بوصفها «دولاً شقيقة». وتحدّث عن «حق الدولة في احتكار امتلاك الأسلحة» - في إشارة ضمنية إلى الدعوات لنزع سلاح «حزب الله» بعد انتهاء وقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً مع إسرائيل في وقت لاحق من هذا الشهر. كما تصوّر دولة يمكن الدفاع عنها بجيشها الوطني، بعيداً من الميليشيات، مثل «حزب الله»، التي لطالما زجّت البلاد في صراعات وحروب.
وأكّد الجنرال جوزاف عون: «التزامي هو الدعوة إلى استراتيجية دفاعية وإنشاء دولة - أكرّر، دولة - تستثمر في جيشها، تتحكّم بجميع الحدود، وتنفّذ القرارات الدولية».
مع ذلك، يُحذّر الخبراء من أنّ البلاد لا تزال في الأيام الأولى من هذه المرحلة السياسية الجديدة - وأنّ «حزب الله» قد يعود من جديد. ستشكّل الأشهر المقبلة اختبارات حاسمة للحزب، بما في ذلك ما إذا كان يستطيع المساهمة في إعادة بناء الأجزاء الكبيرة من البلاد التي دمّرتها الحرب، وما إذا كان سينسحب بالكامل من جنوب لبنان كما ورد في اتفاق وقف إطلاق النار.
وأوضح بول سالم، نائب رئيس المشاركة الدولية في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: «تعرّض «حزب الله» إلى ضربات هائلة بقدراته الاستراتيجية وقدرته على مواجهة إسرائيل. لكن داخل لبنان، لا يزال الحزب جماعة مسلحة ثقيلة، أقوى من أي قوة أخرى في البلاد».
---------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / لبنان يفتح صفحة سياسية جديدة مع تراجع قبضة الحزب
2025-01-11