Sidonianews.net
--------------------
الجمهورية / طوني عيسى
عندما عولجت مسألة التمثيل الشيعي في الحكومة، برضى «حزب الله»، راهن كثيرون على أنّ «الحزب» موافقٌ مسبقاً على برنامجها الذي سيتبنّى خطاب القَسَم، أي أنّه مستعدٌ للتخلّي عن سلاحه في شمال الليطاني. ولكن، منذ ذلك الحين، لا يفوِّت «الحزب» فرصةً ليقول للجميع: أخطأتم التقدير. سلاحُنا باقٍ!
إذا تُرِك لبنان للتجاذب العنيف الحاصل حالياً على أرضه بين إسرائيل وإيران، ومن دون حمايات دولية، فالمرحلة المقبلة لن تكون وردية كما يتوقعها كثيرون. فإسرائيل كشفت أوراقها بالإعلان أنّها باقية في المنطقة العازلة في الجنوب، بموافقة أميركية، ومن دون سقف زمني. وفي الوقت عينه، هي لا توقف طلعاتها الاستكشافية فوق الأراضي اللبنانية كلها، ولاسيما منها بيروت، وتواصل غاراتها وعمليات الاغتيال في أي منطقة تختارها، في جنوب الليطاني وشماله.
في الترجمة العملانية، إسرائيل لم توقف حربها في لبنان، وإنما خففت من زخمها. وفي أي لحظة، قد تعود إلى التصعيد. واللغز يكمن في تذرّع المسؤولين الإسرائيليين بأنّ ما يقومون به لا يخالف اتفاق وقف النار الذي يقولون إنّه يمنحهم امتيازين:
1- البقاء في لبنان إلى أن يتأكّدوا بأنفسهم (ووفقاً لمزاجهم) أنّ «حزب الله» تخلّى عن سلاحه الكامل ولم يعد يشكّل خطراً عليهم.
2- تنفيذ الطلعات والضربات العسكرية على امتداد الأراضي اللبنانية، ما داموا هم أنفسهم يعتقدون أنّ الأهداف المقصودة تشكّل خطراً عليهم. وهم يستندون في ذلك إلى نص الملحق الذي وقّعوه مع الأميركيين. ولكن أيضاً إلى البند الوارد في الاتفاق، والذي يكفل حق كل من الطرفين، لبنان وإسرائيل، في الدفاع عن نفسه والتصدّي لأي خطر يستهدفه. والسؤال هو: مَن يقرّر أين يبدأ هذا الحق وأين ينتهي؟
مأزق الحكومة اللبنانية أنّها عاجزة عن فرض الانسحاب ووقف العمليات وإعادة السكان إلى القرى التي مُسحت عن الخريطة. فيما «الحزب» يمضي في حملة شرسة، ولو مستورة حتى الآن، قوامها الآتي: الدولة اللبنانية طلبت منا تسليمها كل شيء في جنوب الليطاني، مقابل تعهدها بإخراج إسرائيل وإعمار القرى وإعادة الأهالي. وإذا لم تفعل ذلك، ضمن مهلة محدّدة، فلن يبقى أبناء الجنوب ساكتين على هذا الوضع. وفي أي حال، فشل الدولة في جنوب الليطاني يبرر حرصنا على سلاحنا في شماله. ولذلك، لن نتخلّى عنه حتى ينتهي الاحتلال ويزول خطره، وبعد أن نتفاهم مع الدولة على الضمانات.
بصراحة أكبر، «حزب الله» لن يسلّم السلاح، بأي ثمن، لأنّه ورقة قوته الأساسية، والذراع المتقدمة لمنظومة إيران العسكرية في الشرق الأوسط. وأساساً، لو كانت حربه مع إسرائيل أكثر تكافؤاً لما أوقفها باتفاقٍ لوقف النار يكرّس غلبتها. وفي أي حال، حاول «الحزب» قبل أسابيع إقامة نوع من «توازن الردع» معها في الجنوب، لعلّه يجبرها على وقف عملياتها، فأطلق بضعة صواريخ في اتجاه مواقعها. لكن الردّ الإسرائيلي جاء عنيفاً وفي مناطق لبنانية عدة، وأُرفق بتهديد بالعودة إلى الحرب الواسعة.
لذلك، سيتجنّب «الحزب» مواجهة إسرائيل بسلاحه، ويستعيض عن ذلك بالمواجهة من خلال الدولة اللبنانية. ويعتقد أنّه بهذه الاستراتيجية يضرب عصفورين بحجر واحد: إحراج الدولة وتخفيف زخم اندفاعها لنزع سلاحه، وتحميلها مسؤولية الفشل في إنهاء احتلال إسرائيل. وللدلالة مثلاً، أنّ شاباً جنوبياً دنا من رئيس الحكومة نواف سلام خلال جولته الجنوبية أمس وقال له: لولا المقاومة لما كنت هنا!، والمثير في الموضوع أنّ هذا الكلام صحيح. فلو لم تتمادَ المقاومة في حربها غير المدروسة مع إسرائيل، لما امتلكت إسرائيل ذريعة الاحتلال، ولما اضطر رئيس الحكومة إلى تفقد المنطقة التي باتت مدمّرة.
لكن استراتيجية الضغط في الداخل ستكون عواقبها ثقيلة، لأنّها ستجمّد أزمة «الحزب» مع إسرائيل لتفتح أزمة بينه وبين الدولة والقوى السياسية في الداخل اللبناني. وهذا الضغط سيتكفّل بإحباط عملية بناء الدولة، ويقود إلى صدامات متعددة الأشكال. وثمة من يتوقع اندلاع المواجهة الداخلية قريباً، إذا استمرت مواقف إسرائيل و«الحزب» تتطور في اتجاهاتها الحالية بلا ضوابط.
وفي الواقع، لا أحد يستطيع توفير ضوابط من هذا النوع، سوى الولايات المتحدة التي تبدو حتى اليوم ملتزمة نجاح عهد الرئيس جوزاف عون وحكومة الرئيس نواف سلام والمساعدة في إخراج لبنان من الأزمة. ومن دونها لا قدرة للبنان حالياً على خوض المواجهة المصيرية مع إسرائيل، ولا الصمود في وجه النزاع الذي تخوضه إسرائيل وإيران على الأرض اللبنانية. ويعتقد البعض أنّ «عقد التأمين» الأميركي للدولة اللبنانية الجديدة سيتكفّل بحمايتها. لكن آخرين يعتقدون أنّه لا يكفي، وأنّ على اللبنانيين أن يُظهروا جرأتهم في رفض التدخّلات الإقليمية، والإيرانية خصوصاً. وفي رأي هؤلاء أنّ هناك عاملاً لا يمكن إغفاله في هذا الشأن، وهو أنّ الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب لن ترفض طلباً لإسرائيل في الشرق الأوسط. ولذلك، على لبنان أن لا يبالغ في الرهان على الضمانات الأميركية لمواجهة إسرائيل. ومن الأفضل له أن يمرّر الاستحقاقات بأقل ما يمكن من أضرار. وتجربة الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي المريرة في أوكرانيا خير مثال على أنّ الدول الصغيرة تُقدِم على الانتحار عندما تخوض حروباً اعتباطية وأكبر منها.
------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / عَقْدُ تأمين أميركي لحماية عون وسلام
2025-03-01