Sidonianews.net
----------
*بقلم الدكتور محمد حسيب البزري
واقع الحياة اليومية في صيدا: معضلة الديموغرافيا والتمثيل السياسي
صيدا، كغيرها من المدن الساحلية اللبنانية، شهدت تحولات ديموغرافية كبيرة على مدار العقود الماضية، لكن واقعها اليومي يعكس صورة مختلفة تمامًا عما يُعتقد على المستوى الرسمي أو السياسي. فبينما يُنظر إليها تاريخيًا كمدينة ذات طابع محدد يهيمن عليه السكان اللبنانيون المسجلون في سجلاتها، إلا أن الواقع يشير إلى أن غالبية سكانها الفعليين هم من غير اللبنانيين أو من اللبنانيين غير المسجلين فيها، مما يطرح تساؤلات كبيرة حول مستقبلها الإداري والسياسي.
1. التغير الديموغرافي: واقع مختلف عن السجلات الرسمية
• نسبة كبيرة من المقيمين في صيدا هم نازحون بالإضافة إلى لبنانيين قادمين من مناطق أخرى استقروا في المدينة بسبب فرص العمل أو الظروف الاقتصادية.
• كثير من سكان صيدا الفعليين ليسوا مسجلين في سجلات النفوس الصيداوية، ما يعني أنهم لا يشاركون في الانتخابات البلدية ولا يتبعون للمخاتير المحليين في معاملاتهم الرسمية.
• التعداد السكاني الفعلي لصيدا يفوق بكثير العدد المسجل رسميًا، مما يؤدي إلى خلل في التخطيط البلدي، حيث يتم وضع الموازنات والمشاريع بناءً على أرقام غير واقعية.
2. معضلة التمثيل السياسي والإداري
• رغم أن غالبية سكان صيدا ليسوا من المسجلين رسميًا فيها، إلا أنهم يعيشون فيها، يعملون، ويدفعون الضرائب غير المباشرة (كالماء، الكهرباء، والإيجارات)، مما يجعل لهم حقًا غير مباشر في التأثير على القرارات التي تؤثر على حياتهم اليومية.
• المخاتير المحليون يخدمون فقط من هم مسجلون في المدينة، ما يعني أن شريحة كبيرة من السكان تعتمد على قنوات أخرى (المجتمع المدني، الجمعيات، أو حتى الوساطات السياسية غير الرسمية) لإنجاز معاملاتها.
• الانتخابات البلدية والنيابية في صيدا لا تعكس البنية السكانية الحقيقية للمدينة، إذ أن القرارات تصدر عن ممثلين منتخبين من قبل شريحة محدودة، بينما الشريحة الأكبر تعيش بلا تمثيل مباشر.
3. التأثير على الخدمات والبنية التحتية
• البنية التحتية والخدمات العامة (مياه، كهرباء، نفايات، صحة، وتعليم) تعاني من ضغط كبير بسبب العدد الفعلي للسكان الذي يتجاوز العدد المخطط له إداريًا.
• البلديات تخطط بناءً على الأرقام الرسمية، ما يجعل المشاريع والخدمات غير كافية لتلبية الاحتياجات الحقيقية.
• الدعم الدولي الذي تحصل عليه بعض الجمعيات والمنظمات غير الحكومية يلعب دورًا في تغطية الفجوة، لكن لا يمكن الاعتماد عليه كحل دائم.
4. ما هو مستقبل صيدا في ظل هذا الواقع؟
أ. سيناريوهات محتملة:
1. الإبقاء على الوضع الحالي
• استمرار غياب التمثيل الفعلي للسكان غير المسجلين.
• استمرار الأزمات الخدمية بسبب غياب التخطيط الشامل.
• تنامي الدور غير الرسمي للجمعيات والمنظمات لحل الأزمات.
2. إدخال إصلاحات محلية
• تعزيز دور المجتمع المدني في صنع القرار من خلال مجالس استشارية تضم ممثلين عن المقيمين الفعليين.
• اعتماد نماذج مشاركة محلية غير انتخابية، مثل لجان الأحياء التي تضم لبنانيين وغير لبنانيين.
• الاعتراف بالدور الاقتصادي والاجتماعي للمقيمين من خلال تقديم خدمات متوازنة تعكس حاجاتهم.
3. تعديل بعض القوانين
• تطوير سياسات تسمح بتصنيف جديد للسكان بين “مقيم دائم” و”مقيم مسجل”، مما يسهل على البلديات التعامل مع الحقائق الديموغرافية بمرونة.
5. الحلول المقترحة لصيدا
• إنشاء مجلس مدني تمثيلي يضم ممثلين عن جميع الفئات السكانية المقيمة، بمن فيهم النازحون والعمال الأجانب.
• تفعيل دور اللجان المحلية في تقديم توصيات للمجلس البلدي .
• تحسين آليات التخطيط البلدي بحيث تعتمد على إحصاءات ميدانية حقيقية وليس فقط على الأرقام الرسمية.
• تعزيز التعاون مع الجهات المانحة الدولية لضمان تقديم الخدمات بطريقة عادلة للجميع.
• تبني مقاربة تنموية تشمل الجميع، بين “المواطن” و”المقيم”.
ختامًا: صيدا إلى أين؟
مستقبل صيدا يعتمد على مدى استعداد القوى السياسية والبلدية للاعتراف بالواقع الديموغرافي الجديد. إذا استمرت الإدارة الحالية في تجاهل الحقائق السكانية، ستتفاقم المشاكل الاجتماعية . لذا يجب تبني نهج أكثر شمولية، فإن المدينة يمكن أن تصبح نموذجًا جديدًا للتعايش المدني والتخطيط الحضري المتكامل، مما ينعكس إيجابًا على جميع السكان، سواء كانوا مواطنين أم مقيمين.
ما يحتم إصلاحات قانونية وإدارية:
• مراجعة القوانين المتعلقة بعمل وإقامة غير المواطنين لتوفير حلول قانونية عادلة تنظم الوجود دون التسبب في فوضى.
• تعزيز دور الأجهزة الإدارية المحلية في تنظيم العمالة غير النظامية وتقديم حلول قانونية.
*الدكتور محمد حسيب البزري
صاحب مركز البزري لجراحة وطب الأسنان - صيدا
عضو مجلس بلدي
-----------
جريدة صيدونيانيوز.نت
الدكتور محمد حسيب البزري : صيدا إلى أين؟ | مستقبل صيدا وواقع الحياة اليومية ومعضلة الديموغرافيا والتمثيل السياسي ؟
2025-03-25