Sidonianews.net
-------------------
الجمهورية
جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة
كان رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون واضحاً في مخاطبته اللبنانيين ومكاشفتهم بواقع الحال، أمام مجلس نقابة محرري الصحافة اللبنانية. كان بليغاً ودقيقاً في إشارته إلى أنّ بعض اللبنانيين الذين يذهبون إلى الولايات المتحدة « يبخّون سمّاً، على بعضهم البعض، وهم مصدر الأخبار المسيئة، لقد أصبح بعض اللبنانيين لا يرحمون حتى أنفسهم». لقد «سمّى» رئيس الجمهورية «الجيرة وسمّى الحي»، ولولا «شوي» كان سمّى من هم الذين يقصدون واشنطن لهذا الغرض.
لم تخل نبرة الرئيس عون من الغضب والعتب في آن. فالكل يغني على ليلاه، فيما الوضع ضاغط، ويستدعي مقاربات شجاعة ومسؤولة لا تستقيم ولا تكون نافذة، ولديها قدرة على اختراق الجدار المسدود إذا لم تتحصن بالوحدة الوطنية، والالتفاف حول الدولة في هذه الحال المعقّدة.
لم يكن رئيس الجمهورية متشائماً، ولم يكن مفرطاً في التفاؤل. كان واقعياً، ولم يوصد أبواب الأمل. ومن حقه أن يستغرب ويدين الحملة التي استهدفت حركته وصوّبت عليها، وضخّت معلومات غير صحيحة، لتوحي أنّ ثمة غضباً أو على الأقل تحولاً أميركياً يصبّ في غير مصلحته. وما يُضحك ويُبكي في آن، هو أنّ ثمة مصادر سرّبت إلى مواقع إخبارية، أنّ اجتماعه مع الوفد الأميركي الأحد الماضي كان صاخباً وعاصفاً قبل انتهاء الاجتماع، لا بل في عزّ الاجتماع الذي طال، ولم يكن كذلك إلّا في مخيلة ناقلي الخبر المغلوط، ونيات مسربيه الذين يريدون زجّ البلاد في مطبّات خطيرة لا تُحمد عقباها.
يبدو أنّ هناك عيناً تنظر ولا ترى، وعيناً ترى ولا تريد أن تُقرّ بإنجازات حصلت ولا تحتاج إلى دليل. وثمة من يريد من رئيس الجمهورية أن يوجّه اهتمامه إلى موضوع واحد وهو سلاح «حزب الله». لقد كان رئيس الجمهورية واضحاً، وقال كلاماً مباشراً، إنّ الحرب لا تقدّم شيئاً ولا مصلحة للبنان فيها، وإنّ أي حرب تنتهي بمفاوضات، وإنّ لبنان قَبل بالتفاوض كمبدأ وإطار قبل الدخول في الكيفية وآلالية، وعلى الحزب أن يتعاطى بواقعية مع هذا الواقع. لكنه في الوقت نفسه كان واضحاً في إشارته إلى أنّ «حزب الله» احترم اتفاق وقف النار مع إسرائيل في منطقة «جنوب الليطاني»، وانّه لم يطلق رصاصة واحدة، ولم يقم بأي عملية عسكرية أو أمنية، وأنّ وحدات الجيش اللبناني الذي سقط له شهداء تقوم بمهماتها في دهم مستودعات الأسلحة أنّى وُجدت، وتدمير الأنفاق ومنع المظاهر المسلحة في حال وجودها. لماذا لا تنصبّ الجهود لحمل إسرائيل على الانسحاب من النقاط الخمس التي تحتلها، وما بين هذه النقاط المواقع الأربعة التي أحدثتها، وإعادة الأسرى اللبنانيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية.
رسالة الرئيس وصلت إلى الجميع: الأولوية هي لاستنقاذ لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، والوصول إلى اتفاق عبر التفاوض الذي ينتظر جواب إسرائيل. الرئيس عون يرى أنّ لبنان لا يزال يلقى الاهتمام الدولي والعربي، بدليل زيارة البابا التي حاول البعض في الداخل والخارج ثني الحبر الأعظم عن القيام بها، لكنه أصرّ على إتمامها في الموعد المتفق عليه بين الفاتيكان والدولة. وهي ستكون زيارة مكتنزة بالدلالات الروحية والسياسية في آن. وعُلم أنّ شيخ الأزهر سيزور لبنان أيضاً، ما يعني أنّ هذا البلد لا يزال يحظى برعاية خاصة لا مجال لإنكارها. والرئيس الذي أشار إلى التعاون القائم بينه وبين كل من رئيسي مجلسي النواب والوزراء، يطمح إلى مواكبة افضل وأكثف من أعضاء الحكومة والمجلس للتطورات جنوباً، ليكون هؤلاء إلى جانب أهلهم ومواطنيهم، والتأكيد انّهم يولونهم اهتماماً خاصاً في مواجهة ما يتعرّضون له من صعاب وتحدّيات، ترقى إلى مرتبة المخاوف الجادة مما تبيته لهم الدولة العبرية.
الكلام الذي قاله الرئيس عون لم يش بحصول حرب واسعة ضدّ لبنان، كما يطبّل لها ويروّج بعض الساسة ووسائل الإعلام، ويعتبرونها قدراً لا مفرّ منه، ولكنه لم يقلّل من خطورة الوضع ودقته واحتمال اتجاه الأمور نحو الأسوأ، لكنه لم يُلقِ سلاح الأمل، مؤكّداً أن ثمة نجاحات قد تحققت، مطمئناً إلى دور الجيش حالاً ومستقبلاً.
زيارة رئيس الجمهورية أكّدت أنّ هذا الرجل لا يريد الحرب، ويسعى إلى اجتنابها. وإنّ ذهابه إلى التفاوض وفق خطوط عريضة تقوم على احترام سيادة لبنان على أرضه، ورفض أي تدبير يشتمّ منه رائحة التنازل عن أساسيات لا يمكن للبنان القبول بها، يبدأ بالانسحاب الإسرائيلي وصولاً إلى استعادة الأسرى، فمباشرة الإعمار. وإنّ مبدأ حصر السلاح لن يكون ثمنه احتراباً داخلياً لمصلحة من يريد أن يكون في لبنان غالب ومغلوب، بما يتعارض مع القاعدة التي أُرسيت بعد أحداث العام 1958، وعلى اعتبار أنّ المنطق الوطني يقول إنّ الوطن هو الغالب دائماً، لأنّ الغلبة هي في مصلحة كل أبنائه، وتخدم استقراره وازدهاره.
ويُستقرأ من بين سطور حديث الرئيس، أنّ البلاد دخلت في مرحلة «شدّ العصب» من هذا الفريق أو ذاك، مع اقتراب الانتخابات النيابية التي يصرّ على إجرائها، ويرفض تأجيلها يوماً واحداً كائنة ما كانت الصعوبات والذرائع. ويتبين من كلامه آلاتي:
- ذهابه إلى خيار التفاوض مع إسرائيل وبتوافق وطني واسع، مع التمسك بثوابت لبنان وحقه في سيادته على أرضه.
- في حديثه عن إيجابية «حزب الله» في جنوب الليطاني، ودعوته له إلى التجاوب مع الدولة اللبنانية في مجال معالجتها لذيول الحرب، بدءاً من موضوع حصر السلاح وصولاً إلى التفاوض، أوجد نوعاً من التوازن، ومقاربة موضوعية تقوم على وجوب قيام تفاهم وطني جامع في مواجهة المرحلة المقبلة.
- تمسّكه بالوحدة الوطنية ورفضه عزل أي مكون وطني والالتفاف عليه تحت أي ذريعة، وإيثاره الحوار على أي خيار آخر، ورفضه ما يشهد الميدان الإعلامي من شحن واستفزاز متبادلين، ولعلّه أراد من الإشارة إلى الذين «يبخّون السمّ»، تنبيه جميع المعنيين، سواء كانوا سياسيين أو أصحاب مصالح أو إعلاميين، إلى خطورة ما يرتبه هذا السلوك.
- وعيه التام إلى خطورة ما يواجهه لبنان على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والمالي، ووجوب التصدّي له بكل الإمكانات. وضرورة أن يكون الوزراء والأجهزة التنفيذية للدولة أكثر حضوراً حيث يجب، وفي الأمكنة الصحيحة والتوقيت الصحيح والسرعة المطلوبة.
- تأكيده حق اللبنانيين في ودائعهم وعدم التهاون في هذا الامر، ولو كان يكتنفه كثير من الصعوبات والعِقد.
كلام رئيس الجمهورية أمام مجلس نقابة المحررين كان شفافاً، واضحاً، مباشراً، وأكّد مجدداً انّه لا يجيد لبس «القفازات».
-----------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / بلا قفازات : صراحة عون والتحصّن بالأمل
2025-11-14





