Sidonianews.net
-------------------------
المصدر: "النهار" / رولان خاطر
نَوْحٌ، وعويلٌ كثير سُمع في باحات العدل في #لبنان. فالمذبحة برأي الكثيرين جرت في أديرة العدالة، وعلى يدِ معتنقيها، وأهالي الشهداء يأبون الصلب إيماناً بأنّ نجمَ الحقيقة سيولد ولو بعد حين.
انقلابٌ على القضاء، على الشرعية، على القانون. حربُ صلاحيات، علامات سقوط الدولة... كثُرت التوصيفات، لكن النتيجة واحدة، دولة مهترئة، ومسؤولون غير مسؤولين، قضاء غبّ الطلب، والضحايا الجدد هم أهالي ضحايا تفجير #مرفأ بيروت.
غالباً ما تردّد على لسان خبراء عسكريين، وعلى أثر المواقف الإسرائيلية والدولية في الساعات الأولى التي أعقبت التفجير، بأنّ إسرائيل هي وراء التفجير. وتقاطع المصالح مع "حزب الله" حتّم التغطية على الملف، وهو ربّما يفسّر الانكفاء الدولي عن التحقيق، والامتناع عن إعطاء صور الأقمار الاصطناعية للبنان، من قبل فرنسا أو حتى من قبل الروس، الذين اكتفوا بإعطاء ما قبل التفجير وما بعده.
ومن هنا، تحدثت سابقاً في مقال عنوانه "مصير #البيطار قاتم وطلب عقوبات أميركية على #القضاء الأعلى ورئيسه؟" عن أن موضوع الكشف عن الحقيقة في تفجير المرفأ قد يكون تحوّل من حُلُم إلى وهم؛ لسببٍ، أنّه إذا كانت إسرائيل وراء التفجير، وإذا كان "حزب الله" هو مَن خزّن النيترات، فلا القضاء الدوليّ سيكون الوسيلة لكشف إسرائيل وإدانتها، ولا القضاء المحليّ سيكون قادراً على اتهام "حزب الله" ومحاسبته. وفي الحالتين، قد تكون حقيقة التفجير ضحيّة جديدة دُفنت في أعماق البحر، وستعرفها أجيال جو نون، وسحر فارس، وألكسندرا نجار، وشربل حتّي، وجو بو صعب، ورالف ملاحي، وغيرهم من الآتين بعد خمسين عاماً.
تساؤلات كثيرة رافقت عودة المحقق العدلي طارق البيطار إلى الملف بعد توقف دام نحو سنة و3 أشهر. ألم تكن الدراسة التي فنّد فيها عودته موجودة طوال هذه الفترة؟ وإذا كان البيطار أنهى دراستها منذ 3 أشهر، فلماذا تأخّر في طرحها والعودة؟ هل كان ينتظر الإخراج المناسب، وجاءت زيارة الوفد الأوروبي "شحمة ع فطيرة"؟
التحرّك الأميركي ودور اللواء إبراهيم
توقيت العودة كان سبقه استئناف الجهود في ملف الموقوفين مع بداية العام الجديد، الذي شهد دفعاً لبنانياً – أميركياً مهماً، تُوّج بجولة للسفيرة الأميركية دوروثي #شيا على كل من رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، والمدعي العام التمييزي القاضي غسان #عويدات، إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم. فيما الأهم في هذه اللقاءات الثلاث يكمن في سبب اللقاء مع اللواء إبراهيم. وهل كان - كما تردّد فعلاً - لطلب المساعدة منه في هذا الملف؟
على عكس التسريبات التي شيعها بعض من يدورون في فلك 8 آذار سياسياً وإعلامياً، فإنّ مهمة السفيرة الأميركية تركزت على ضرورة إيجاد حلّ لملف الـ17 موقوفاً وليس الموقوف الذي يحمل الجنسية الأميركية فقط، أي محمد زياد العوف.
انطلقت مبادرة المسؤولة الأميركية بعدما بدأ الأميركيون بتلمّس ما يعتبرونه تجاوزاً لحقوق الموقوفين الإنسانية، لجهة مكوثهم في الحجز مدة لا تتوافق مع معايير وبنود القانون الدولي، بينما التحقيق في ملف المرفأ كان ما يزال متوقفاً، في الوقت الذي انطلق حراك ناشط في كواليس الإدارة الأميركية يدعو للتحرّك ومعاقبة كل من يخالف القانون ويحوّل موقوفي المرفأ إلى رهائن في السجون اللبنانية، أولاً، بهدف حماية القانون، وثانياً، بهدف حماية القضاء اللبناني برمته.
ويستنتج مرجع قانوني متابع للملف أنّ تحرّك الأميركيين إنْ حصل على الوجه الذي ظهر به، أي على خلفية نشاط السفيرة الأميركية مع المسؤولين، أو خروج الموقوف المُخلى سبيله عوف إلى #واشنطن عبر مطار بيروت، "تحت أعين الأجهزة الأمنية الشرعية وغير الشرعية"، لا يعني تدخّلاً في القرار القضائي السيادي اللبناني، إنّما حرصاً ودعوة له لأن يلتزم بالأصول المتّبعة، وبالقانون، وأن لا يحيد عن المبدأ الأساس، ألا وهو استقلاليته ومهمّته الأساسية هي إحقاق الحق والعدالة.
الخطأ يواجه بخطأ
المطالبة بإطلاق الموقوفين في ظلّ كفّ يد البيطار عن الملف لم يكن بالأمر السهل، لما يمكن أن يعكسه من تفسير خاطئ لدى الرأي العام اللبناني ولدى أهالي الضحايا، خصوصاً أنّ كلّ من سهيل عبود والقاضي البيطار كانا يتقاذفان الكرة في هذا الملف، حتى قيل إن التنسيق بينهما على أشدّه.
لكن مع عودة البيطار المباغتة، والخطأ التكتيكي الذي ارتكبه، بالدخول في مسألة الادّعاءات قبل إصدار قراره الظنيّ، جعل القاضي غسان عويدات، يقرّر الردّ على استدعاء البيطار له كمدّعى عليه في ملف تفجير المرفأ، بإطلاق الموقوفين الـ17، محققاً مجموعة خطوات تقاطعت مصالحها لدى عدّة أطراف.
أولاً: استطاع عويدات بعد كلّ الضغوط الأميركية تفادي عقوبات "وُعد" بها، هو وعدد آخر من القضاة، ومنهم سهيل عبود، انطلاقاً من التقصير في قضية الموقوفين، فأوجد مخرجاً أفرج به عن الموقوفين الـ17 التي تطالب واشنطن بإطلاقهم.
ثانياً: استحصل عويدات على الغطاء الأميركي جرّاء خطوته التي شكّلت تحدّياً كبيراً لفئة من اللبنانيين.
ثالثاً: صدّ هجوم البيطار، ساحباً منه المبادرة بخطوات قد تكون مفيدة لكلّ من يريد "قبعه".
رابعاً: الإضاءة على مخالفات البيطار في ملف المرفأ، وطرح علامات استفهام بشأن ممارساته؛ فعلى سبيل المثال، لماذا قرّر البيطار فجأة الإفراج عن خمسة موقوفين اليوم؟ ما الذي استجدّ في ملفهم ولم يكن موجوداً منذ نحو سنة، خصوصاً أن التحقيق كان متوقّفاً؟
هذا يعيد التحقيق إلى البداية، والتركيز على من أوصل النيترات ومَن سمح بإنزالها. ومعرفة ذلك يسير، خصوصاً أن المسؤوليّات محدّدة، وفق القانون، بعدم إنزال أيّ موادّ من هذا النوع من دون موافقة الجيش؛ وذلك بالتوازي مع المعلومات التي وردت عن سماح القاضي جاد معلوف بإنزال باخرة النيترات.
ولا نقول جديداً إن قلنا إن وليم نون شقيق الشهيد جو نون كشف منذ فترة عن تقرير مزوّر من قبل الجيش، من دون معرفة ما إذا تمّ التحقيق بأمره. فيما أعيد استدعاء جان قهوجي مجدداً واللواء عباس إبراهيم، إضافة إلى جديد استدعاءات البيطار كلّ من القاضيين جاد معلوف، وغسان عويدات وغيرهما.
من هنا، تقول المعلومات إن "خطوة عويدات، كانت اضطرارية، لمعرفته المسبقة أن الجهة المخوّلة البتّ بموضوع البيطار، أي مجلس القضاء الأعلى، لن تقدم على أيّ فعل، فواجه عويدات الخطأ بخطأ لوقف مسرحيات البيطار الشعبويّة والبطوليّة".
ولعلّ الدليل الحيّ على خطأ عويدات هو بيان نقابة المحامين الذي صدر في اجتماعهم الاستثنائي عقب الاعتداء على نواب المعارضة في مكتب وزير العدل هنري خوري، ومختصره أنه "لا يجوز للنائب العام التمييزي المتنحّي أصلاً، والمقبول تنحّيه أصولاً، أن يتخذ أيَّ قرار أو إجراء في الملف، ممّا شكّل تجاوزاً للصلاحيات وخرقاً للقانون. ويقتضي عليه احترام الأصول القانونية والرجوع عن قراراته التي تحمل أخطاءً جسيمة، وترك التحقيق يأخذ مجراه بواسطة المحقق العدلي المعيّن أصولاً".
بين سطور الكلام الأميركي
لا شك في أنّ عويدات أمعن في زيادة الشرخ ضمن المؤسسة القضائية، والذي انعكس شرخاً إضافياً على الأجهزة العسكرية والأمنية التي امتثلت لتعاميمه، إلّا أن صدقيّة القاضي العدليّ بالموازاة تشظّت جراء الشكوك حول بعض الممارسات التي يعتبرها قانونيّون تساؤلات قانونيّة محقة، يُضاف إليها موقف الخارجية الأميركية الأخير المقتضب والحمّال لعدّة أوجه، الذي دعا إلى "استكمال تحقيق سريع وشفّاف في الانفجار المروّع في مرفأ بيروت". والموقف لا يعني بالضرورة وجود البيطار على رأس التحقيق.
من هنا، فإن سيناريو الفوضى القضائية المنظّمة الذي رُسم وطُبّق في اليومين الأخيرين، حيك بأياد لبنانية، وبغطاء أميركي بهدف كسر الجمود في ملف الموقوفين المخالف للقانون، وشكّل صفعة مدوّية للبيطار، وقد يُستكمل في الأيام المقبلة - بحسب المعلومات - بسيناريو مدروس يُبعد البيطار عن الملف مجرّداً من قرار ظنيّ، يحتاج لأكثر من 10 في المئة لاكتماله.
ومن المفيد القراءة بين سطور كلام المدعي العام التمييزي خلال دردشة مع الصحافيين، حيث قال رداً على سؤال متى ستحرّكون ملف المرفأ: "بس نخلص من الخطر الكبير"، غامزاً من قناة البيطار.
--------------------------
جريدة صيدونيانيوز.نت / اخبار لبنان / صفعة للبيطار... وعويدات نفّذ بغطاء أميركي
2023-01-27