الرئيسية / أخبار لبنان /شقيقان يقتلان الصاغة والتحرّي يوقفهما

محل ذهب (تعبيرية- انترنت)

جريدة صيدونيانيوز.نت / شقيقان يقتلان الصاغة والتحرّي يوقفهما

شقيقان يقتلان الصاغة والتحرّي يوقفهما

 

العميد المتقاعد أنور يحيى المصدر: "النهار"

 

 منتصف العام 1986، هزت منطقة #زحلة جريمة مروعة إذ دخل ثلاثة شبان أحدهم يرتدي بزة عسكرية، محل الصائغ بولس ش. الكائن على بوليفار المدينة، وقتلوه بمسدس كاتم للصوت وسرقوا ما يفوق العشرة كلغ من الذهب وفروا بسيارة مرسيدس قديمة، لونها أخضر، وفقا لما صورته كاميرا وضعها المغدور للوقاية من الحوادث، لكنها صورت ما جرى ، ولم تحمِه من وحشية الجناة القتلة! ولم تفضِ التحقيقات التي قام بها الدرك والشرطة القضائية باشراف النيابة العامة الى نتيجة ايجابية ربما بسبب الوضع الأمني الذي كان سائدا في حينه.

 

 

 

نُكبت عائلة المغدور وسافرت أرملته وأولادها ليستقروا في الخارج هربا من ذكريات محزنة الى الأبد.

 

 

 

في العام 1992، وفي مدينة زحلة خلف السنترال، قُتل الصائغ نبيل د. داخل متجره لبيع الذهب والمجوهرات، بمسدس كاتم للصوت، وسُرق منه تسعة كلغ من الذهب، وقد سجلت كاميرا قريبة توقّف سيارة مرسيدس قديمة خضراء ودخول سيدة تحمل طفلا، ثم خرجت لتدخل مجددا برفقة شابين، أحدهما يحمل كيسا عائدا لأحد متاجر زحلة، ويخرج الجميع بعد أقل من سبع دقائق. أجريت التحقيقات باشراف النيابة العامة في زحلة من قبل الضابطة العدلية: درك ورجال التحري، من دون التوصل الى نتيجة ايجابية، وظل ملف الحادث ينتظر من يعيد المراجعة والدراسة لاستثمار المعلومات التي حُفظت. هاجرت عائلة المغدور الى الولايات المتحدة ذعرا وغضبا وحسرة على الأب والزوج الضحية.

 

 

 

 

 

 

 

لم تنفع ثلاث مسيرات من منزل المغدور الى سرايا المدينة للمطالبة بكشف الجناة الذين نشروا الذعر لدى الأهالي وتجار زحلة.

 

 

 

في آذار من العام 1996، وفي زحلة، قرب منزل الرئيس الياس الهراوي، وفي منتصف النهار، قُتل الصائغ موسى د. في محله لبيع الذهب والمجوهرات بمسدس كاتم للصوت وسُرق منه عشرة كلغ من الذهب، وفقا لتقارير الطب الشرعي والمباحث العلمية في الشرطة القضائية، وسجلت الكاميرا المنصوبة لمراقبة المدخل، توقف سيارة مرسيدس قديمة، خضراء اللون، حيث ترجلت منها سيدة تحمل طفلا، ثم تخرج بعد دقائق ليدخل شابان ينقل أحدهما كيسا بشكل هدية ملفوفة من أحد متاجر زحلة المعروفة، ثم ليخرجا بعد عشر دقائق ويستقلا المرسيدس الخضراء ويغادر الجميع المحلة. في الحالات الثلاث، لم تظهر أرقام لوحة المرسيدس بوضوح وفقا للتحقيقات التي أجرتها مفرزة تحري زحلة، مما سهّل إخفاء بعض الأدلة. لم يشفع وجود المتجر على مقربة من منزل رئيس الجمهورية المحروس لاسباب شتى! والمعروف عن المغدور أنه لا يفتح الباب اذا كان وحيدا في الداخل إلا لأشخاص يعرفهم، فكيف تمكنت السيدة مع طفلها من اعطاء الطمأنينة له وقد كلفه ذلك حياته وإصابة عائلته المنكوبة بجروح لن تندمل ولو بمرور السنين رغم سفرهم الى الخارج سعيا وراء الأمن والرزق .

 

 

 

في الجرائم الثلاث، لم يعثر رجال الأدلة الجنائية على الرصاص الفارغ بعد اطلاق النار، رغم تحديد العيار 7 ملم ومن كاتم للصوت! لا أدلة، لا بصمات غريبة في مواقع الجرائم الثلاث، مما حيّر المحققين بحثاً عن القتلة المحترفين الذين ألقوا الرعب في مدينة زحلة آنذاك.

 

 

 

كُثفت الدوريات باللباس الرسمي والمدني، ونفذت القوى الأمنية تدابير لطمأنة الأهالي بطلب من رئيس الجمهورية .

 

 

 

إن ظروف مدينة زحلة حينذاك كانت صعبة، حيث تنتشر القوات السورية وميليشيات مدعومة وتعاني أجهزة الدولة نقصاً في المعدات وضعفاً في المعنويات، وهو الأهم في عمل المباحث.

 

 

 

بتاريخ الثالث من تموز 1998، وفي محلة مزرعة يشوع ، قُتلت الفتاتان الأرمنيتان روزا ولينا، اللتان تستثمران متجرا لبيع المجوهرات والحلي يعرف باسمR&L. سجلت الكاميرا المثبتة لمراقبة الحركة، توقف سيارة مرسيدس قديمة خضراء اللون، يترجل منها سيدة تحمل طفلا، تدخل المحل لدقائق، ثم تخرج ليدخل رجلان أحدهما ينقل كيسا بشكل هدية، ثم يخرج الاثنان بعد عشر دقائق، يستقلان السيارة ويغادران برفقة السيدة من دون إثارة الانتباه. لم يتعرف المحققون الى رقم اللوحة التي ربما تم اختيار أرقامها غير المقروءة لاخفاء الأدلة.

 

 

 

قتلت الفتاتان بمسدس كاتم للصوت، وسرقت ثمانية كلغ من الذهب. هرعت الأجهزة الأمنية وكلها بهدف جمع المعلومات ، من دون تنسيق وتوحيد للجهد الاستعلامي والتحقيقي الذي تولته مفرزة جونيه القضائية وفقا لاشارة النيابة العامة في جبل لبنان.

 

 

 

نفّذ أهالي المغدورتين والتجار مسيرات الى سرايا المتن مطالبين بكشف الجناة وإعادة الأمن المفقود.

 

 

 

وقد سُرق جهاز خليوي لاحدى الضحيتين وعملت دوريات الاستقصاء لمتابعته وعثرت عليه بحوزة المواطن هاني ي.الذي خضع لاستجواب طويل في المفرزة، وبرر وجود الخليوي بأنه اشتراه بمئتي دولار من عامل سوري صادفه قرب سوبرماركت في قب الياس ولا يعرفه اطلاقا!

 

 

 

بنهاية التحقيق لمدة 24 ساعة، تُرك هاني بسند اقامة، وفقا لقرار النيابة العامة.

 

 

 

لم يجرِ المدعي العام التحقيقات شخصيا وضمن الجرم المشهود في حادث هز لبنان ونشر الخوف والقلق، بل اكتفى بمتابعة الجريمة من قبل المعنيين باشرافه. وكان الأولى أن يحضر بنفسه التحقيقات الجنائية لدى الضابطة العدلية، وبحسب خبرتنا، أن متابعة القاضي ميدانيا تضفي أهمية ودقة لاجراءات الضابطة العدلية العاملة بادارته.

 

 

 

بتاريخ 3/8/2005، تقدم العقيد فادي سلمان آمر مفرزة زحلة القضائية من قائد الشرطة القضائية العميد أنور يحيى، وأفاده بأن أحد المخبرين السريين الصادقين والذي يتقاضى مرتبا شهريا من الشرطة القضائية، تقدم منه وأفاده بأن هاني ي. وأخيه محمد اللذين ينفذان محكوميتهما بالحبس، الأول لمد 20 سنة والثاني 15 سنة مع الأشغال الشاقة بجريمة قتل صهرهما حسن ح. من قب الياس، قد يكونان على علاقة بقتل الصاغة الثلاثة في زحلة.

 

 

 

على الفور شكلنا فريق عمل برئاسة العقيد سلمان لاستئذان النائب العام الاستئنافي في زحلة لاعادة فتح ملف قتل الصاغة في زحلة، اضافة الى مراجعة النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان لمتابعة مقتل الفتاتين الأرمنيتين في مزرعة يشوع والتحقق من السيارة التي كان يستخدمها الشقيقان منذ العام 1986، المسدس بحوزتهما، الزوجة والأطفال، مظاهر الاثراء، والتدقيق بمحاضر كشوفات الأدلة الجنائية والطب الشرعي بالحوادث الثلاثة.

 

 

 

باشرت الشرطة القضائية بكل مكاتبها ومحفوظاتها وملفاتها كخلية نحل، وتحقق العقيد فادي سلمان من وجود سيارة مرسيدس خضراء لدى هاني ومسدس كاتم للصوت بحوزة محمد وفقا لمعلومات أحد المخبرين الصادقين والسريين.

 

 

 

تم استجواب هاني ومحمد في سجن رومية بموافقة النيابة العامة المختصة، وبجهد مميز ومتابعة مدعمة بالوثائق والادلة ومعلومات المخبرين، اعترف هاني بأنه هو من نفذ عملية قتل الصاغة: بولس(1986) ونبيل (1992) وموسى(1996) في زحلة، وأن الجندي الذي رافقه في العملية الأولى كان شقيق زوجته استقدمه لطمأنة المغدور. أما في جريمتي نبيل وموسى فقد طلب من زوجته رويدا وطفلهما الدخول أولا ليطمئن الصائغ، حيث هي تختار القطعة ثم يدخل الأخوان بحجة دفع المبلغ وتسلم الذهب، وكان أحدهما يحمل كيسا من أحد متاجر زحلة وفيه مسدس كاتم للصوت، يوجه فوهته نحو صدغ الضحية، يطلق عليه طلقتين، يبقى الظرفان الفارغان داخل الكيس، وبعد سقوط الضحية يرتدي أحدهما القفازات لجمع الذهب فيما يقف الآخر قرب الباب للحماية والمراقبة. ثم ينطلق هاني وموسى ورويدا والطفل بالمرسيدس بعيدا من مسرح الجريمة لبيع المجوهرات!

 

 

 

اعترفا بتنفيذ جريمة قتل الفتاتين في مزرعة يشوع عام 1998، حيث تدخل رويدا والطفل لشراء اسوارة ، ثم يدخل الشقيقان هاني ومحمد بناء لطلب رويدا بحجة دفع الثمن وتسلم الاسوارة ، وأثناء وضعها في العلبة ينقضّ هاني موجها العلبة التي تحوي المسدس الى رأس كل من رولا ورفيقتها، بينما يضع الآخر القفازات لجمع الذهب وسرعة المغادرة بعد سرقة هاتف خليوي لاحداهن.

 

 

 

استدعي هاني بعد اسبوعين الى مفرزة جونية القضائية لاستجوابه بشرعية استخدام هاتف الضحية، فبرر أنه اشتراه من عامل سوري في قب الياس. وقد تذكر هاني أنه ما زال يحمل ساعة ثمينة مسروقة من محل الصاغة R&L فاستأذن المحققين في دائرة التحري للدخول الى الحمام لقضاء حاجة، فسمحوا له، دخل ووضع الساعة المسروقة في سيفون الحمام القديم، ثم خلّى المدعي العام سبيله بسند اقامة الى ان أوقف مع أخيه اخيرا بجرم قتل صهرهما لأسباب عائلية وحكم عليه من جنايات البقاع بعشرين سنة وأخيه بـ12 سنة مع الأشغال.

 

 

 

تحققت دورية من تحري زحلة من وجود الساعة الثمينة المسروقة من محل R&L في سيفون حمام مفرزة جونية القضائية بعدما خبأها هاني فيه عام 1998. وكانت دليلا قاطعا على واقعية الرواية.

 

 

 

فوجئ النائب العام الاستئنافي في زحلة القاضي عبدالله بيطار بجدارة التحري والمتابعة مع الأدلة الدامغة لاثبات ما حصل، وقد شوهدت سيارة المرسيدس القديمة المركونة منذ سنوات في بورة بجوار منزل القتلة، أما المسدس الكاتم للصوت فقد باعه هاني لأحد الغرباء عن بلدته.

 

 

 

بعض اهالي الضحايا أعادوا ذكريات أليمة حيث ادعوا بوجه القتلة، وتم توقيف الزوجة، والمجند، في حينه، والذي انهى خدمة العلم، وأحيل الجميع على النيابة العامة المختصة.

 

 

 

إن أماطة اللثام عن أربع جرائم قتل باحتراف وتمويه وسرقة كميات كبيرة من الذهب، مر على بعضها 19 عاما، تم بحرفية عالية من قبل الشرطة القضائية وأثبت العقيد فادي سلمان ورجاله بالتعاون مع المخبرين، ركيزة عمل المباحث والتحري، الجدارة والدقة التي لاقت الثناء من القضاء وقيادة الشرطة القضائية والمدير العام لقوى الأمن الداخلي الذي نوه بعمل مفرزة زحلة القضائية ورجالها ومنحهم مكافآت مالية تشجيعا وتقديرا.

 

 

 

أن ممارسة التحري لدورهم كضابطة عدلية مساعدة للنائب العام تستوجب تجهيزها عدة وعديدا وتزويدها بداتا الاتصالات لتعزيز الأدلة، وتوحيد المعلومات وجمع الاستخبارات الامنية لسرعة استثمارها وعدم افساح المجال لفرار الجناة وتبديد الأموال المسروقة.

 

 

 

لكن تعدد الأجهزة الأمنية: مخابرات، معلومات، أمن عام، أمن دولة، درك، تحري، للقيام بالتحقيقات الجزائية، وفي ظل عدم تولي القاضي، النائب العام أو معاونه، التحقيق شخصيا لاسيما في الجرائم الهامة، وعدم توحيد الجهود والاستفادة من الاستخبارات الأمنية المحفوظة، تعيق الانجاز الأمني بكشف الجرائم مما يفقد الصدقية والثقة بين المواطن والشرطة وينشر الشعور بعدم الاطمئنان الى الغد لاسيما امام الشباب، الذي لا يطلع عبر الاعلام الا على تفشي فساد الدولة واعاقة اتخاذ القرارات للخلاف على اقتسام الصفقات، وتكاثر الجرائم وانتشار السلاح وضعف هيبة الدولة !

2017-11-06

دلالات: